أصبحت العطل الصيفية والمناسبات المتوالية التي تعقبها بمثابة كابوس حقيقي يؤرق بال العديد من الأسر المغربية بمختلف شرائحها، نظرا للإكراهات المالية التي تفرضها. فدخول شهر رمضان المبارك بعد العطلة الصيفية، وبعده عيد الفطر المبارك، ثم عيد الأضحى، أصبح يفرض على الأسر المغربية طلب القروض الاستهلاكية والسلفات الصغرى من المؤسسات البنكية، أو مؤسسات القروض الخاصة، فيما فضل البعض الآخر الاستدانة عبر جمعيات أو ما يطلق عليه في مدينة تطوان ب«دارت». وكثفت مؤسسات القروض الاستهلاكية والبنوك حملاتها الإشهارية لترويج منتوجاتها، بمناسبة عطلة الصيف، وبمناسبات أخرى متعاقبة بعدها. وتعاني عدة أسر من مدينة تطوان مع شركات ومؤسسات القروض، حيث يحكي محمد رضا، وهو مستخدم بإحدى شركات معدات البناء عن معاناته مع جمعية خاصة للقروض بتطوان، والكابوس الذي ينغص حياته معها منذ أكثر من أربع سنوات، حيث لا ينجو من قرض حتى يدخل في دوامة آخر. ويصف محمد أن طلب القروض من الجمعيات الخاصة أصبح بمثابة «الإدمان»، حيث اضطر في عدة مناسبات إلى بيع الأثاث البسيط لبيته، فيما وصل به الأمر في إحدى المرات إلى المثول أمام النيابة العامة بسبب شكاية إحدى السيدات في جمعية شعبية للقروض من عدم تأدية المبالغ المالية الشهرية المستحقة عليه. إن تهافت المواطنين على القروض التي أرهقت كاهلهم يعود إلى نجاح شركات التمويل والقروض الصغرى في تشجيع المواطنين على اللجوء إلى الاقتراض، بسبب الارتفاع الكبير لأسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، مقابل جمود المداخيل، الأمر الذي يؤدي إلى اللجوء والإدمان على الاستدانة. ويحكي عبد السلام، وهو رجل تعليم، كيف أنه أرغم ابنته البالغة من العمر 17 سنة على الزواج من مهاجر مغربي مقيم في هولندا لمجرد حاجته إلى مبلغ المهر المقدم من العريس وللغرامات (الهدايا المالية) التي يمنحها الأصدقاء والعائلة، وذلك فقط من أجل تأدية ديونه التي بلغت حينها 20 ألف درهم. «لقد ضحيت بابنتي من أجل تأدية الديون التي تراكمت فوائدها بسبب تأخري في تأدية أقساطها»، يقول عبد السلام، مضيفا أن زواج ابنته فشل سنة بعد إنجابها حيث تم تطليقها قبل أن تهاجر إلى إسبانيا، حيث مازالت تعيش هناك، فيما يتكلف الأب حاليا بتربية حفيده الذي لم يكن سوى ضحية لصفقة زواج من أجل تأدية أقساط القروض من طرف جده. وحسب بحث سبق أن أجراه بنك المغرب، فإن الموظفين والأجراء يشكلون نسبة 93 بالمائة من مجموع المقترضين للاستهلاك، فيما تشمل النسبة الباقية أصحاب المهن الحرة. وأفادت الأرقام نفسها أن القروض الممنوحة إلى الأشخاص، الذين تقل رواتبهم الشهرية عن 3 آلاف درهم، تمثل نسبة 40 بالمائة، فيما تمثل نسبة 35 بالمائة الذين لا تتجاوز رواتبهم 4 آلاف درهم. وتحكي عائشة وهي ممرضة، أنها «اضطرت إلى بيع بعض حليها التي تعود لبداية زواجها دون علم زوجها، من أجل تأدية أقساط قرض لها لدى جمعية مكونة من بعض الأطر الصحية. «اضطررت للانخراط في «الجمعية» أملا في الظفر بقرض بهدف السفر إلى مدينة شاطئية، لكنني لم أستطع تأدية أقساطه بسبب طارئ عائلي، ما جعلني أبيع بعض أساوري بثمن بخس دون علم الأسرة». وتلقي عائشة باللائمة على دهاء شركات القروض وشعاراتها المتضمنة على حد قولها لشروط «سهلة»، لإغراء الزبائن الذين يتشكلون في غالبيتهم من الموظفين والمستخدمين، حيث تدفعهم إلى التفكير في طلب الاقتراض، بسبب الضغوطات المادية اليومية التي يعيشونها مقابل مطالب عديدة من طرف الأسرة، من قبيل العطلة الصيفية أو موسم الدخول المدرسي، الأمر الذي يحول حياتهم إلى جحيم لا يطاق. فالقروض الصغرى ارتفعت خلال السنوات الأخيرة، حيث لا تعمل سوى على توسيع دائرة الفقر، إذ أصبح المستخدمون والموظفون، أفضل وسيلة تمتطيها هذه المؤسسات للاغتناء. إن ظاهرة الإدمان على الاقتراض من أجل الاستهلاك، لا تخلو من مخاطر، تصل في حالات عدة إلى التسبب في التفكك الأسري، ومن طلب سلف إلى آخر سنة بعد أخرى، مما يسفر عنه مشاكل كبيرة وثغرات مالية كبرى في مداخيل المستخدمين حيث يصير الاعتماد على طلب قروض جديدة لتسديد أقساط ديون سابقة أمرا عاديا، ونفقا دون مخرج، لا يؤدي سوى إلى السقوط في دائرة الفقر والاحتياج.