سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ذو الرشاد: تمكنا من بث مقابلة مع نائب وزير الخارجية العراقي يسبّ فيها مسؤوليين إماراتييين قال إن مسؤولا في فندق «شيراتون» بالعراق وجد لطاقم أبوضبي جناحا بأكمله عندما رأى حقيبة مليئة بالأموال
في جلسات حوار مطولة، هي على شكل اعترافات، تحدث الزميل محمد ذو الرشاد، وهو من أبرز الإعلاميين المغاربة، الذين وضعوا اللبنات الأولى في العمل المهني، في حقل السمعي البصري، عن معارك خاضها رفقة زملاء له آخرين، من أجل إصلاح الأوضاع داخل التلفزيون المغربي. وتطرق إلى تفاصيل ملموسة لتدخل وزارة الداخلية في توجيه التلفزيون المغربي. وقارن بين ماضي القناة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وحاضرها. وقدم حكايات أخرى عن تجارب له في أمريكا وفي منطقة الخليج، قبل أن يعود مجددا، في اعترافاته، ليتحدث عن القناة الأولى، وهو الذي كان من نجومها، في وقت من الأوقات، يشرف على نشراتها الإخبارية ويقدمها في بعض الأحيان, ويغطي ويواكب أنشطة الملك الراحل الحسن الثاني، سواء داخل أو خارج المغرب. - في تلك المرحلة الحساسة جدا، ألم تكن آنذاك كمسؤول عن القناة تتلقى اتصالات من طرف مسؤولين من العراق أو الإمارات حول موضوع التغطيات؟ لم يحصل هذا على الإطلاق، فلم يكن أي اتصال حول موضوع التغطيات المختلفة, سواء تعلق الأمر بالعراق أو غير العراق، كفلسطين أو أفغانستان أو أحداث 11 شتنبر، لم يكن هناك اتصال بالمعنى الذي تقصده، حتى في الأحداث الداخلية المتعلقة بالإمارات أو تلك المتعلقة برئيس الدولة المرحوم الشيخ زايد. عندما كنا نقدم أخبار أنشطة الشيخ زايد داخل الإمارات أو خارجها لم تكن تتجاوز تلك التغطية دقيقة واحدة أو أقل، ولم نتلق أي اتصال من أي جهة في الدولة، إلا من القائمين على مؤسسة الإمارات للإعلام، من طرف الشيخ عبد الله بن زايد بصفته رئيس مجلس الإدارة، أو من طرف المدير العام لمؤسسة الإمارات للإعلام، وكل تلك الاتصالات كانت تدور فقط حول أداء القناة مقارنة مع القنوات الأخرى، دون التطرق إلى مضمون ما تقدمه القناة. أكثر من هذا، حصل أمر طريف للغاية قبيل اندلاع الحرب على العراق، وكان ذلك أثناء مؤتمر الجامعة العربية. نتذكر جميعا أن الشيخ زايد رحمه الله كان قد طرح فكرة انسحاب صدام من العراق لتجنب الحرب، مقابل ضمان ممر آمن له ولأسرته. وهذا الموضوع نوقش بحدة داخل مجلس الجامعة العربية، وكان مراسلو أبو ظبي متواجدين في عين المكان، ومن ضمنهم الزميل عبد الرحمان العدوي. قال لي عبد الرحمان في مكالمة تلفونية إنه سيجري مقابلة مع نائب وزير الخارجية العراقي ناجي صبري. لكن الوزير العراقي، عندما اكتشف أنه أمام فريق من قناة أبو ظبي، قال لعبد الرحمان العدوي ما معناه» أتحداكم أن تبثوا المقابلة على تلفزيون أبو ظبي، أتحداكم جميعا. وبدأت المقابلة» وأول ما قاله الرجل كان شتما وسبا وتقديحا في شخص الشيخ عبد الله بن زايد. قال كلاما استعمل فيه ألفاظا قذرة ومسيئة للوزير الإماراتي. وأخبرني الزميل عبد الرحمن بما دار في المقابلة، واطلع عدد من الزملاء ورؤساء التحرير على شريط المقابلة فأصيبوا بصدمة كبيرة، وبدؤوا يتساءلون إن كانت المقابلة تصلح للبث. قلت لهم إن الرجل مسؤول في الحكومة العراقية يقوم مقام وزير الخارجية العراقي طارق عزيز، وهو موفد الرئيس العراقي وكلامه كلام رسمي. بعض الإخوة الإماراتيين على الخصوص أصيبوا بنوع من الهلع، قائلين إنه إذا بثت المقابلة فستكون فضيحة كبرى وستكون لها انعكاسات خطيرة. وللتأكد من كل هذا، اتصلت بالشيخ عبد الله بن زايد وطرحت عليه الموضوع. فقال لي إذا كان الواجب المهني يقتضي بث المقابلة، فيجب بثها. كانت نشرة الأخبار بعد ذلك بنصف ساعة. أخذنا من المقابلة نحو دقيقتين تتضمنان ما قاله المسؤول العراقي من كلام شنيع. وفي المساء اتصل بي الشيخ وقال لي: أنا أعاتبك، لماذا لم تعد المقابلة مرة ثانية؟ ولماذا لم تبث المقابلة كاملة؟ وطلب مني إعادتها عدة مرات وأن تشملها نشرات اليوم التالي أيضا. وهذا ما كان. هذا الوعي الذي كان بالإمارات، وتحديدا لدى هذا المسؤول عن قطاع الإعلام، وهو واحد من أفراد الأسرة الحاكمة في الدولة، ترك لدي انطباعا جعلني أحترم هذا الرجل وأحترم هذه الدولة وأحترم طريقة تعاملها مع نفسها ومع الآخر. - لكن هذه الرؤية لم تدم طويلا فقد انهارت القناة الإخبارية بعد هذا النجاح بعد برهة من الزمن. ماذا حدث بالضبط؟ أعداء النجاح تجدهم في كل الدول. لكن دعني أشير إلى أنه بعد سقوط بغداد، كان علي أن أذهب إلى العراق على رأس فريق يتكون من 80 من الإعلاميين والفنيين. وسافرنا عن طريق الأردن برا من عمان إلى بغداد لمدة 16 ساعة، وكان الوضع غير آمن تماما على الطريق. وكان لا يمكنك السفر إلا إذا كنت ضمن قافلة من السيارات، تجنبا للكمائن، خاصة وأن بعض الصحفيين الأوروبيين الذين سافروا بمفردهم عبر طريق عمان- بغداد كانوا قد تعرضوا للاختطاف تحت التهديد بالسلاح. وصلت قافلتنا إلى بغداد بأمان، وكانت محملة بالمؤن والماء، لأنه لم يكن أي شيء يذكر من هذه المواد موجودا ببغداد. كانت بغداد عبارة عن مدينة أشباح، لا شيء فيها يتحرك، باستثناء حركة القوات الأمريكية. لم يكن وجود للمارة وللسيارات بالشوارع، ولم يكن هناك وجود للكهرباء أو الماء أو الهاتف أو البنزين، كما أن كل المحلات كانت مغلقة. حجزت لنا غرف بفندق الزهور، ولكن لاحظت أن الحراسة الأمنية كانت منعدمة، وخاصة في مدينة ما تزال تكتنفها المخاطر من كل جانب. وقررت الدخول إلى المنطقة المحروسة المحاطة بالأسلاك الشائكة، والتي هي منطقة الإعلاميين العاملين ساعتها من العرب والأجانب بفندق «فلسطين» وفندق «شيراتون»، وعندما دخلت فندق «فلسطين» وجدته محجوزا عن آخره، ونفس الوضع بالنسبة لفندق «شيراتون». وخاطبني أحدهم آنذاك قائلا إنه متأسف لعدم وجود غرف شاغرة. وبدأنا نتصور أننا ربما سنمضي ليلتنا في الشارع أو في بهو الفندق. لكن، ما إن رأى مسؤول الفندق حقيبة الأموال التي كانت بحوزتنا، حتى غير رأيه، وبدأ يبحث في سجلات الفندق عن غرف شاغرة. فجأة، وبقدرة قادر، أصبحت هناك غرف داخل الفندق، وفي اليوم التالي، سلَّمنا الجناح الرئاسي بكامله في الطابق 17، ووضعنا لافتات تحمل شعار «لوغو» قناة أبو ظبي على واجهات الفندق، حتى إن الزملاء الصحفيين بدؤوا يطلقون على الفندق اسم «شيراتون» أبو ظبي.