يقول عز الدين العالم الباحث في الآداب السلطانية إن لكل نظام حكم آلياته التي يشتغل بها والتي يتجلى من خلالها، فالحكم في نظره ليس جوهرا فقط بل أشكالا وطقوسا أيضا. ويضيف العلام أن من حق الملك الطبيعي أن يتفرد في كل شيء، اسما ومسكنا ومأكلا. - كيف كان السلاطين يقضون أوقات فراغهم؟ < كان السلطان أن يريح نفسه من أعباء الحكم، ويتجسد ذلك في سلوكات كثيرة، مثل اللعب بالكرة ولعب الشطرنج والصيد، إضافة إلى ما يمكن أن نسميه مسامرة الملوك في جلسات خاصة. ما يثير الانتباه هو أن هذا اللهو الملوكي له قواعد جدية يجب احترامها سواء تعلق الأمر بالحاكم نفسه أو بأصدقائه أو جلسائه، وهي تتعلق بكيفية الدخول أو اللباس أو طريقة الكلام. فهنا لا ينبغي أن ننسى أنه يتم اعتبار الرعية بمثابة مخزن للجبايات ومصدر للتجنيد وتظل الطاعة هي الواجب الرئيسي الذي يربط الحاكم برعيته في الآداب السلطانية ولا يحق لها، تحت أية ذريعة، الخروج عن هذا المبدأ، لذا يظل دائما استبعاد أن تكون الرعية على علم بالأوقات الخاصة للسلطان الذي يتعين عليه، من جهة، تجنب الظهور المتكرر أمام الشعب حتى لا يهين أمره وتستسهل معصيته، وألا يحدد زمنا معلوما للظهور أمامهم، من جهة أخرى. - وهل كان الشعب على معرفة بأن للسلطان «هوايات» خاصة به؟ < هناك عبارة تتكرر في النصوص التاريخية وهي أنه على الرعية أن تتجنب الخوض في أسباب السلطان، فبالأحرى الاهتمام بالمجالات الخاصة للمتعة الملوكية التي تظل طي الكتمان والتي قد لا تتماشى مع صورته الدينية كأمير للمؤمنين، ويظهر هنا تناقض بين الصورة المفترضة عن السلطان وحياته الخاصة. سيكون من الخطأ القول بأن ما نعيشه اليوم في إطار الدولة المغربية هو نظام سلطاني تقليدي، ولكن لا يجب في نفس الوقت أن نغالط أنفسنا بالقول إننا دولة حديثة وكل الحاكمين مسؤولون قانونيا ومؤسساتيا. - ماهي الطقوس التي ميزت المجالس التي يقضيها السلطان بعيدا عن تسيير شؤون الحكم؟ < هناك جوانب تجعل النظام الملكي يحمل في طقوسه استمرارية الأنظمة السلطانية التقليدية سواء من حيث البروتوكول وطبيعة الحكم السياسي. على السلطان أن يكون دائما، سواء في حالات الجد أو الهزل، على حال معتدلة فلا يبدو منقبضا ولا يبدو منشرحا بل في حال من التوسط يصعب معها أن ندرك حالته النفسية، وينصح المقربون السلطان بأن يتحكم في جسده ويضبط حركاته وليس العكس. كان ملوك الفرس يضعون حجابا بينهم وبين جلسائهم في مجامعهم الخاصة. ويختار السلطان أثناء قضائه لوقت الفراغ عددا من الخاصة المؤتمنين على أسراره وتفاصيل حياته الخاصة. وعبر تاريخ السلاطين، امتاز الحاكم أو السلطان بجانب من المزاجية في تدبيره للشأن العام، إذ كثيرا ما تتخذ قرارات لا منطق لها بعيدا عن الطقوس الاعتيادية لاتخاذ القرار السياسي، حيث أقدم الحاكم بأمر الله في الدولة الفاطمية أثناء إحدى جلساته الخاصة على اتخاذ قرار غريب يقضي بأن تنام الرعية في النهار وتعمل بالليل، هذا إلى جانب حضور الجانب المدهش في طقوس تلك المجالس والتي جعلت المؤرخين يتحدثون، مثلا، عن مسابح من النبيذ، وهي أشياء تعكس رغبة السلطان في أشياء تتجاوز حدود المعقول. * أستاذ العلوم السياسية ومؤلف كتاب «الآداب السلطانية»