سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ذو الرشاد: كان هم «صوت أمريكا» هو إعطاء صورة عن العمل الإعلامي في دولة ديمقراطية كان كل العاملين في الإذاعة يعارضون الهجوم الأمريكي على العراق ولكنهم كانوا يشتغلون بمهنية
في جلسات حوار مطولة، هي على شكل اعترافات، تحدث الزميل محمد ذو الرشاد، وهو من أبرز الإعلاميين المغاربة، الذين وضعوا اللبنات الأولى في العمل المهني، في حقل السمعي البصري، عن معارك خاضها رفقة زملاء له آخرين، من أجل إصلاح الأوضاع داخل التلفزيون المغربي. وتطرق إلى تفاصيل ملموسة لتدخل وزارة الداخلية في توجيه التلفزيون المغربي. وقارن بين ماضي القناة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وحاضرها. وقدم حكايات أخرى عن تجارب له في أمريكا وفي منطقة الخليج، قبل أن يعود مجددا، في اعترافاته، ليتحدث عن القناة الأولى، وهو الذي كان من نجومها، في وقت من الأوقات، يشرف على نشراتها الإخبارية ويقدمها في بعض الأحيان, ويغطي ويواكب أنشطة الملك الراحل الحسن الثاني، سواء داخل أو خارج المغرب. - قلتَ إن أمريكا كانت تراهن على دقيقتين فقط في الإذاعة من أجل إيصال صوتها إلى العالم العربي. لكن هذه الإذاعة كانت على ما يبدو مع ذلك محدودة الانتشار في العالم العربي؟ إذاعة صوت أمريكا أنشئت خلال الحرب العالمية الثانية, وكانت تقدم الأخبار عما يقوم به الحلفاء لمواجهة الدعاية النازية آنذاك، وبعد دخول أمريكا في الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي كان همها هو تخطي الحاجز الفولاذي لإيصال الأخبار إلى من يعيشون داخل الاتحاد السوفياتي والعالم الشيوعي، بحكم أن هذا العالم، من وجهة نظر أمريكية، كان يتبع أساليب التضليل ويحجب الأخبار الدقيقة عن مواطنيه. واستمرت الرسالة نفسها مع القسم العربي الذي كان يبث برامجه ليس من واشنطن ولكن من جزيرة رودس في اليونان، وكانت رسالة «صوت أمريكا» لا تختلف عن رسالة الحرب الباردة على اعتبار أنه في العالم العربي كان هناك تعتيم إخباري وأن المصادر الوحيدة آنذاك كانت هي صوت العرب في القاهرة، ونحن نعلم جيدا ماذا حصل في حرب سنة 1967 وما عاشته الأمة العربية من تضليل ومن تعليقات وأخبار كاذبة حول تقدم الجيوش العربية إلى مشارف القدس. كان هم صوت أمريكا هو إعطاء صورة عن العمل الإعلامي في دولة ديمقراطية مثل أمريكا. والشيء نفسه لا يختلف بالنسبة إلى ما كانت تقوم به إذاعة «البي بي سي». صحيح أنه لا بد من رسالة تمرر بطريقة أو بأخرى، وأن تكون كل دولة كبريطانيا أو أمريكا تدافع عن مصالحها من خلال برامجها الإذاعية، وهذا لا يزال مستمرا إلى حد الآن. ومن حق هذه الدول أن تمرر خطاباتها بطريقة أو بأخرى، لكن بطريقة احترافية، وليس بالطرق التي كنا نتناول بها نحن موضوعاتنا في العالم العربي. نحن كعاملين في هذه الإذاعة لم نكن نشعر بأن هناك أخبارا مدسوسة أو توجهات تفرض علينا من خارج الإذاعة. حدث ذات مرة، مثلا، أن رئيس القسم العربي، سلمان حلمي، وهو أمريكي من أصل عراقي، وصحفي مخضرم وإعلامي كبير، علم أنني كنت بصدد الإعداد لإجراء مقابلة مع نزار حمدون، وكان ساعتها سفيرا للعراق في واشنطن، وكانت هناك أزمة كبيرة بين أمريكا والعراق في ما يتعلق بالتسلح والقضايا الجيواستراتيجية، فطلبني سلمان حلمي لمقابلته وسألني عما إذا كنت سأقابل نزار حمدون، وأخبرته بأنني سأقابله في ذلك اليوم، فسحب من على مكتبه ورقة كتب عليها بعض الأسئلة، وطلب مني أن أطرح عليه تلك الأسئلة. وبعد خروجي من مكتبه رميتها في سلة المهملات، ورحت لمقابلة السفير، وألقيت عليه أسئلة أخرى مغايرة تماما. - وماذا عن نوعية الأسئلة التي طلب منك طرحها، هل هي أسئلة استخباراتية مثلا؟ نوعا ما أسئلة ديبلوماسية أكثر منها أسئلة مفحمة، كما لو كان يود أن يقول لي أن أكون رؤوفا بالرجل. بعدها سمع المقابلة على الهواء وكلمني في التليفون وهو يضحك. لقد أحسست آنذاك بأنني نلت إعجاب هذا المسؤول لأنني قمت بما كان يجب القيام به. - ماذا عن تأثير هذه الإذاعة في توجيه الرأي العام سواء في أمريكا أو خارجها؟ في ما يتعلق بأمريكا، فلا علاقة لإذاعة «صوت أمريكا», بكل أقسامها, بالتأثير في الرأي العام الأمريكي، لسبب بسيط جدا هو أنه يمنع دستوريا بثها داخل أمريكا، لأن هذه الإذاعة ممولة من طرف الحكومة الأمريكية، الإعلام بكل مجالاته في أمريكا يخضع فقط للقطاع الخاص، وأموال دافعي الضرائب لا تستعمل في توجيه خطاب معين إلى الشعب الأمريكي، وإلا فإنه ستصبح هناك مشاكل بين الحزبين المتنافسين الديمقراطي والجمهوري. فالبرامج والأخبار التي كانت هذه الإذاعة تبثها كانت توجه إلى العالم الخارجي فقط. وأنا أعلم، وهذا كان يتم بشكل يومي، أن كل المقابلات والأخبار التي تبث من القسم العربي تترجم إلى اللغة الإنجليزية وترسل إلى وزارة الخارجية لكي يطلع عليها السفراء المعنيون بملفات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكانوا يطلعون على مواقف بعض الشخصيات التي تتم استضافتها في برامج الإذاعة. ومن خلال اطلاعهم على محتوى هذه المقابلات، يشكلون منظومة تفكيرهم الديبلوماسي في ما يتعلق بالقضايا الكبرى في الشرق الأوسط. - أنت تحدثت عن أخبار مدسوسة، وقد فتح تحقيق داخل الإذاعة إبان حرب الخليج وتم الاستماع إلى صحفيين اتهموا بمساندة صدام حسين. ما حقيقة هذه الموالاة لأنظمة عربية؟ إذا كنا نتحدث عن الإحساس الداخلي لدى العاملين في القسم العربي في الإذاعة، بدون استثناء، لم تكن لتجد واحدا منهم تقريبا يساند الهجوم الأمريكي على العراق ساعتها, لإخراجه من الكويت. أما من الناحية المهنية، فشخصيا لا أعتقد أن هناك موالاة، لأنه يمنع على أي صحفي بهذه الإذاعة أن يقدم رأيه في شأن ما. هذا عمل إعلامي صرف. ولكن كانت لدى العاملين حرية في الاتصال بأي شخصية أرادوا وكان عليهم أن يقدموا تقريرا أو برنامجا متوازنا يعكس الرأي والرأي الآخر. وكان عليهم أيضا الاتصال بشخص محايد حسب المستطاع، لكي يقدم رأيه بكل حرية. ربما حدث أن الكثيرين ممن تحدثوا من العالم العربي في تلك القضية كانوا لاذعين في تعليقاتهم تجاه الحكومة الأمريكية. وكان صوتهم ربما مسموعا أكثر من الطرف الآخر، وهذا ليس من صنيع الإعلامي نفسه، ولكن هذا هو الواقع. لقد كنا نعكس صورة واضحة عن أحاسيس العالم العربي وقتها.