«متطاول على وحدة الجزائر» و«المطرب الذي تحول إلى سياسي فجأة» و«الساعي إلى شق صف وحدة الجزائريين» كلها أوصاف أطلقها عبد العزيز بلخادم، أمين عام جبهة التحرير الوطني ووزير الخارجية الجزائري السابق ضد فرحات مهني، السياسي الجزائري الذي يثير نقاشا ساخنا هذه الأيام على الساحة الجزائرية لمطالبته بتحقيق حكم ذاتي في منطقة القبائل. وبعد كيل الكثير من الأوصاف المماثلة لفرحات، شدد بلخادم خلال لقاء لحزب جبهة التحرير، هذا الأسبوع، على أن مناضلي الحزب تصدوا للمطرب فرحات مهني وأفشلوا مخططاته الرامية إلى إنشاء حكم ذاتي. أما الصحف الجزائرية، فقد حرصت من جانبها على اتهام صاحب مبادرة “الماك”، وهي الحركة من أجل الحكم الذاتي بالقبائل، بأنه “مروج للطروحات الانفصالية التي سعت فرنسا لتحقيقها خلال احتلالها للجزائر لشق الصف الوطني” وبأنه “عميل للمخابرات المغربية” وكذلك للمخابرات الفرنسية، وبأنه يتقاضى راتبا شهريا قدره 13 ألف يورو نظير قيامه بمبادرته. وتصدرت صحيفة الشروق الجزائرية لائحة الصحف التي هاجمت مهني وقالت إنه يهدف إلى شراء «مؤيّدين افتراضيين لمشروعه اليائس» وأنه قبض “في باريس ما قيمته 50 ألف يورو من أجل الترويج لمسعاه عبر النشرات والملصقات الإعلانية بفرنسا” وأن زعيم “ الماك “ استقبل، شهر مارس الماضي، من قبل مصالح وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، وأنه استنجد بالمسؤولين الفرنسيين لدعمه ل «حماية منطقة القبائل» من سياسة النظام القائم في الجزائر. وما زاد الطين بلة بالنسبة للنظام الجزائري هو كشف فرحات مهني، مؤخرا، من فرنسا عن لائحة بأسماء وزراء حكومة المنفى. الدكتور الحسين أعبوشي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمدينة مراكش، أكد بأن الطروحات التي تبناها فرحات مهني وضعت النظام الجزائري في مأزق حقيقي مما يفسر الهجمة الشرسة التي طالت الناشط السياسي الجزائري. وشرح أعبوشي، في اتصال مع «المساء»، بأن دعوة فرحات لم تتعد كونها تطالب بإقرار حكم ذاتي في منطقة القبائل الجزائرية وهو ما يعني بحسب بنود القانون الدولي البقاء ضمن السيادة الجزائرية، لكن بصلاحيات أوسع إداريا لتدبير شؤون المنطقة. ويضيف أعبوشي «الأكيد أن هذا المطلب رغم توافقه مع القانون الدولي وإقراره بسيادة الجزائر، إلا أن النظام القائم هناك أعلن رفضه المطلق له واتهم صاحب المبادرة بأقذع الأوصاف». وفي نظر أستاذ العلوم السياسية، فإن المفارقة تكمن في أن نظام عبد العزيز بوتفليقة، الذي يصف المبادرة بأنها دعوة لشق صف وحدة البلاد، «هو ذاته الذي يدعم بشكل واضح البوليساريو منذ أكثر من ثلاثة عقود، وحريص على الدعوة إلى تقسيم المغرب وتشجيع الانفصاليين بكل الطرق والوسائل دون أن يرف له جفن». ويضيف الخبير المغربي أن المفارقة الثانية تكمن في أن الجزائر كانت دائما ترفض الحركات الانفصالية خلال لقاءات منظمة الوحدة الإفريقية وتدعو إلى تبني الحدود الموروثة عن الاستعمار الأجنبي «لكن في المغرب بالضبط تشذ عن القاعدة وتشجع الانفصال وهو ما يكشف حقيقة النظام في الجزائر وأهدافه الحقيقية من وراء ما يدعو إليه ويشجع عليه لكنه يرفضه في بلاده». خطوة فرحات مهني، من جانب ثان، جعلت الكثير من المحللين يعتبرونها تأكيدا لصدقية المبادرة المغربية القاضية بمنح الأقاليم الجنوبية حكما موسعا في إطار مقترح الحكم الذاتي الذي سبق وأن قدمه المغرب أمام الهيئات الدولية والقوى العالمية الكبرى. ويقول أعبوشي بشأن هذه النقطة «الأكيد أن مبادرة فرحات مهني وموقف النظام الجزائري منها كشف بما لا يدع مجالا للشك، من جهة، حقيقة أهداف الجزائر من تشجيع الانفصاليين، ومن جهة ثانية، قوة المقترح المغربي الرامي إلى تحقيق حكم ذاتي في الصحراء داخل السيادة المغربية». يذكر أن منطقة القبائل وبالضبط قرية بني دوالة بولاية تيزي وزو ( 110 كلم شرق العاصمة الجزائر ) قد شهدت اندلاع حوادث دامية بتاريخ 18 أبريل 2001 على إثر مقتل الشاب كرماح ماسينيسا على أيدي قوات الدرك الجزائري، سقط على إثرها أكثر من 100 قتيل وشكلت إحدى أبرز المحطات بعد تولي بوتفليقة الحكم سنة 1999.