برلمانيون يستعدون لتشكيل لجنة تقصي الحقائق في اتهامات الشعبي للدولة بالمسؤولية عن ضياع مليارات الدراهم في صفقات تفويت أراضي الدولة. روايتان مختلفتان.. حملنا السؤال إلى خبيرين في الرباط متخصصين في تقويم سعر الأرض. رفضا معا الإفصاح عن اسميهما، وبعد أن وعدناهما بعدم الكشف عن هويتهما قالا «السعر الحقيقي للأرض الخام حتما ليس 800 درهم، مع استحضار كل الحجج التي تقولها الضحى». كيف ذلك أيها السادة؟ «سعر الأرض اليوم في نفس المنطقة لا ينزل عن 5000 إلى 6000 درهم للمتر المربع، دون أن يكون هناك امتياز بناء أبراج من 17 طابقا، لأن هذا الامتياز لم يعط لآخرين لكي نعرف القيمة الحقيقية لأرض ستبنى فوقها أبراج من 17 طابقا». وماذا عن حكاية نصف الأرض التي لن يبنى فوقها أي شيء بل ستخصص للمناطق الخضراء؟ يقول الخبيران: «الضحى ستربح أكثر من الأرض غير المبنية في علو العمارات وأبراجها، أي أن ما خسرته في الأرض ستربحه في السماء. فرق السعر في هذه الرواية هو 200 مليار سنتيم خسرتها الدولة دون اعتبار كم يبلغ السعر الحقيقي لأرض مسموح فيها البناء العالي»... لنمر الآن إلى السؤال الثاني: كيف حصلت الضحى على رخصة بناء أبراج شاهقة في الرباط التي لا يسمح قانون التعمير فيها ببنايات من هذا العلو؟ عضو في مجلس مدينة الرباط صرح ل«المساء»، دون أن يسمح لنا بإفصاح عن اسمه هو أيضا، قال: «مجموعة الضحى منحت تراخيص استثنائية هي الأولى من نوعها في تاريخ البناء في الرباط». لماذا؟ «لأن القائمين على المشروع، وبفضل سعة نفوذهم، عمدوا إلى قانون استثنائي (مذكرة التعمير 20/30) وأخرجوه عن سياقه، وجعلوا مشروعا ربحيا في العقار، يبيع المتر المربع الواحد في شقة ب16 ألف درهم، مشروعا استثماريا...» (انظر الإطار الذي يشرح معنى هذه المذكرة). الوكالة الحضرية للرباط لها رأي آخر في الموضوع، فبعد الاتصالات المتكررة بوزير السكنى توفيق احجيرة، أحالنا على مدير الوكالة الحضرية للرباط محمد الأوزاعي الذي قال ل«المساء»: «إن ملف الضحى احترم ضوابط الاستثناء من قوانين التعمير الجاري بها العمل، وهي تشجيع الاستثمار أو تشجيع الشغل»، لكن، هذه شقق ومكاتب فاخرة تباع ب16 ألف درهم للمتر المربع، وليست وحدات للإنتاج الصناعي... لا جواب عن هذا السؤال... لنأت الآن إلى أم المشاكل في هذه الصفقة/اللغز... حديقة للحيوانات من 53 هكتارا في ملكية المياه والغابات، تباع لمجموعة الضحى دون طلب عروض ودون منافسة، كما ينص القانون على ذلك ضمانا للشفافية وضمانا لحقوق الدولة. أنس الصفريوي، مرة أخرى، يشرح هذا اللغز: «لا أحد من المستثمرين أبدى اهتماما بهذا المشروع. لقد سبق وأن طرح في السوق لكن لم يهتم به أحد». حملنا هذه المعلومة إلى ميلود الشعبي، فنفى مطلقا أن يكون مشروع بيع 53 هكتارا في الرباط مر من أي مسطرة لطلب العروض. وشرح أكثر: «قبل سنة من بيع الدولة للحديقة، طرح مشروع آخر في سوق العروض، يتعلق بكراء الحديقة للخواص لمدة 30 سنة وليس بيع أرضها، وبناء فندق إلى جانبها، وإلزام من تقع عليه هذه الصفقة بتحديث وعصرنة الحديقة، مع ضمان مليار سنتيم للدولة كل سنة كمداخيل»، ويضيف الشعبي: «هذا العرض بهذا الشكل نعم رفضناه كما رفضه غيرنا لأنه غير مهم ولا يضمن أي مردودية. أما صفقة البيع بثمن 800 درهم للمتر، لم يجر بخصوصها –الصفقة- أي طلب عروض ولا أي منافسة، لقد أعطيت هدية للصفريوي». لقد اتصلنا بعدة جهات في الإدارة بحثا عن وثيقة تثبت أن مشروع بيع أرض الحديقة كان موضوع طلب عروض فلم نعثر على أثر لهذا الموضوع سوداء فوق أبيض... وعندما طرحنا الموضوع على عضو آخر في مجلس المدينة قال «إن طلب العروض الأول الذي يهم الفندق وكراء الحديقة استعمل غطاء لتفويت الصفقة الحقيقية، وهي بيع 53 هكتارا ب800 درهم دون أي منافس على الخط، حتى لا يرتفع الثمن وتفسد الطبخة». الدولة باعت لمجموعة الضحى حديقة الحيوان ب43.4 مليار سنتيم (ثمن 53 هكتارا ب800 درهم لكل متر هو 42.4 مليار سنتيم زائد مليار سنتيم أعطتها الضحى هدية للحديقة لإطعام الحيوانات في انتظار نقلهم بعد 3 سنوات إلى الحديقة الجديدة)، والدولة ستتكفل بدفع ثمن إنشاء حديقة جديدة على مساحة 50 هكتارا قرب مركب الأمير مولاي عبدالله، وبمبلغ قد يفوق 43.4 مليار سنتيم، حسب بعض الخبراء في مجال المياه والغابات، فماذا ربحت من هذا المشروع؟ لقد اعتقد الكثيرون خطأ أن مجموعة الضحى ستتكفل ببناء الحديقة على حسابها، لكن عندما رجعنا إلى دفتر تحملات الضحى في هذه الصفقة، لم نعثر على أي بند يلزم «الضحى» ببناء حديقة جديدة، فالدولة من سيدفع ثمنها لا أحد آخر. ... الخلاصة: هناك فرق سعر كبير بين ثمن البيع والثمن الحقيقي الذي كان من الممكن أن تبيع به الدولة حديقة الحيوان. الشعبي يقول: «إن الفرق هو ألف مليار سنتيم.. هذا مس بالمنافسة الشريفة وإهدار للمال العام»، والخبراء يقولون إن الفرق هو 200 مليار سنتيم، والصفريوي يرد الأمر إلى الحسد وإلى خصوم يتربصون به عند كل توقيع عن صفقة أو زيادة في الأرباح. أما الدولة فتتهرب من الجواب، ويغلق جل المسؤولين الذين اتصلنا بهم هواتفهم عندما يسمعون كلمة «الضحى» في السؤال. فهل سيتدخل البرلمان على الخط ليبين الخيط الأبيض من الأسود في ملف معقدة خيوطه.. متشابكة مصالحه.. ضخمة أرقامه؟ تفسير مضامين المذكرة 20/30 اتصلت «المساء» بعلال السكروحي، مدير الوكالة الحضرية للدار البيضاء، ليقدم لنا شرحا لمقتضيات مذكرة التعمير 20/30 التي تقنن الاستثناءات بصفة عامة، دون أن نشير له إلى مشروع بعينه أو إلى السياق الذي سنضع فيه تصريحه حتى يكون هذا الأخير مجردا. وبهذا الخصوص قال لنا: «إن الدورية المذكورة تنص على إقرار الاستثناء في التراخيص في حال تشجيع الاستثمار والتشغيل، ويتعلق الأمر بالاستثمار المنتج. فالدورية تتمحور حول أربع نقط، هي أولا الاستثمار بمفهومه العام والمساهمة في تقوية البنيات الاقتصادية (مجالات صناعية... إلخ). ثانيا: التأثير الاجتماعي الإيجابي للمشروع كحالتي خلق فرص الشغل أو حل إشكالية السكن الاجتماعي. ثالثا: تحسين الوضعية المعمارية لمنطقة ما، أي أن تكون منطقة ما مهملة، فيأتي المشروع بمسحة جمالية. رابعا: الترخيص استثنائيا لمشروع بمنطقة غير مغطاة بوثيقة للتعمير، بناء على استجابته لإحدى النقط الثلاث السالفة الذكر. وعندما سألناه عن الترخيص استثناء لأبراج عالية قال: «إنه من ضمن الشروط ألا تتواجد الأبراج ضمن منطقة ذات عمارات صغيرة أو فيلات، مع ضرورة توفير كل المرافق الخاصة بسكان الأبراج التي تعد أحياء عمودية».