«أردت أن أقدم في الفيلم صورة جديدة عن المرأة العربية لم تقدم من قبل، وأردت أن تكون هي البطلة المطلقة في الفيلم»، هذا ما كان يحلم به نسيم العباسي قبل أن يشرع في كتابة قصة وسيناريو فيلمه التلفزيوني الجديد بلا حدود، وهو ما حققه بالفعل، فجاءت بطلته على مقاس القالب الذي صنعه لها، فتاة مغربية ريفية محتجبة شجاعة قوية وتجيد الرياضات القتالية. يقول نسيم: «أردت تصحيح بعض الكليشيهات أو الصور النمطية الشائعة في مجتمعنا والتي ليست بالضرورة صحيحة، رغبت في أن أوضح أن الفتاة المحجبة ليست متطرفة، وأنه قد تكون لها حياتها العاطفية ومشاعرها مثل الباقين»، ويضيف: «في الوقت نفسه أردت أن أقول إن المحجبة وغير المحجبة يمكن أن تكونا صديقتين لأن مسألة الحجاب هي قناعة وحرية شخصية، وهو ما أظهرته من خلال شخصيتي البطلة يسرا وصديقتها أسماء». يحكي الفيلم التلفزيوني « بلا حدود» قصة الشابة يسرا التي تعيش وحيدة مع والدها بعد وفاة أمها، وتعمل في ناد رياضي، تتعرف على شاب يبدي لها الالتزام والجدية، فتقتنع به زوجا، وفي اليوم الذي يأتي فيه إلى بيتها للتعرف على والدها تفاجأ بأصدقائه المجرمين يهاجمون بيتها ويخبرونها بأن له ماضياً خطيراً في الإجرام وتجارة المخدرات، مما يدخلها في متاهة مع العصابة التي كان يعمل معها خطيبها، ويعرض حياتها هي ووالدها للخطر. من جهة أخرى، تتعرض يسرا لملاحقات الشرطة بعد أن كانت شاهدة على جرائم قتل ارتكبها أفراد العصابة أمام ناظريها، وتتوالى الأحداث لتثبت يسرا تفوقها في فنون القتال، وهي المهارة التي تساعدها على الإفلات من عدد من الأخطار. لأداء دور يسرا اختار نسيم العباسي الممثلة المغربية الشابة عالية الركاب، هذا الوجه الذي اعتاده الجمهور المغربي تتبعه في أدوار غالبا ما كانت تصب في قالب الفتاة اللعوب أو الراقصة أو الشريرة. وكما أثبتت عالية تنوع طاقاتها عندما أدت دور الأم، الجديد عليها، في فيلم حسن بنجلون «فين ماشي يا موشي»، أكدت ذلك في دور الفتاة المحافظة يسرا هنا في فيلم المخرج نسيم العباسي. يقول هذا الأخير عن لقائه بها: «رأيت عالية لأول مرة في لندن في فيلم لحكيم النوري، وأعجبتني تلقائيتها، ثم التقيتها في أكادير، وعرفت أنها من نوع الممثلات اللاتي يتقمصن الشخصيات وتسكنهن وليس فقط ممن يحفظن الحوار». العباسي اعترف بأن عالية قاست معه كثيرا لكي تؤدي هذا الدور، فقد اشترط عليها أن تخفف من وزنها، وأجبرها على اتباع تمارين رياضية في فنون القتال طيلة ثلاثة أشهر، ولم يستعن بممثلة بديلة لأداء المشاهد القتالية إلا في لقطة واحدة. يقول العباسي: «كنت أجعل عالية تعيد كل مشهد من مشاهد القتال عشرين أو ثلاثين مرة حتى نتمكن من تصويرها من زوايا مختلفة، وكانت عالية أحيانا تغيب عن الوعي من كثرة الإرهاق، لكنها لم تستسلم». هند السعديدي، هي الأخرى، ظهرت في عباءة جديدة، وانتزع أداؤها من المشاهدين الكثير من الضحكات خلال العرض ما قبل الأول للفيلم، يوم الخميس الماضي بإحدى قاعات الدارالبيضاء. هند، التي اعتادت أداء دور الفتاة الطيبة الهادئة والتي عرفناها أيضا في دور المعلمة في فيلم لحسن المفتي، أدت في فيلم العباسي دور الفتاة «البلدية» والمنحرفة التي تعمل ضمن عصابة لتهريب المخدرات، والحبيبة السابقة لخطيب يسرا. استعملت هند أدواتها الخاصة لتجعل من دورها « الثانوي» دورا يترسخ في ذاكرة المشاهدين من خلال استعمالها للعبارات والحركات الأنسب لنوعية الدور الذي أدته، تقول هند: «بالنسبة إلى، لا تشغلني مساحة الدور الذي سأؤديه، كبيرة كانت أم صغيرة، بقدر ما تشغلني الطريقة التي سأؤدي بها الدور حتى يترك علامة جيدة لدى المشاهدين». واصل العباسي تجريده للممثلين من الأدوار المهترئة التي سئموا من ارتدائها، وفعل الشيء نفسه مع عبد الله شيشة، هذا الفنان الذي أجاد في أدوار كوميدية سابقة، لعل أبرزها دوره في مسرحية فوزي بنسعيدي « قصة حب في اثنتي عشرة أغنية وثلاث وجبات وقبلة واحدة» وأيضا في سيتكوم « خالي عمارة»، حيث ظهر شيشة هذه المرة في دور الشاب الثري الشرير « المافيوزي» الذي يتاجر في المخدرات «عملت في المجال الفني أربع عشرة سنة ولم تتح لي فرصة أداء دور الشرير، رجل العصابات، حتى دفعني إلى ذلك نسيم العباسي،» يقول شيشة، ويضيف: «أنا سعيد بهذا الدور خاصة وأنه وجد صدى لدى الجمهور، إذ أصبح أصدقائي وجيراني يقولون لي «ما كناش عارفينك مافيوزي»». رسائل نسيم إلى المشاهدين لم تنته عند شخصية البطلة يسرا بل تجاوزها إلى شخصية المغنية الصاعدة التي أدت دورها مغنية الفيزيون « أم»، حيث قال نسيم «لفتت انتباهي كثيرا ظاهرة المغنيات الشابات اللواتي أصبحن يتكاثرن مثل الفطر، فأردت أن أشير إليهن في فيلمي من خلال صديقة نجيب (فهد بنشمسي)». رسالة أخرى مررها العباسي من خلال شخصية الصحفي المرتشي والتي أداها هشام الإبراهيمي، الذي ظهر في الفيلم يتاجر بقلمه ليحصل على بعض النقود، يسدد بها ديونه، حيث قال العباسي: «شخصيا، لم يسبق لي أن قابلت مثل هذا الصحفي، لكن أصدقاء حكوا لي عن وجود أمثاله ممن يبيعون ذممهم ويسيئون إلى مهنتهم مقابل المال». بالإضافة إلى المغنية أم التي تمثل لأول مرة، كان فيلم «بلا حدود» فرصة لإعادة اكتشاف الممثل الشاب فهد بنشمسي، الذي سبق أن لعب دورا مهما في فيلم «ملائكة الشيطان» لأحمد بولان، حيث بدا بنشمسي مقنعا في دور الابن المدلل لتاجر المخدرات، كما كان فرصة بالنسبة إلى الممثلة الشابة جميلة الهوني التي اشتهرت كثيرا بدور التايكة في مسلسل «وجع التراب» لشفيق السحيمي لتؤكد استحقاقها لإعجاب الجمهور بها من خلال ذلك المسلسل. هؤلاء الممثلون وآخرون، مثل الفنان الكوميدي عبد الرؤوف الذي لعب دور الأب، سيواصلون التجربة مع نسيم العباسي، المغربي العائد من بريطانيا، وكله عزم على تثبيت أقدامه في المشهد الفني ببلده. العباسي قال ل«المساء» إن فيلمه التلفزيوني «بلا حدود» سيكون فعلا بلا حدود، حيث إنه ثلاثية تلفزيونية سيكون لها جزءان ثان وثالث.