- ما هي خلفيات ما وقع داخل المؤتمر والتي كادت تتسبب في نسفه؟ أولا، أريد التأكيد على أن المؤتمر، كمكتب مركزي واللجنة الإدارية التي أفرزها، كان ناجحا،لأن العديد من الأهداف التي رسمت له تحققت، مثل مناقشة التجربة, والمصادقة عليها، والمصادقة على المقررات وانتخاب الأجهزة القيادية. طبعا نتأسف كقيادة جديدة للجمعية، لأنه وقع ما وقع، وبعض الإخوان سحبوا ترشيحهم للجنة الإدارية، وهنا أريد أن أوضح بعض المغالطات التي نشرت في الصحافة، هؤلاء الإخوة لم ينسحبوا من اللجنة الإدارية لأنها لم تكن قد شكلت بعد، ولم ينسحبوا من الجمعية، وأكثر من هذا كان هناك ملتمس جماعي مشترك يؤكد بأن الجميع يتشبث بالجمعية، وسيظلون في الجمعية ويعملون من أجل تقويتها. - في كل المحطات يتم التأكيد على وحدة الجمعية وتفعيل الديمقراطية داخلها كمبدأ تنظيمي، لكن في المقابل تتصاعد الانتقادات بكون تطبيق الأمر على أرض الواقع يبقى غائبا، وفي كل محطة يتكرر نفس السيناريو، هناك من يطالب بتفعيل الديمقراطية والسماح للتشكيلات الأخرى بالتعبير عن نفسها، عوض أن تبقى الهيمنة لتيار واحد؟ إشكال تمثيل التعددية لازم الجمعية منذ نشأتها. طبيعة الجمعية الآن أنها تضم عددا كبيرا من المواطنين الذين ليس لهم انتماء لحزب سياسي، بالنظر إلى انفتاح الجمعية على كافة الشرائح من شباب ونساء، ففي الثلاث سنوات التي قيل فيها إن الجمعية مسيسة، وتخدم أجندة سياسية، ارتفع عدد المنخرطين ب58 في المائة،وارتفع عدد الفروع بنسبة 25 في المائة نظرا للإقبال على الجمعية من طرف المواطنين. الحضور الجديد داخل الجمعية يطالب بأن تتحكم صناديق الاقتراع في النتائج داخل الجمعية، وهو ما وقع في المؤتمر الثامن الذي عرف حضور أكثر عدد من التشكيلات في تاريخ الجمعية، كما عرفت اللجنة الإدارية أكبر عدد من المستقلين، ورغم نتائج المؤتمر الثامن، بقي النقاش مفتوحا للبحث في أشكال تسمح بتنويع التمثيلية وهو ما قادنا إلى مناقشة الاقتراع اللائحي النسبي. - لكنه لم يعتمد؟ الذي طرح هذا الاقتراح هو أمين عبد الحميد، لكنه لم يلق تجاوبا، وقبل أسبوع من المؤتمر تم طرحه من جديد في اجتماع المكتب المركزي، وقال إنه إذا كنا نرغب في اعتماد الاقتراح اللائحي فيجب أن يتم التحضير له، ومن خلال اللقاءات التي عقدت في الفروع والندوات تبين أن الأمر غير مقبول. - ما السبب؟ لأن العديد من أعضاء الجمعية يقولون إنه لا ينبغي حصول نوع من الإجحاف في حق التصنيفات السياسية داخل الجمعية، والواقع أننا لم نبذل مجهودا في هذا الطرح الجديد المتعلق بالاقتراع اللائحي، لأن اعتماده كان سيكون مغامرة كبيرة أمام عدم توفر الضمانات لكي يمر المؤتمر في ظروف سليمة. - الخلافات داخل الجمعية، هل هي خلافات انتخابية خاصة بالتمثيلية، أم خلافات حول أمور أخرى، كما يقول الفريق الآخر؟ الخلافات حول موضوعات حقوقية موجودة فعلا داخل الجمعية، وحدتها تختلف من مرحلة إلى أخرى، وهي الخلافات التي يتم توظيفها أيضا خلال القضايا الانتخابية، وهو ما حصل في 2004 بخصوص موضوع الأمازيغية، وفي عدد من المحطات أيضا، باستثناء الانشقاق الكبير الذي عرفته الجمعية في الثمانينيات، وهي أمور لم تمنع الجمعية من مواصلة عملها، فدائما بعد كل مؤتمر يمر شهران من النقاشات، وبعدها يبدأ العمل الحقيقي في مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان. - تميلين إلى تبسيط الأمور في حين أن الجمعية تعاني من أزمة تنظيمية خانقة تهدد بانفجار من الداخل؟ ليس هناك تنظيم في المغرب, سواء كان سياسيا أو نقابيا أو نسائيا, في مستوى تنظيم الجمعية التي تتوفر على تسعين فرعا، ثلاثة في طور التأسيس، أحدها بالعاصمة الإسبانية مدريد، إذ إننا بدأنا تجربة الفروع خارج المغرب. - لكن الديمقراطية يمكن أن تتحول إلى وسيلة للإقصاء باسم التصويت الذي تستفيد منه الأغلبية؟ أريد فقط أن تأتيني بالمسائل التي أنجزت ولم تكن حقوقية، لأنه يقال فعلا إن الجمعية هي انعكاس لمواقف حزب النهج الديمقراطي فقط، أنا أتحدى أي شخص أن يأتي بالدليل على ذلك. - ماذا عن الموقف من قضية الصحراء؟ الجمعية كانت في 1998 تطالب بتنظيم الاستفتاء في الصحراء، وكان عبد الرحمن بنعمرو هو رئيس الجمعية، في 2007 تبنت الجمعية المطالبة بحل ديمقراطي للنزاع، وسأعود إلى الصيغة التي جاء فيها أن المؤتمر يعبر عن استيائه من استمرار هذا النزاع منذ عشرات السنين مع ما نتج عنه من ضحايا، وإهدار للطاقات الاقتصادية وعرقلة لبناء الوحدة المغاربية المنشودة، ويؤكد المؤتمر- وهذا أمر مهم - موقف الجمعية بشأن الحل الديمقراطي للنزاع حول الصحراء وبشأن التصدي لكافة الانتهاكات الناتجة عن النزاع أيا كان مصدرها، بمعنى كانت من المغرب أو من البوليساريو. - ما هو الحل الديمقراطي بالنسبة إليكم أمام غموض العبارة والموقف؟ الذين يطلبون توضيح الموقف شاركوا في إعداده باتفاق الجميع. - ألا تعتقدون بأنكم تجاوزتم إطاركم الحقوقي لإصدار مواقف سياسية؟ لم نأخذ موقفا، الأمر يتعلق بنقاش داخل الجمعية، فعلا كانت هناك انتقادات حول عدم وجود توازن بين الانتقادات الموجهة لهذا الطرف أو ذاك، وذلك أمام تناقض المصادر المتمثلة في عدد من الجمعيات والهيئات الحقوقية الدولية، وكذا بعض التحقيقات الصحفية. أنا بصفتي رئيسة للجمعية لا أحبذ الاعتماد على مصادر رسمية كما تفعل بعض الأحزاب، وفي غياب المعطيات الموثوق منها نتحفظ شيئا ما، وخلال آخر اجتماع للجنة الإدارية قبل المؤتمر كان هناك نقاش هادئ ورزين، واتفقنا بالإجماع على أننا نحن من يجب أن يذهب إلى تندوف، ويطلع على حقيقة الوضع لحل هذا المشكل، قررنا ذلك وكتب بصفة رسمية، وسننجز تحقيقا في إطار الجمعية أو بشراكة مع جمعيات أخرى. ما أود أن أضيفه هو أن المكتب المركزي السابق طرح هذه القضية ولم تلق تجاوبا من قبل عدد من الأعضاء، ونحن الآن متفقون على وجود خلل نريد معالجته، ووجدنا الآلية لذلك عن طريق القيام بتقصي الحقائق. - هل هناك جدولة زمنية؟ الآن اتخذنا القرار فقط، وهو خطوة مهمة. - لكن هذا لا يجيب عن الأسباب التي تجعل الجمعية تقحم نفسها في ملفات سياسية؟ السياسة هي أن تنحاز لموقف هذا الطرف أو ذاك، نحن لم نقحم أنفسنا أبدا في السياسة . - هذا الكلام يصطدم بموقفكم الغامض؟ نحن لم نقل أبدا بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، إطلاقا. - النهج قال ذلك؟ «النهج يدبر راسو»، أن يقول البعض إن الأمر يتعلق بموقف حزب سياسي تم فرضه على الجمعية فهذا أمر غير صحيح، والمقصود بالحل الديمقراطي هو حل مقبول من جميع الأطراف. - الحل الديمقراطي الذي تمت الدعوة إليه لم يلق تجاوبا، وكانت هناك شعارات وتصريحات معادية للوحدة الترابية داخل مؤتمر الجمعية؟ المؤتمر حضره 86 فرعا و430 مؤتمرا، ولا يمكن اختزاله في كلام شخص، لا يمكن أن نمنع أي شخص من التعيير عن رأيه، الشعارات صدرت عن أشخاص حضروا من فروع بالصحراء، واللجنة التحضيرية كان عليها أن تقوم بتوقيف الشعارات. - بعض التوصيات الصادرة عن اللجان أحرجت لجنة الرئاسة التي قررت عدم البت في بعضها بدعوى أنها ستحال على اللجنة الإدارية، ومنها توصية تتعلق بوضعية الأطفال المحتجزين في تيندوف والذين تم تهجيرهم إلى كوبا، وكذا توصية تتعلق بوضعية النساء الصحراويات، أليس هذا دليلا آخر على غموض الموقف؟ لا، ليس هذا هو السبب، المشكل الذي وقع هو أن بعض الإخوة في اللجان كان عليهم أن يناقشوا مشاريع لمقررات بهدف تعديلها، كما يتم في كل المؤتمرات تمهيدا للمصادقة، الأمر يتعلق ببعض اللجان التي أحضرت تقريرا حول النقاش تضمن مواقف متناقضة وهو أمر لا يمكن المصادقة عليه لأنه سيحمل صفة الإلزام للهياكل المقبلة. - وما الذي يمنع من إصدار قرار حول الأطفال المهجرين إلى كوبا أو وضعية النساء؟ الذي يمنع هو أننا لم نقم بالتحري في الموضوع، وإذا ثبت لنا ذلك سنتخذ موقفا. - هناك من تم تهجيره وعاد إلى المغرب وفضح ما يجري؟ أنا أرفض أن يتم اختزال المؤتمر في أطفال كوبا أو النقاش حول نقطة جزئية ضمن مجموعة من النقط، الجمعية لا يمكنها السكوت عن البشاعة أينما وقعت، ويوم نقف على الخروقات يمكن محاسبتنا إذا نحن سكتنا عليها، المشكل منهجي، وهو ما وضحته من قبل. - ما هي خلفيات الدعوى التي وجهتموها للقائم بأعمال السفارة الجزائرية في المغرب، رغم أن الجزائر ضالعة في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؟ استدعينا جميع السفارات باستثناء سفارة أمريكا وبريطانيا التي نقاطعها، إضافة إلى سفارة السعودية. - فتح الباب أمام انفصاليي الداخل اعتبره البعض محاولة لكسب أصواتهم؟ فروع الجمعية في جميع أنحاء المغرب تخضع لنفس الإجراءات والمساطر. - من بين المحاور التي أثارت النقاش هناك موضوع العلمانية رغم أنه موضوع سياسي؟ هناك مواقف لا خلاف حولها داخل الجمعية، ولم تكن موضع إشكال، وهي حرية العقيدة وفصل الدين عن الدولة، وهو مطلب نريد التنصيص عليه في الدستور, إضافة إلى المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام، وسمو المواثيق الدولية على التشريع المحلي، بمعنى أن يكون مصدر التشريع هو المواثيق الدولية، وهي مسألة لا خلاف حولها، ثم مسألة المساواة بين الرجل والمرأة في جميع المجالات بما في ذلك الإرث، وزواج المسلمة من غير المسلم. إذا جمعنا كل هذه الأمور لن يكون هناك داع لطرح السؤال حول ماهية العلمانية التي تقوم على حيادية الدولة، والحرص على أن يتمتع الإنسان بحقه في التدين، واختيار العقيدة التي يريد، وكذا حق الناس الذين لا يريدون التدين في أن يتمتعوا بالاحترام لخلق مجتمع تعددي. - الجمعية موجودة في المغرب الذي ينص دستوره على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، إلى ماذا تسعى الجمعية من وراء العلمانية؟ أولا الدستور يجب أن يتلاءم مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ومن بينها فصل السلط واستقلالية القضاء. الدولة المغربية اختارت أن تنخرط في المنتظم الدولي وتوقع على الاتفاقيات الدولية لتظهر للعالم أنها دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، لذا يجب أن تتحمل مسؤوليتها، وإذا كانت لا ترغب في ملاءمة قوانينها للمواثيق الدولية كان عليها ألا توقع عليها، ونحن لن نرضى بسياسة الواجهة،وسنسعى إلى احترام وتفعيل المواثيق الدولية. فيما يخص الدين،فالدين الإسلامي انتشر في أوربا بفضل العلمانية. - مفهوم العلمانية هو أصل الخلاف؟ إذا أردنا تحديد مفهوم العلمانية فهو حياد الدولة، بمعنى أن الدولة للجميع، ولا دين لها، ومن واجبها حماية حقوق الأفراد واختياراتهم، لا أن يتم اعتقال شخص لمجرد أنه غير ديانته أو أراد التخلي عنها، الأمر يتعلق بأمور شخصية، وبالتالي على الدولة أن توفر الشروط لممارسة العقائد في ظروف إيجابية وإنسانية، وعدم اضطهاد أي شخص لا يريد اعتناق ديانة معينة، وهو ما يقوم عليه المجتمع التعددي الذي يحترم الاختيارات الفردية. - كيف نطبق ما تقولين في النظام السياسي المغربي الذي يقوم على إمارة المؤمنين؟ لهذا نقول إن الدستور المغربي يجب أن يتلاءم مع حقوق الإنسان في جميع المجالات بما فيها فصل الدين عن الدولة، وبالتالي حين نرفض أن توظف الأحزاب الدين في السياسة، فإن هذا الرفض يشمل أيضا أن تقوم أية جهة بذلك بما فيها الدولة. - العلمانية كما يعلن الجميع هي موقف لحزب النهج الديمقراطي؟ إطلاقا أتحدى أن يكون هناك حزب سياسي يطالب بالعلمانية، الجمعية هي من تطالب بذلك، نعم الجمعيات الأمازيغية طالبت هي أيضا بالأمر، ولم يثر هذا الجدل، لكن حين فعلت الجمعية ذلك «ناض كولشي كيغوت»، هنا يتضح أن انتقاد مواقف الجمعية ليس نابعا من الاختلاف معها، بل لأن لها تأثيرا وقوة يتم التصدي لها. - كانت للجمعية المغربية لحقوق الإنسان مواقف مثيرة للجدل بخصوص بعض المواضيع، مثل الشذوذ الجنسي؟ حين نتكلم عن حق الشغل وحق التعبير يكون الشعب كله معنا، وحين ندافع عن حق السلفية الجهادية في المحاكمة العادلة وحق الإسلاميين في التعبير، جزء من الشعب يعتبر ذلك تشجيعا للإرهاب ودفاعا عنه، وحين ندافع عن أناس مضطهدين في المجتمع لأنهم يختلفون عنا تثور الانتقادات. نحن ضد الاضطهاد كيفما كان سببه، سواء أكان دينيا أو سياسيا أو جنسيا أو غيره، إذن، نحن نعلم أننا في حالات نكون مع الشعب في توافق، وفي حالات نكون ضده، لأنه لا تهمنا موازين القوى داخل المجتمع، وهذا هو الفرق بين جمعية حقوقية لها مرجعية تحترمها، وبين حزب سياسي تتحكم فيه الحسابات السياسية والانتخابية. رئيسة الجمعية المغربية للحقوق الإنسان