يرقد حاليا مومن الديوري، اليساري الذي عاش عقودا من الزمن في المنفى كمعارض لنظام الحسن الثاني، في وضعية صحية جد متدهورة في الرباط. الديوري يصارع لوحده في صمت داء قاتلا، إنه داء السرطان الذي استوطن جسده دون سابق إنذار. قبل عودة الديوري إلى المغرب، وعند الحديث عن طي صفحة الماضي ووعود الإنصاف والمصالحة والتوجه للمستقبل، تم الاتصال الديوري كواحد من أهم المعنيين باستحقاقات العدالة الانتقالية، لكن اشتراط اعتذاره برسالة مكتوبة مقابل تسلمه لجواز سفره جعله يستنتج أن الإرادة السياسية غير متوفرة بعد، فما كان منه إلا أن أدار الظهر لكل هذه العروض, غير أن الوزير السفير الذي اتصل واشترط، هو نفسه, من سيتصل, بعد ذلك بفترة قصيرة ليطلب من المنفي المعارض أن يختار أي قنصلية تناسبه لتسلم جوازه.. كان لاسمه، منذ البداية، استشراف لما سيؤول إليه مساره الذي كان لا يزال في علم الغيب عند بارئه وقتها.. «مومن» هذه هي التسمية التي أهرقت من أجلها دماء العقيقة ذات يوم من أيام سنة 1938 ب «القنضرة ن علي أوعدي» التي ستصبح خلال الحماية Port lyautey قبل أن تحمل اسمها الحالي, القنيطرة. و كان الوالد يقصد من وراء اختيار هذا الاسم تجسيد معاناته بسجن علي مومن (عين مومن كما هو مشهور شعبيا) الذي قضى به ورفاقه ردحا من الزمن عقابا لهم على الاحتجاج ضد السياسة الاستعمارية لتمزيق الأمة من خلال قضية الظهير البربري الشهير. هكذا إذن، منذ الولادة، سيرتبط اسم صاحبنا بالسجن بما هو تضحيات و أثمان استحقاقات الكرامة والعزة و الحرية التي كان لها اسم جامع يؤطرها كلها حينئذ، تم اختياره عنوانا للمرحلة؛ الاستقلال. ولأن والد صاحبنا واحد من رواد الحركة الوطنية وقتها، و أحد رافعي ألوية معارك المرحلة كأحد الموقعين على وثيقة الاستقلال، فإن ثمن الاستحقاق سيحل ثانية وسيكون نصيبه هذه المرة أحد سجون التهامي الكلاوي.. وهناك، في السجن، سيبدأ مومن، وقد أصبح يافعا، يدرك عمق المعنى في الاسم الذي يحمله .. كان، تحت أنظار إيدر، جلاد الكلاوي المشهور، يحاور أباه داخل سجنه، ولم يكن يخطر بباله أن تلك كانت آخر مقابلة معه .. و عندما سيفجع، بعد فترة قصيرة من هذه الزيارة، بمقتله في زنزانته، سيتنهد ويسجل إحدى أهم الحقائق التي عليه أن يواجهها والتي ستؤطر حياته، كل حياته بعد ذلك؛ أن الحرب ضد الاستعمار وعملائه ضارية وقاسية وطويلة الأمد .. بهذه القناعة سيقتفي ابن الشهيد محمد الديوري آثار والده الفكرية والتنظيمية، مبكرا في تنظيمات حزب الاستقلال التي سيغادرها، مبكرا كذلك، مع المغادرين إلى وجهة تجذير النضال في البناء الوطني و مواجهة الاستعمار وعملائه وأدواته و مخططاته. وهكذا، من الموقع الطلابي و الشبيبي، خاض الشاب مومن كفاحات آخر الخمسينيات منذ التحاقه بباريس للدراسة سنة 1957 ثم بسويسرا سنة بعد ذلك حيث كان يدرس العلوم السياسية، ومن هناك، و في إطار المنظور التحرري الوحدوي حينها للجناح اليساري لحزب الاستقلال، إلى مواقع الكفاح في صفوف الثورة الجزائرية بتوجيه من المهدي بنبركة . تعليمات بنبركة كان الشاب مومن، وهو في سويسرا يجمع بين متابعة دروسه ومتابعة توجيهات رفيقه و أستاذه بنبركة في تنسيق العمل بين ثوار الجزائر والثوار الأمميين الكبار وباقي فعاليات الكفاح التحرري آنئذ، لاسيما في الأقطار الإفريقية. وجدير بالتذكير أن ثورة المليون ونصف المليون شهيد وقتها كانت، شأن الثورة الفيتنامية أواسط السبعينيات والثورة الفلسطينية اليوم، هي بؤرة الاهتمام لكل دول المعسكر الشرقي وكل حركات التحرر وكل ثوار العالم في خضم المد الثوري الذي كان يميز تلك المرحلة من التاريخ . وسيكون لحسن أداء التكليفات آثاره فيتم تحميل الشاب مومن بن محمد الديوري مسؤوليات أكبر (بعد لقائه أعضاء من الحكومة المؤقتة) كمفوض باسم جبهة التحرير الجزائرية بكل من سويسرا، فرنسا، ألمانيا و بلجيكا ثم ما لبث أن التحق بالجزائر كمنسق للولايات . سيبدو هذا الأمر مفارقا لأجيال الضغينة التي كبرت على العداء بين المغرب والجزائر، لكن الذين عاشوا المرحلة والمطلعين على هذه الفترة القريبة منا يعلمون أن هذا شيء عادي في إطار الروح الأخوية والتعاون والتضامن الذي جمع الشعبين و طليعتهما في الكفاح الوطني حينها.. ألم يتم اختطاف زعماء الثورة الجزائرية من طائرة أقلتهم من المغرب على عهد محمد الخامس؟ ألم يكن سعيد بونعيلات (رئيس المجلس الوطني للمقاومة الحالي) رجل الثقة والحارس الشخصي لأول رئيس للجمهورية الجزائرية أحمد بنبلا ؟ ألم يكن الوزير الطيب محمد الطاهيري ( بائع الجرائد اليوم في أكدال) مستشارا لرئيس الجمهورية الجزائرية ؟ لقد كانت هذه الفترة و مهامها من أخصب فترات مومن حيث مكنته مهامه من التقاء قادة كبار واكتشاف العالم والوقوف عند العديد من التناقضات والمفارقات المرتبطة بتمايز الثقافات وتعقيدات الخصوصيات في الواقع، لا كما تطرحها الإتوبيات المجنحة. وفي هذا الإطار يحكي صاحبنا عن إحدى صدماته مع لوران ديزيريه كابيلا، رئيس الشبيبة الكونغولية على عهد الزعيم باتريس لومومبا (ورئيس الكونغو = زايير) بعد الإطاحة بموبوتو .. «لقد طلب مني المهدي تحضير لقاء له مع تشي غيفارا لترتيب انتقال وإقامة عدد من الثوار الأطر لتدريب وقيادة حرب العصابات بالكونغو لمواجهة الإمبريالية الغربية وعملائها هناك ..»، «لكن المفاجأة يضيف مومن هي الرفض القاطع الذي واجهني به الشاب الإفريقي و الأكثر إثارة هو السبب «لقد استغرب الشاب كابيلا تجرؤ الشاب غيفارا أبيض البشرة على مثل هذا الطلب، لا لأن الثوار الأفارقة لم ينضجوا بعد لتقبل هذا الأمر وإنما لأن هذه هي القناعة العميقة لكبيلا نفسه» ! شيخ العرب لقد كان مومن، في خضم مهامه بين الجزائر والدول التي كان يتحرك فيها لمواجهة الاستعمار ومخططاته وعملائه، يتابع مجريات نفس المعركة واستحقاقاتها في المغرب. وعند إعلان استقلال الجزائر(1962) سيعود ليجد أمامه وضعا في غاية الاحتقان ، لقد تم حل جيش التحرير وتم اعتقال الناطق الرسمي باسم المقاومة وجيش التحرير وأقيلت حكومة برنامجها الاستقلال الاقتصادي وتدارك ارتهان السيادة بأوفاق إيكس ليبان وانتقل محمد الخامس إلى بارئه وتم إعدام قادة المقاومة: «مولاي إدريس بن أحمد الدكالي، وأحمد بن محمد تاجا (الجابون)، وعبد الله الزناكي، ومحمد بن حمو، الذي كان قد حكم عليه بالإعدام أيام الاستعمار .. و لم ينفذ فيه ... وأعدمه الحكم الفردي»، كما جاء في جريدة (التحرير 25 يناير 1962)، أي العدد الذي تلا يوم إعدامهم... ومما جاء في التحرير أيضا أن بنحمو، قبيل الإعدام، رفض أن تعصب عيناه حين إطلاق الرصاص عليه وفضل أن يعيد قول المقاوم الراشدي عندما واجه تنفيذ حكم الإعدام الصادر ضده من محكمة السلطات الاستعمارية الفرنسية، صارخا: «أتركوني أرى ولآخر مرة سماء المغرب الذي أموت في سبيله». وعندما تقدم الجند لإعدام عبد الله الزناكي هتف عاليا: «يحيا التاريخ». أما الجابون فقد صاح يقول: «هذا ما يجازينا به الإقطاع». في ذلك السياق عاد صاحبنا إلى المغرب، وكانت حركة أخرى تشق لها طريقا خاصا بها بقيادة أمسليل ابراهيم «الحلاوي» والمقاوم الاتحادي الأسطورة، «شيخ العرب» الذي اقترنت الحركة باسمه، واسمه الحقيقي أحماد أو ابراهيم أكوليز؛ هذه الحركة التي سيجد فيها صاحبنا ضالته في أجواء الاحتقان الذي لخصه بيان الكتابة العامة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية بالقطع حينها فيما يلي: «الاتحاد الوطني ينادي الوطنيين المخلصين وكافة مناضليه لقطع الطريق في وجه عملاء الإقطاع والاستعمار الجديد.. الاتحاد الوطني للقوات الشعبية يفتح واجهة جديدة ليخوض المعارك في نفس الميدان الذي اختارته الرجعية لهزيمتها.. لا سبيل لإصلاح النظام الإقطاعي الرجعي القائم وعلاجه وتركيزه، لا مجال للتهادن، فأحرى الانسياق معه، بل لا دواء له غير زواله...». (بيان 17). أوفقير يهدد بأمعاء الصقلي
لقد انطلقت مرحلة «الحكم الفردي المطلق»، بإدارة أحمد رضا كديرة، أو «ظل مولاه» بتعبير بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد، الذي كان في آن واحد، الرئيس القانوني للحكومة، والمدير العام للديوان الملكي، ومدير ديوان رئيس الحكومة (الملك)، ووزيرا للفلاحة، ووزيرا للدفاع، ووزيرا للداخلية، ووزيرا للخارجية بالنيابة. أما الأدوات والأذرع فكانت ثلة من الأسماء التي كانت «مهام» بالأمس مع الاستعمار وقدماء الضباط في الجيش الفرنسي كأوفقير وأحرضان و الدليمي وغيرهم. هكذا احتدم الصراع وانطلقت سنوات التي ستوصف فيما بعد ب»سنوات الرصاص» .. وحين سيقع صاحبنا في قبضة الضباط، قدماء الجيش الفرنسي سيصبح فريسة للحقد والضغينة وستشكل تجربته، إلى جانب الفقيه البصري وعمر بنجلون المغتال بعد ذلك سنة 1975، واحدة من أفظع المحطات للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على يد كبار جلادي الكاب1 ودار المقري.. فعند اختطافه سنة 1963، وبعد التحقيق معه في الثكنة الأمريكيةبالقنيطرة، تم نقله إلى المعتقل السري دار المقري، مورس عليه مختلف أنواع التعذيب لحمله على الشهادة على قيادة الاتحاد وبالخصوص الفقيه البصري المطلوبة رقبته باعتباره «رأس الثعبان» بتعبير رضا كديرة في جريدته «ليفار»، وحتى لا يتم ترك أي هامش لأي تردد، فإن الجنرال أوفقير (كان حينها كولونيل) فرض على صاحبنا، من باب الترهيب، أن يشاهد مشهدا مما ينتظره في حال التراجع عن الشهادة أمام القاضي.. أما المشهد فهو بقر بطن الضابط الوطني الصقلي المعلق من رجليه بواسطة سكين بيده وبشكل جعل أمعاءه تندلق على وجهه الذي تم التمثيل به بشكل وحشي قبل ذلك ...وفي نفس الإطار يروي مومن الديوري حكاية أخرى يفيد خلالها أنه، بعد حصة فظيعة من التعذيب وضعه الجلادون في سيارة جيب لا يقوى على أي حركة، ولا حتى فتح عينيه وقبل تحرك الجلادين سمع أوفقير يصرخ فيهم بالفرنسية «حيا أو ميتا أريد الأموي هنا الآن». وبسرعة جنونية تحرك الجلادون، وبعد مدة توقفت الجيب، هرج و مرج وصياح ثم طلقة رصاصة، وبعد هنيهة يضيف الديوري، تلقى علي جثة ظلت تفور منها دماء حارة حسبتها جثة الأموي لكنها، كما تبين فيما بعد، لأستاذ جامعي عاثر الحظ اسمه بنسالم ظنه الجلادون أنه هو الأموي». الشاهد المملوك و «لوكي لوك» كانت الحكومة وصحافتها قد رتبت كل شيء لإدانة قيادة الاتحاد، بناء على «التزام» الرهينة الشاهد» المملوك لأوفقير ب«الاعتراف» بتورط تلك القيادة في المؤامرة ضد الملك، لكن المعتقل الرهينة هو بن محمد الديوري الذي لم تنفع معه لا مساومات ولا تهديدات التهامي الكلاوي، فكيف ستنفع معه مساومات وتهديدات أوفقير، المحسوب على العسكر الفرنسي، مع مومن بن محمد الديوري؛ «نعم سيدي الرئيس إن هناك مؤامرة كبرى لكنها ليست ضد الملك وإنما ضد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وقيادته ومناضليه».. هذه هي شهادة مومن الديوري التي جعل بها السحر ينقلب على الساحر.. ولكن لأن عهد أوفقير قد انطلق، فإنه لا معنى يبقى لسلطة القضاء ونزاهته واستقلاله، فكان طبيعيا ألا يكون، مقابل شهادته؛ أقل من حكم الإعدام له و لرفيقيه الفقيه البصري وعمر بنجلون! سيقضي بالسجن، في حي الإعدام حوالي سنتين . وعلى مسافة قصيرة من إعدامهم (أوصلوا البصري مرة قرب مكان التنفيذ ثم أعادوه)، ستندلع مظاهرات ما سيعرف بأحداث الدارالبيضاء أو مجزرة 23 مارس 1965 سيضطر النظام إلى إلغاء أحكام الإعدام ثم إخلاء سبيل المحكومين ومنهم صاحبنا . وهنا تحكى عنه إحدى الطرائف بينه وبين رفيقيه في حي الإعدام. فلقد رفض الخروج من السجن على إثر العفو الصادر في حقهم «... حتى لا نسهم في تخفيف الخناق بخروجنا على النظام» وعندما نهره الفقيه مستفسرا بإنكار: «و كيف نصرف هذا الموقف الغريب، هل نقول لهم لا نريد مغادرة السجن، من سيأخذنا على محمل الجد؟»، أجاب مقترحا: «نخرج من هنا مباشرة إلى مؤتمر صحفي بالدارالبيضاء نهاجم فيه النظام وهكذا يعيدوننا وتستمر أزمة النظام، هنا تدخل عمر بنجلون، مزيحا إياه من الطريق: «... باركا ما تدير علينا هنا لوكي لوك !». السنوات الملتبسة خرج صاحبنا من السجن ليجد نفسه أمام حقيقة مرة: إن رفيقه ومثله الأعلى «شيخ العرب» قتل، وهو في السجن ثم اختطف واغتيل، بعد ذلك، رفيقه المهدي (29 أكتوبر 1965).. هنا سيختار الشاب مومن أن يدخل في اختفاء طوعي عن الأنظار حوالي خمس سنوات «ملتبسة» يطرح حولها رفاقه عددا من الأسئلة، لكن صاحبنا الذي يعتبر أنه غير ملزم بأن يعطي الحساب لأحد من هذه الناحية، فضل الصمت عن هذه السنين التي لم يكشف شيئا عنها إلا في المدة الأخيرة حين قال بأنها أجمل سنوات عمره. للعلم فإنه خلال هذه السنوات تزوج بالمخرجة السينمائية الشهيرة فريدة بليزيد التي رزق منها بنتان؛ عايدة (مصممة ملابس و كنزة معنية بالشؤون المالية) .. غير أن النوم في العسل لحظة لا يمكن أن يطول لمن يحمل هم الوطن، وهكذا، في سياق القمع الذي رافق أجواء محاكمة الفرقاني ومن معه، سيحس ب»الصهد» مقتربا من جديد، فكان عليه، قبل أن تنزل الفأس في الرأس أن «يبات ما يصبح» لتجده سنة 1971، بكل رجاتها، و ماتلاها من رجات غيرها، في فرنسا خارج القبضة .. صاعقة حب في باريس، وبينما كان صاحبنا يهم بإشعال الصاعق لأول مواجهة مع النظام في خضم المحاولة الانقلابية الأولى، سيكون هو الآخر عرضة لصعقة غرامية من نوع فريد.. تهوي، الشابة الفيتنامية من قيادة شبيبة الفيتكونغ، ابنة أحد قادة الثورة الفيتنامية إلى جانب العم هو شي مينه والجينرال جياب.. هنا سيقترن ثائر المغارب بثائرة المشارق وينجبان أمين، 40 سنة دكتور في الاقتصاد، ريما وإيمان (تواصلان دراساتهما العليا بباريس).. هناك نصب صاحبنا «منصة صواريخه» أول قذيفة في اتجاه الرباط كانت كتابا استعرض فيه مختلف الفظاعات التي عاشها وكان ضحية لها أو التي واكبها ورصدها في تراكم ما سيشتهر فيما بعد ب «سنوات الرصاص»، وستتلو هذه القذيفة قذائف أخرى أثارت ضجة، في حينها، حول نظام الحكم. ولقد كان طبيعيا أن تتحرك المصالح، والمصالح العليا فتتحرك «دولة الأنوار» وتبعد صاحبنا إلى الغابون، فيما سيصبح حدثا دوليا تابعته فضائيات العالم، لاسيما بعد أن أصبح قضية رأي عام خرجت له اعتصامات ومظاهرات صاخبة في باريس .. ولقد رفض الديوري كل العروض البديلة بما فيها عرض السفير السويسري بالغابون، بمنحه اللجوء السياسي ببلده. كما أنه رفض التماس الرئيس الغابوني مجرد الرد على هاتف ابنه أمين وسط اعتصام باريس و ذلك «.. حتى تبقى الأزمة مشتعلة و يضطروا إلى التراجع عن القرار التعسفي»، حسب قوله، و هو ما تم فعلا بعد تفاقم المشكل ليعود إلى مقر إقامته بباريس، بعد 26 يوما كانت كافية لإسقاط مشروع فيليب مارشان وزير الداخلية الفرنسي ضد الكاتب منذ فشله في ثني هذا الأخير عن نشر الكتاب الذي لم تهدأ عاصفته حتى بدأت إرهاصات عاصفة جديدة مع كتاب جديد. أما كتاب «الخيانة العظمى» فقد علق نشره لتزامن إنهاء كتابته مع وفاة الملك الحسن الثاني سنة 1999، و حسب ما هو متوفر من معلومات فإن هذا المؤلف يتضمن نقدا، ليس للنظام وحسب و إنما للنخبة كذلك . تلك بإيجاز طبيعة العلاقة المتوترة بين الثائر بن الشهيد مع نظام الملك الراحل، لكن انتقال الملك جاء بتلطيف الموقف من النظام الجديد.. هل هي آمال شعارات «المفهوم الجديد للسلطة؟» هل هو مفعول التزامات عدم تكرار ما جرى؟ هل هو تغير في الموقف أم هو تكيف؟ هل الزمن فعل فعلته؟ هل هو كل هذا؟ لست نادما على أي شيء
قبل عودته إلى المغرب، وعند الحديث عن طي صفحة الماضي ووعود الإنصاف والمصالحة والتوجه للمستقبل، تم الاتصال بصاحبنا كواحد من أهم المعنيين باستحقاقات العدالة الانتقالية، لكن اشتراط اعتذاره برسالة مكتوبة مقابل تسلمه لجواز سفره جعله يستنتج أن الإرادة السياسية غير متوفر بعد، فما كان منه إلا أن أدار الظهر للعروض «التي لا تريد أن تشفى من المخزنة»، في اعتقاده.. غير أن الوزير السفير الذي اتصل واشترط، هو نفسه من سيتصل بعد فترة قصيرة من ذلك ليطلب من المنفي المعارض أن يختار أي قنصلية تناسبه لتسلم جوازه.. هكذا جاء ت العودة، و مومن الديوري، بعد كل هذه التجربة التي بدأها مع بنبركة وتشي غيفارا والفقيه البصري وشيخ العرب وبن بلا... وأنهاها بلقاءات مع جيمي كارتر وبيل كلينتون وغيرهما، لم يعد يساريا بالمعنى الماركسي اللينيني لسنوات الستينيات والسبعينيات ولا هو مستلب بالقوالب الجاهزة والنمطية للتنمية على أسس الثقافة الغربية .. «إن الحل لأزماتنا، كل أزماتنا هي في عمق ثقافتنا و ميراثنا الحضاري، إن الحل في الإسلام بما هو دين العقل والخلق و الحرية وكل القيم السامية والمثل العليا». هذه هي خلاصة عمر في تجربة رجل يقول «لست نادما على أي شيء في حياتي».