لا أجد مبررا منطقيا للحماسة المغربية لمشروع ساركوزي: «الاتحاد من أجل المتوسط»، لأن الفكرة من أولها إلى آخرها مشروع فرنسي-أوربي الهدف منه إعادة ترتيب أوراق العلاقة ما بين أوربا والدول العربية المطلة على البحر المتوسط، على ضوء الأخطار الأمنية القديمة/الجديدة: الهجرة، الإرهاب، المخدرات والجريمة المنظمة... فرنسا التي أدت ثمنا دبلوماسيا مرتفعا بسبب معارضتها للحرب على العراق، التي ذهب إليها بوش وبلير دون الالتفات إلى معارضة أغلبية دول العالم.. وفرنسا التي تقلص نفوذها السياسي في الحوض المتوسط بفعل القيادة الأمريكية للعالم في سيارة القطب الواحد.. وفرنسا التي يشهد اقتصادها وصناعتها وإشعاعها انكماشا ملحوظا أمام ألمانيا وباقي دول أوربا الناهضة... فرنسا هذه تريد، أمام هذه الأوضاع الداخلية والخارجية، أن تعيد التموقع في حوض البحر الأبيض المتوسط، مستغلة إرثها الاستعماري في شمال إفريقيا ولبنان وسوريا... لهذا عارضت ألمانيا، في البداية، مشروع ساركوزي، ولما حد من طموحاته، رجعت وقبلت المشروع دون إلغاء اتفاقية برشلونة التي تنظم علاقة الاتحاد الأوربي مع دول جنوب المتوسط. أجندة أوربا اليوم لها أولويات واضحة، لا يقع التعاون السياسي والاقتصادي والتكنولوجي سوى في آخر لائحتها، وكثمن متواضع لالتزام دول الجنوب بالمشاركة الفعالة في حماية أمن أوربا الغنية والديمقراطية. أوربا لا تريد مهاجرين يدقون أبوابها، حتى وإن لم يكن لهم ملاذ آخر غير الهجرة من بلدانهم الأصلية إلى بلدان أخرى تحتاج إلى سواعدهم. وعندما تقبل أوربا المهاجرين، فإنها تفضل أبناء ديانتها من المسيحيين، ثم يأتي بعدهم المنحدرون من أمريكا اللاتينية، ثم الآسيويون، أما العرب والمسلمون فإنهم مشكلة بلا حل في أوربا، لأن اليمين المسيحي والأوربي المتعصب العائد إلى السلطة لا يجد لثقافتهم ودينهم مكانا في عقله، وهنا تتحرك الآلة الدعائية لتوظيف جنون أسامة بن لادن ضد ملايين العرب والمسلمين في أوربا، مع أن عداء أوروبا لهجرة هؤلاء سبق ميلاد القاعدة وفكرها المتطرف. أوربا تريد من دول المغرب العربي أن تشكل سدا منيعا ضد الهجرة غير القانونية من بلدانها ومن دول إفريقيا التي دخلت في موجة لااستقرار لا يعرف أحد متى ستنحسر. يريد السيد ساركوزي أن يجعل من هذه الدول المغاربية شرطيا يقف عند الحدود يحمي الجنة الأوربية من «متشردي الهجرة»، ومخبرا يتعقب القاعدة وفكرها ويمنعها من الاقتراب من الجسد الجميل لأوربا، وجمركيا يفتش الحقائب والسيارات بحثا عن المخدرات القادمة من جبال الريف وكتامة... مقابل هذه المهمات الكبرى سيرمي لنا الاتحاد الأوربي بعض المساعدات المشروطة، وسيسكت عن استبداد الأنظمة غير الديمقراطية الحاكمة في العالم العربي وإفريقيا، ألم يقل ساركوزي أثناء زيارته ل»إمارة تونس» إنه لا يملك دروسا في حقوق الإنسان يقدمها للرئيس زين العابدين بن علي... السؤال هو: لماذا يتحمس البعض هنا لمشروع الآخرين؟ لماذا يسكتون على مصارحة السيدة فرنسا وأوربا بالقول: إن العلاقات بين الدول ليست مبنية على «الخدمة الأمنية»، بل على الشراكات الاستراتيجية التي تتضمن السياسة والاقتصاد والأمن المشترك؟ هل دول المغرب العربي شركات أمن خاصة أم بلدان لها سيادة ولها دور تلعبه في البحر واليابسة؟