قرر وزير النقل، في الأسبوع الماضي، وقف تشغيل العبَّارة «الرياض» إلى حين قيام هيئة السلامة البحرية بالتفتيش الفني عليها، وذلك بعد أن كادت العبَّارة تتعرض للغرق مرتين في أسبوع واحد وهي تحمل معتمرين يفوق عددهم 600 شخص.. العبَّارة «الرياض» هي وشقيقتها العبَّارة «القاهرة» من أحدث العبَّارات السريعة في العالم، تم بناؤهما في أكبر ترسانة عبَّارات في أستراليا عام 2008 لحساب السعودية، التي أهدتهما في احتفال رسمي كبير حضره الرئيس مبارك والملك عبد الله، وذلك بعد حادث غرق العبَّارة «السلام 98» في 2006 ومقتل أكثر من 1200 من ركابها.. المدهش أن تتعرض العبَّارة «الرياض» لهذه المشاكل وهي لا تزال في عام تشغيلها الأول، لكن مما يقال أيضا، على نحو ما نشر في الصحف مؤخرا، أن تعطل العبَّارة الأخير كان متعمدا لتتهرب العبَّارة من الخدمة في هذا الشهر بالذات الذي ينخفض فيه عائد التشغيل عادة، وذلك دون مراعاة لمصالح الركاب أو التزامها إزاءهم. الأمر إذن تحيطه الريبة التي نرجو أن يحسمها وزير النقل عندما يرفع إليه تقرير هيئة السلامة في الأسبوع القادم.. لكن مهما تكن النتائج التي سيسفر عنها التقرير، فأهم ما ننتظره منه أن يطمئننا على سلامة العبَّارتين الحديثتين وسلامة ركابهما بالتالي.. كفانا غرقى في العبَّارات.. غير أن الأمر كله يذكرنا بما هو أهم.. الجسر الهائل الذي كانت تفترض إقامته بين السعودية ومصر، ويصل دول الخليج والمشرق العربي بمغربه.. ظلت الأخبار تتناثر سنوات حول هذا الجسر المعلق الذي يمتد 23 كيلومترا من منطقة تبوك في شمال السعودية إلى شرم الشيخ مارا بجزيرة تيران.. وفي عام 2007، فاجأتنا جريدة «الأهرام» بأن العاهل السعودي سيضع حجر الأساس للجسر في الأسبوع الثاني من شهر مايو من ذلك العام، ونشرت الصحف أن الجسر سيكلف 3 مليارات دولار تمولها مؤسسات سعودية خاصة، بل إن تفاصيل أخرى أشارت وقتها إلى الشركات التي ستبني الجسر، وهي شركات دولية وسعودية ومصرية بينها «المقاولون العرب»، وقيل أيضا إن الرئيس مبارك سيحضر مراسيم وضع حجر الأساس.. إلا أن مفاجأة كبرى حدثت بعد ذلك بأيام، فقد أعلن الرئيس عن معارضته لبناء الجسر، وقال إن ما نشر عن وضع حجر أساسه مجرد شائعة لا أساس لها من الصحة، وإن «أحدا لم يتحدث إلينا في هذا الموضوع»، وإن «مرور الجسر بشرم الشيخ سيؤدي إلى الإضرار بالفنادق والمنشآت السياحية ويفسد الحياة الهادئة والآمنة هناك». بالطبع، فإن أحدا لا يمكنه أن يتجنى على الرئيس فيدعي أنه اعترض على المشروع لمجرد أنه سيفسد «الحياة الهادئة» في مدينته المفضلة، لكن الغريب هنا أن الجسر لم يكن مقررا أن يصب في المدينة، وإنما عند أطرافها.. الأغرب أن المشروع عظيم الفائدة بالنسبة إلى العالم العربي كله، وخاصة بالنسبة إلى مصر التي لم تكن ستنفق جنيها واحدا في إقامته.. والأكثر غرابة أن مصر ظلت سنوات تطالب بإقامة الجسر، بل إن وزير النقل المصري أعلن في 2005 أن دراسة «مستفيضة» عن الجسر موجودة أمام رئيس الوزراء.. ما الذي غير موقف مصر هكذا فجأة؟.. الأرجح، وفقا لمصادر متعددة، أن إسرائيل هي السبب.. منذ أن أعلن عن فكرة الجسر والصحف الإسرائيلية تنقل قلق إسرائيل «البالغ»، فمرة يقال إنه سيهدد أمن الملاحة في خليج العقبة، وأخرى يقال إن له «عواقب وخيمة على الوضع الاقتصادي والاستراتيجي والعسكري والجيولوجي لإسرائيل»، وفي مرات عديدة أخرى تردد المصادر الإسرائيلية مخاوف من أنه سيقلل من أهمية ميناء إيلات، أو أنه وهذا هو الأخطر يمكن أن يتيح نقل وحدات عسكرية سعودية بسهولة إلى سيناء.. رضخنا لإسرائيل إذن، هذا أول ما يتبادر إلى الأذهان.. أما إذا لم يكن هذا صحيحا، فليقل لنا أحد السادة المسؤولين لماذا توقف مشروع الجسر؟..