كنزة دريدر، فرنسية من أصل مغربي في ال31 من عمرها، أم لأربعة أطفال، ولدت، تربت وتعيش بناحية آفينيون بجنوب فرنسا، تتحدث الفرنسية بطلاقة تحسد عليها، حصلت على شهادة الباكلوريا، تابعت دراستها الجامعية في مجال المساعدة القانونية، وتعمل اليوم متطوعة في أحد مراكز الترفيه، تصف نفسها بكونها امرأة «مرحة»، «متفتحة» وتهوى الرياضة، بحيث تركب الدراجة الهوائية وتمارس أيضا رياضة الملاكمة أو البوكس إن شئتم . لكن وبالرغم من كل هذه الأوصاف الكاملة، سقطت كنزة دريدر من أعين الفرنسيين، لا لشيء إلا لارتدائها النقاب، إذ سرى حديث مازح، قادح في حقها يتعجب ويتساءل بموجبه فرنسيو «قاع الخابية» عن امرأة محجبة ترتدي قفازات الملاكمة وتصعد إلى الحلبة لتبادل اللكم والضربات بل والضربات القاضية؟ لكن بدل أن تهزم وتحبط هذه الأقاويل معنوياتها وترغمها على نزع النقاب، دفعتها على العكس من ذلك إلى الحلبة، لكن الإعلامية هذه المرة، للدفاع عن المحجبات وارتدائهن النقاب، إذ أصبحت بمثابة الناطقة الرسمية باسمهن. وهكذا طافت على حفنة من القنوات التلفزيونية وعلى أشهر محطات الراديو:France 2, RTL, France5 RMC, Paris Première, لتفاجأ بطلاقة ووضوح محدثيها ومخاطبيها. وتبقى إفادة كنزة دريدر، أمام اللجنة البرلمانية التي تشكلت في يونيو من عام 2009 في موضوع النقاب، لحظة مميزة أثارت احترام العديد من الأعضاء. قبل الإفادة، قبلت كنزة التقدم أمام أعضاء اللجنة، وأغلبهم من الرجال، عارية الرأس، لكن ب«دماغ صحيح»! أجابت من دون مواربة عن الأسئلة لدحض التصورات الرائجة عن الحجاب والنقاب والقائلة، من جملة ما هو رائج، إنه «سجن متنقل». أشارت كنزة إلى أنها ارتدت النقاب بمحض إرادتها وضد إرادة زوجها. «كنت سأرتدي النقاب أحب أم كره. إنه اختيار روحي وديني يقربني أكثر من الإسلام»، تقول كنزة. اعترفت بأن بعض النساء يتنقبن تحت ضغوطات أزواجهن، لكن تعميم الحكم على كل النساء يترجم نيات مبيتة الغاية منها تعليب المسلمين في قوالب جاهزة لا تسمح البتة بمقاربتهم أو السعي إلى التعرف على مقدساتهم الدينية. «أناهض كل أشكال التطرف. وليست لي أية رغبة في الإساءة إلى المجتمع. لكن ارتداء الحجاب، الذي هو بالمناسبة امتداد لجسدي، لا يعني البتة اعتناقا للأصولية». وفي معرض حديثها، ردت كنزة على تصريحات فاضلة عمارة، المكلفة بسياسة المدينة في حكومة فرانسوا فيليون، التي سبق أن صرحت بأنه «وراء كل حجاب مجموعة إرهابية»، بقولها: «لم يقع اختياري على حمل رشاش كالاشنيكوف أو حزام متفجرات بل على لباس لا غير». بعد أن قررت كنزة رفع دعوى ضد فاضلة عمارة على هذا التوصيف الذي اعتبرته جارحا في حق المسلمين، قارعت السيف على حلبات التلفزيون مع سهام حبشي، خليفة فاضلة عمارة على رأس جمعية «لا خانعات ولا باغيات».. جمعتهما مقابلتان تمت الأولى على قناة France 5 ، والثانية على قناة Paris-Première . فتاتان مسلمتان.. الأولى من أصل مغربي والثانية من أصل جزائري، الأولى محجبة والثانية أوربية بمقاييس الجمهورية الفرنسية، لكن فيما أبدت كنزة تمكنها من الإسلام كنص وممارسة، كررت سهام حبشي ما هو متداول في المتخيل العمومي والإعلامي من أن «النقاب أحد أشكال الاستعباد الحديثة». وكاد السجال يفضي بهما أحيانا إلى حد «نتيف الزغب» على طريقة «لمضاربة بالسطول في الحمام». ومن فضائل مثل هذا النقاش تبيانه أن الخائضين في نقاش قضايا الإسلام قوم لا يعقلون تاريخه وأصوله وثراءه. في الثامن من أبريل الماضي، حاورت قناة «بي-بي-سي» كنزة دريدر. شوهدت في إحدى اللقطات، وهي منقبة، تلعب كرة التنس. لكن يبدو أنها لبست قفازات الملاكمة لمواجهة مشروع قانون حظر النقاب الذي سيصوت عليه نواب البرلمان في ال19 من هذا الشهر ولسان حالها يقول: «والله ما نحيد النكاب واللي بغا البوكس راني موجودة!».