اختار أن يسبر غور المجهول وأن يخالف قواعد رياضية راسخة. اختار أن يلجأ إلى طرق فرعية وعرة ليضع حقائق جديدة أمام العالم، تكشف الحد الفاصل بين الجريمة البشعة التي ارتُكبت والبطولة التي سطرها رجل عظيم تصدى للمؤامرة بكل ثقله، وقلب السحر على الساحر، وفرض على الدنيا شروطه في وقت اختار آخرون التوجه في دعائهم لغير الله والصلاة باتجاه قبلة أخرى غير تلك التي أَُمرنا بأن نولي وجوهنا شطرها. إنه الكاتب والصحفي الأسترالي بول ماكجوي، الذي وثقّ بروح مقاتل أسطوري اللحظة التاريخية التي أحبط فيها الراحل الملك حسين بن طلال محاولة اغتيال القيادي في حماس خالد مشعل، الذي ولد في سلواد، إحدى قرى رام اللهالمحتلة، والتحق بالإخوان المسلمين بمصر والكويت والأردن، وخطا خطواته الأولى مع عبد الله عزام وأحمد ياسين لتكوين اللبنات الأساسية لحركة حماس ليصبح رئيس مكتبها السياسي في الخارج وقائدها الفعلي بعد اغتيال الشيخ ياسين عام 2004. خالد مشعل الذي قدم للتاريخ نموذجا استثنائيا لقيادة تعرف متى تغضب.. متى تحاور..متى تفاوض ..ومتى تقلب الطاولة وتفرض الشروط، خاصة أن أهمية الكتاب تأتي وأطراف الأزمة عند محاولة اغتيال مشعل (نتنياهو ومشعل وكلينتون) عادت إلى المسرح السياسي من جديد ( نتنياهو رئيسا لوزراء (إسرائيل) ومشعل ما زال في الواجهة السياسية لحركة حماس، وها هي هيلاري كلينتون تعود وزيرة للخارجية الامريكية في حكومة ديمقراطية تحمل نفس التوجهات الخاصة بعملية السلام.
يرى المؤرخ زياد أبو عمر أن سلطة وقوة حماس هما اللتان منحتا الطموح لمشعل، ويقول: «يجب أن نتذكر أحيانا بأن الحركة القوية هي التي تصنع القائد وليس العكس». وتضيف الصحافية والمحللة الأردنية رانيا قادري قائلة:«الرجل الوحيد الذي مات حينها كان أبو مرزوق(كناية فقط)، ولا أحد يريد أن يتكلم مع أبي مرزوق، كان مشعل مشعل مشعل...فقط.» لكن بحسابات خالد مشعل، فقد كانت البداية في الكويت أولا، ثم في المؤتمر السري في الأردن، وخطة خلق حماس توقفت في استراتيجية الإخوان المسلمين لمدة أربع سنوات قبل الانتفاضة الأولى، التي وقعت بعد حادثة معبر إيريز، حيث يروي أحد المقربين من قيادة حركة حماس قائلا: «كان يستحيل في نظر ياسين أن تنجح عمليته في غزة والضفة الغربية بدون المشروع الخارجي (أي وجود خالد مشعل). ويروي خالد مشعل قائلا: «عند حادثة إيريز كانت البداية لنا عندما قامت شاحنة يقودها إسرائيلي بقتل أربعة فلسطينيين، لذلك كنا جاهزين، فالسنوات التي قضيتها في الكويت كفلسطيني في المنفى، حيث كنت أعمل مدرسا لمادة الفيزياء، كانت بمثابة غطاء لما كنت أحلم به. كنت رجلاً لديه مهمة وسبب ومشروع، وكنت أحلم بذلك منذ كنت صغيراً. أنا فخور بأن الله اختارني لأكون مؤسساً وجندياً لمشروع أصبحت فيه قائداً، وهذا الموقع منحني الثقة بواسطة أشقائي. والأهم بالنسبة لي شخصياً أنه مشروعي. أما الأجنحة المتعددة للحركة من الذراع العسكري والسياسي والقيادة المحلية في غزة والضفة الغربية وفريق الحكومة، التي يتزعمها إسماعيل هنية في غزة، فقد استطاعت أن تتفاعل مع وجودي في دمشق، وشكلت امتدادا لروابط الحركة مع العالم العربي والإسلامي. لقد كنت منغمسا جدا في الإسلام وكنت أقضي ساعات يوميا في ترتيل القرآن». ويقول الكاتب بول ماكجوي: «في نهاية العام 2007 كان من الصعب أن نسمع أحدا في القدس يصف خالد مشعل بالقائد الوطني أو حتى أن نسمع مسؤولاً في البيت الأبيض في واشنطن يصفه بالزعيم أو القائد الذي أدى دوراً هاماً في أزمة الشرق الأوسط. إلا أن أجهزة الاستخبارات العربية أصبحت قلقة بعد أن صار خالد مشعل أول شخصية في حماس تسيطر على الجناح العسكري والسياسي.. ويقول أحد العناصر في جهاز الاستخبارات العسكري الإسرائيلي، الذي تابع خالد مشعل لمدة 15 عاما،ً «كان مشعل يفهم القوة ويجيد استخدام العنف، لكنه لا يقوم بذلك بنفسه، فهو لم يخلق إيديولوجية حماس، ولكنه يفهمها جيدا ويدرك مضامينها. ولكن علينا أن نعلم أنه رجل خطير، فهو ليس مجنوناً، بل هو تحت الأرض أو على الأقل هكذا يريدنا أن نعتبره. تذكر هذا، فهو يترأس مجموعة إرهابية مع صواريخها وتفجيراتها». ويروي أحد عملاء الموساد عن خالد مشعل قائلا: «يريد أن نكون مثلنا مثل الصهيونية في فلسطين التاريخية. مشعل يرى نفسه مسؤولاً عن كل الفلسطينيين في الداخل أو الخارج ويريد أن يجمعهم كلهم في موطنهم التاريخي.» مشعل ليس بن لادن ولا يقلد نصر الله رغم معارضة حماس لاتفاق أوسلو فإنها شاركت في العملية الديمقراطية التي نجمت عن الاتفاق، وخاضت الانتخابات وفازت بها. وبذلك تكون فعليا قد اعترفت بحل الدولتين وبعملية السلام.هكذا جاء رد خالد على أحد الأسئلة التي وجهتها له بخصوص عملية السلام وفوز حماس بالانتخابات التشريعية، حيث أردف قائلا: « كنا نعارض بشدة الاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير مع المحتل الإسرائيلي. وهذه كان نقطة الخلاف بيننا وبين السلطة، سواء أيام عرفات أو بعده. لكننا، وبما أننا خضنا الانتخابات الفلسطينية وفزنا بها فمعنى ذلك أننا اعترفنا بحل الدولتين.أما فيما يقال بخصوص محاولة تقليدي شيخ المجاهدين حسن نصر الله، فرغم أننا درسنا عند شيخ واحد في سوريا، فإننا شخصيتان مستقلتان، وكل منا يمثل تياره السياسي من وجهة النظر التي يراها مناسبة. والحمد لله رب العالمين أننا أصبحنا مقبولين لدى العالم وكبار الساسة الأمريكيين وغيرهم. فالكل يعرفنا ويعرف تاريخنا وثوابتنا.فأنا رجل وطني فلسطيني وليس بن لادن..» أفرايم حلافي، رجل المخابرات الإسرائيلية، لم يقبل الربط بين خالد مشعل و أسامة بن لادن، حيث قال إن «خالد مشعل لا يحاول تدمير عملية السلام، و إنما يريد أن يكون جزءا منها». وذكر الكاتب بأنه سأل أحد مستشاري بيريز عن مشكلتهم مع مشعل فكانت الاجابة مفاجئة حيث قال: «مشعل يريد أن يقلدنا نحن اليهود. فهو يريد دولة لشعبه ويريد أن يقود شعبه إلى الدولة، وهو ما فعله اليهود قبل ستة عقود.». مشعل وإيران وعند سؤالي لمشعل عن علاقته بإيران، قال لي بصراحة متناهية: «إنا نقبل أي دعم من أي دولة إسلامية لدعم فلسطين. وتلقيت تدريبات عسكرية، لكنني لن أفصح لك عن مكانها». وهنا اعتذر مني على عدم منحي الجواب.واعتبرت الصحافية في صحيفة «نيوزويك» الأمريكية رانيا القادري، التي كان لها دور مهم في إقناع الكاتب بفكرة الكتابة حول هذا الموضوع «إن مشعل ولد في ذلك اليوم الذي حاولت فيه إسرائيل اغتياله، والرجل الذي توفي هو أبو مرزوق (كناية مجازية).. أما عن موقف مشعل من الملك الراحل الحسين بن طلال، فقد كان خالد مشعل يتحدث عنه باحترام شديد ويقول إنه أنقذ حياته حتى أنه يحتفظ بالقصيدة التي ألقاها والده أمام جلالة الملك حسين عندما قام ملك الأردن بزيارته في المدينة الطبية. وأكد مشعل أن الملك حسين عندما أنقذه أنقذ حماس لأنه أدرك منذ البداية أهمية الحركة ودورها كلاعب مهم في المعادلة الفلسطينية. لكن خالد مشعل كان مستاءً جدا من قرار إبعاده من قبل حكومة عبد الرؤوف الروابدة. ورغم أنه كان علىعلاقة وطيدة بمدير المخابرات السابق سميح البطيخي فقد كان دوره مهما في الأزمة.