سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مليون امرأة مفقودة ومصائر نسائية غامضة عبر العالم في زمن حقوق الإنسان عدد النساء ضحايا العنف والاختفاء والجريمة يفوق عدد ضحايا الحروب من الرجال في القرن العشرين
نساء كثيرات يفقدن كل عام في مناطق مختلفة من العالم دون أن يعرف أحد مصيرهن. منهن المقتولات ومنهن المختفيات لأسباب خاصة.. الحكاية في الأصل هي حكاية تعامل مهين مع المرأة في المناطق التي تغيب فيها حقوق الإنسان وتنتشر فيها الممارسات الحاطة من كرامة المرأة. لكن هذا لا يعني أن نساء العالم الغربي معفيات من الظاهرة، بل هن أيضا يعانين منها. لكن أكثر المناطق معاناة من هذا الوضع هي المناطق الفقيرة وتلك التي يهيمن عليها الجهل والتقيد الأعمى بالتقاليد القديمة التي تعطي للرجل الحق في كل شيء على حساب المرأة، الكائن الضعيف. في باكستان والهند وإفريقيا جنوب الصحراء وبلدان عربية والصين تستثنى الطفلات من العناية الطبية أو لا يحظين منها إلا بالقليل بينما يتمتع الأطفال الذكور بكل الرعاية، وهو ما يوفر أسباب الاحتقار التي تشجع على ارتكاب الجرائم في حق النساء بمباركة من المجتمع. صحافيان أمريكيان، زوجان، في صحيفة «نيويورك تايمز» تطرقا للموضوع وبحثا فيه ليؤلفا كتابا تحدثت عنه صحيفة «لوبوان» الفرنسية، كما أجرت مع الزوج مقابلة صحافية ونشرت مقتطفات من الكتاب لتقريب حجم الظاهرة من القارئ. هي حكايات نساء غريبة. منها حكاية لونغ بروس، الكمبودية التي بيعت لماخور تعرضت فيه للتعذيب وأُدخل في عينها قضيب حديدي. وفي باكستان، حكم رجال القرية على مختار ماي بأن تخضع لاغتصاب جماعي ك «تعويض» للعشيرة الخصم، التي تهجم عليها شقيقها. وفي باكستان دائما، فقدت نعيمة أزار البصر بعد أن رشها رجل بالأسيد الحارق. هي مصائر مأساوية، لكنها صارت عادية بشكل فظيع عبر العالم. أكبر خرق لحقوق الإنسان في القرن الحادي والعشرين يعني حقوق النساء بالدرجة الأولى. في العام 1990، قدر الاقتصادي الهندي أمارتيا سين عدد النساء المفقودات في العالم لأسباب تتعلق بإنجاب البنات وبغياب العلاجات الضرورية وبالختان وبجرائم الشرف والعنف، دون الحديث عن الوفيات بين الأمهات، بحوالي 100 مليون امرأة. العدد يفوق عدد الرجال الذين سقطوا في ساحات الحرب خلال القرن العشرين. رغم ذلك، نادرا ما تعتلي حكاية لونغ بروس الكمبودية أو مختار ماي الباكستانية الصفحات الأولى للصحف. سبق لماو تسي تونغ أن قال:«النساء يحملن نصف السماء». لاشك أنه أكثر من شرب خمر الأرز حتى أخطأ التقدير. ففي الهند، مثلا، البنات دون الخامسة مهددات بالموت بنسبة تفوق 50 % مقارنة مع الذكور لأنهن يتلقين نسبة أقل من العلاجات الطبية ومن الأمصال والغذاء. وفي كل ساعتين تموت امرأة هندية محروقة بالنار على يد زوجها، نتيجة عدم رضاه عن قيمة المهر أو لرغبته في الزواج مرة أخرى. نيكولا كريستوف وزوجته شيريل وودون، الصحافيان في ال«نيويورك تايمز» والفائزان بجائزة «بوليتزر»، قررا أن يفضحا في كتابهما هذه الإبادة المسكوت عنها والتي تزيد من حدتها التكنولوجيا الحديثة. فالتصوير بالصدى، مثلا، الذي يبين جنس الجنين يشجع على الإجهاض حين يكون الجنين أنثى غير مرغوب فيها.«كل سنة، تختفي مليونا امرأة على الأقل عبر العالم»، ضحايا للعنف، يكتب المؤلفان. هذه المجزرة تعنينا كلنا لما لها من انعكاس كبير على الاقتصاد والأمن العالميين. «أكبر مورد غير مستغل في بلدان كثيرة عبر العالم، يقول المؤلفان، ليس حقول النفط أو مناجم الذهب، بل هو النساء والفتيات». ثمة ملاحظة شائعة تقول إن البلدان الأكثر فقرا والأكثر تأثرا بالإرهاب هي أيضا البلدان التي تعاني فيها النساء التهميش بشكل كبير. عندما يُنظر إليها من الغرب، غالبا ما تبدو «جرائم الشرف» أو الاغتصاب الجماعي كما لو أنها عادات تمارس في بلدان بعيدة، متجذرة في الثقافة المحلية، لا مجال لتفاديها. يرى المؤلفان أن خلاص النساء يمر عبر المساعدة الدولية. صحيح أن هذه المساعدة غالبا ما تتعرض للسطو والتبذير، إلا أنها تصنع المعجزات حينما تركز على برامج بسيطة غير مكلفة، لكنها فعالة من قبيل مكافحة النقص في مادة ال «يود» في المياه المسبب للأمراض ومنح الكسوة المدرسية لأطفال الأسر المعوزة...
قال إن 39000 مولودة تموت كل سنة في الصين نتيجة عدم استفادتهن من العلاج والغذاء نيكولا كريستوف: ما أدهشني أكثر هو نسبة المسؤولية التي تتحملها النساء في استمرار وضعهن السيء - كيف جاءت فكرة تأليف كتاب «نصف السماء»؟ لقد غطينا، أنا وزوجتي، شيريل، أحداث تيانانمان، التي سقط فيها ما بين 400 و800 ضحية. كل مقالاتنا كانت تحتل الصفحة الأولى لصحيفة «نيويورك تايمز». في السنة الموالية، وقعنا على دراسة تقول إن 000 39 مولودة تموت كل سنة في الصين نتيجة عدم استفادتهن من نفس الحصة الغذائية ونفس العلاجات الطبية التي يستفيد منها الذكور. لم نستطع أبدا أن نكتب ولو سطرا واحدا في هذا الموضوع. دفعنا هذا الوضع إلى التفكير فيه، فبدأنا التحقيق في العنف المرتكب ضد النساء في العالم. - ما هو الشيء الذي أدهشكما أكثر في التحقيق؟ ما أدهشني أكثر هو نسبة المسؤولية التي تتحملها النساء في استمرار الوضع السيء الذي يعشن فيه. يُعتقد، عموما، أن الرجال هم الذين يمارسون القمع ضد النساء، إلا أنني فوجئت بالعدد المرتفع للنساء اللواتي يشرفن على المواخير ويمارسن ختان البنات... وإذا سألت عما إذا كان ضرب الأزواج لزوجاتهم مقبولا، تجد أن الجواب لا يختلف حسب طبيعة الجنس، بل حسب طبيعة المستوى التعليمي ونمط الحياة الحضري أو القروي. - في الكمبودج، اشتريت حرية عاهرتين. لماذا؟ خلال أول مقام لي في الكمبودج، أنجزت ربورتاجا حول عاهرتين. وبفضلهما نجح ربورتاجي وحصلت على جوائز، لكنهما بقيتا في الماخور الذي كانتا تشتغلان فيه، ومما لاشك فيه أنهما توفيتا جراء السيدا. بعدها، لم أرغب في أن تتكرر المأساة. فكرت كذلك في أن ما قمت به يمكنه أن يحرك مشاعر القارئ. مساعدة الناس مسار صعب، محفوف بالأخطاء. يمكنك بناء بئر جميلة، لكن إذا أهملتها ولم يستطع أحد إصلاحها، فإن المشروع كله ينتهي. يقع هذا آلاف المرات في مناطق متفرقة من العالم. في إفريقيا، مُنحت النساء الحليب على شكل بودرة للأمهات المصابات بالسيدا حتى لا تنتقل العدوى إلى أبنائهن الرضع، إلا أنهن تخلصن منه لأنهن إذا لم يرضعن أبناءهن من أثدائهن فذلك يعني الاعتراف بإصابتهن بالمرض أمام سكان القبيلة... - عندما زرت القرية التي يتحدر منها أجداد شيريل زوجتك، صينية الأصل، لاحظت الحضور الكاسح للرجال بينما النساء كن يشتغلن في المعامل، فأدركت أن الصين نموذج للانعتاق... الصين نجحت في تعليم الفتيات وإدماجهن في عالم الشغل. هناك في قرية أجداد شيريل أدركنا أن ملايين النساء اللواتي جئن للعمل في المعامل هن اللواتي خلقن المعجزة الصينية والانفجار الاقتصادي الأسيوي بشكل عام. الأمريكيون يعتبرون ظروف العمل التي تشتغل فيها النساء الصينيات رهيبة، لكن تلك الأماكن هي الأماكن النادرة التي يمكن للنساء أن يتنافسن فيها مع الرجال جنبا إلى جنب، ويحققن بالتالي انعتاقهن إلى درجة أنه في بعض المناطق التي وصلها التحضر يفرح الآباء عندما تلد الزوجات أنثى. حتى وقت قصير، كانوا يفضلون المواليد الذكور. كوريا الجنوبية، هي الأخرى، نجحت في تحقيق التوازن بين الذكور والإناث في الولادات بفضل التربية، خاصة في المدن، كما أن الأفضلية التي كانت تُمنح للوريث الذكر اختفت. - لكن المفارقة كما تقول هي أنه في الوقت نفسه ترتفع نسبة إجهاض الإناث من الأجنة في بلدان أخرى... الوضع يتعقد، خاصة، في الهند. والولايات الأكثر غنى في الهند هي التي يلاحظ فيها أكبر الخلل بين الذكور والإناث عند الولادة، لأنه كلما ارتفع مستوى الحياة كلما تمكنت الأسر من القيام بالفحص بالصدى أثناء فترة الحمل، وبالتالي يصبح من السهل التخلص من المواليد الإناث. هنالك مجهود كبير يجب القيام به حتى في الغرب. فرنسا والولايات المتحدة، مثلا، يسود فيهما العنف الزوجي والدعارة. - أنت تدعو إلى اعتماد حلول فعالة... مع مرور الوقت أصبحنا، أنا وشيريل، نشك في قدرة الوسائل الكبرى على حل كل المشاكل دفعة واحدة. جميلٌ أن نسن القوانين، لكن غالبا ما لا تتغير الحياة على أرض الواقع رغم وجود القوانين. الأفضل أن نمنح الأسبقية للمبادرات الملموسة التي تحسن مستوى عيش السكان محليا... - هل من انعكاس إيجابي لمقالاتكما والكتاب؟ نعم. ففي السودان تلقت مدرسة ما يزيد عن 000 300 دولار من العطايا بعد صدور المقال الذي خصصته لها. أما منظمة مختار ماي، هذه المرأة الباكستانية التي تعرضت لاغتصاب جماعي وفضحته علنا والتي رويت حكايتها، استطاعت أن تجمع 500000 دولار. الناس يخشون أن يختلس المسؤولون الأموال الموجهة إليهم أو يساء استعمالها، لكن حينما يتأكدون من الغايات النبيلة، تراهم كرماء في العطاء بشكل كبير. فوجئنا كذلك للأثر الذي أحدثه الكتاب. بعد نزولي ضيفا على أوبرا وينفري في برنامجها التلفزيوني، سجلت منظمة Women for Women International التي ترعى قضايا النساء عبر العالم 000 10 عملية احتضان جديدة.
مقتطفات من الكتاب
عندما يسود الاغتصاب محل القانون دينا، مراهقة لا يتعدى سنها 17 سنة، والمتحدرة من منطقة كيندو الكونغولية، هي إحدى الضحايا. (...) تنتمي دينا إلى أسرة تتكون من 6 أفراد. كبرت في مزرعة أبويها المنتجين للموز والفاصوليا. إثنان من إخوتها التحقا بالمدرسة لبعض الوقت، بينما لم يسبق لأي واحدة من أخواتها أن حظيت بذلك. «المدرسة مهمة أكثر للذكور»، تقول دينا. جميع سكان المدينة كانوا يعلمون بوجود جنود من مليشيات الهوتو في المنطقة. لذلك كلما خرجت دينا إلى العمل في المزرعة، إلا وانتابها الخوف. ذات يوم، استشعرت الخطر، فقررت العودة إلى المنزل مبكرا، قبل مغيب الشمس. وبينما كانت في الطريق، حاصرها خمسة جنود من مليشيات الهوتو. كانوا يحملون بنادق وسكاكين، فأكرهوها على التمدد أرضا. أحدهم كان يحمل عصا، فيما حذرها آخر: إذا صرخت، سنقتلك. فلزمت الصمت بينما أخذ الخمسة يتناوبون على اغتصابها. وعندما انتهوا منها، اغتصبها أحدهم بعصاه قبل أن يعثر عليها والداها تحتضر في مكانها. ليس من طبيب لأمي عندما زار نيك أفغانستان لأول مرة، لجأ إلى خدمات مترجم يتكلم الإنجليزية التي درسها في الجامعة. كان رجلا شجاعا يبدو أنه منسجم مع عصره. إلا أن نقاشا معه كشف ما لم يكن متوقعا كشفه. «أمي لم تزر طبيبا في حياتها أبدا، ولن تراه أبدا»، قال المترجم. «لماذا إذن؟» سأل نيك لا توجد طبيبة هنا، وأنا لا يمكن أن أسمح لها بزيارة طبيب رجل. هذا مناف للإسلام. وبما أن والدي توفي، فهي الآن تحت مسؤوليتي. ليس لها الحق في الخروج من المنزل بدون إذني. لكن إذا اشتد المرض بأمك وكانت تحتضر وصار لزاما أن تُحمل إلى طبيب لإنقاذها؟ سيكون الأمر فظيعا، يرد المترجم، سأبكيها لكنني لا يمكن أن أحملها إلى طبيب رجل.» البحث عن زوجة بأي ثمن في بلد مثل أفغانستان، تظل فرصة العثور على رفيقة الحياة من الأمور الصعبة. بشكل عام، تفوق نسبة الرجال نظيرتها عند النساء ب3 % بسبب الخلل في تلقي العلاجات الطبية بين الذكور والإناث وبسبب انتشار عادة تعدد الزوجات التي تمكن الأغنياء من الزواج من امرأتين أو ثلاث على حساب الرجال الفقراء. عدم إمكانية وجود المكان الطبيعي داخل البيت يرفع من نسب انحراف الشباب نحو العنف. فشباب مثل هذه البلدان يكبرون في محيط ذكوري يفيض بالتستوستيرون (الهرمونات الذكورية). ختان البنات من أجل «تطهيرهن» عندما بلغت إدنا ثمان سنوات من عمرها، أخضعتها أمها للعادة الصومالية، المتمثلة في ختانها من أجل الحد من رغبتها الجنسية وتحضيرها للزواج. تقول إدنا: «لم يطلبوا رأيي. أحكموا قبضتهم علي، ومددوني على الأرض، وفعلوا بي ما فعلوا. كانت أمي تؤمن بضرورة هذه العادة. أبي لم يكن حاضرا في البيت، كان في المدينة. لم يعلم بالخبر إلا بعد عودته. كانت المرة الأولى التي رأيت فيها الدموع في عينيه». (...) في كل عشر ثوان، تقريبا، تكره فتاة على التمدد على الأرض في مكان ما وتخضع للختان على يد امرأة تعدم التكوين الطبي وقواعد النظافة. (...) في بعض البلدان، القابلات التقليديات هن اللواتي يمارسن الختان بينما في السينغال ومالي غالبا ما تتكلف بالعملية نساء ينتمين إلى طبقة الحدادين (...) بعض الفتيات يمتن جراء العملية أو يصبن بعاهات مستديمة، لكن لا يوجد أي رقم يؤكد العدد الحقيقي للوفيات خاصة أن السبب يعزى دائما إلى الملاريا. كل مساء، تغرق سايمة محمد في دموعها. كانت تعيش في فقر مدقع، زوجها الكسول لم يكن له أي عمل (...). كان ينتقم لنفسه من زوجته بضربها كل يوم بعد الزوال. بيت الأسرة، الذي يوجد في ضاحية لاهور بباكستان، تداعى للسقوط. زادت الأوضاع صعوبة بعد أن أنجبت الزوجة أنثى ثانية. حماتها زادت من توتير العلاقة بين ابنها وزوجته. كانت تقول له:«لن تلد مولودا ذكرا أبدا، ينبغي أن تتزوج ثانية». (...) اضطرت سايمة إلى الالتحاق بمجموعة للتضامن النسوي تابعة لمنظمة غير حكومية، «كشف»، تنشط في مجال القروض الصغرى. حصلت الزوجة الشابة على قرض قيمته 65 دولارا استثمرته في المجوهرات والأثواب التي تجعل منها منتجات مطرزة رائعة تبيعها في أسواق لاهور(...). بفضل هذا الاستثمار أصبحت سايمة أهم امرأة أعمال في حيها، كما أنها استطاعت أن ترد كل الديون العائلية التي كانت في ذمتها، وأن تسجل بنتيها في المدرسة وتصلح بيتها المتداعي...