أكد السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأممالمتحدة، محمد لوليشكي، مساء الجمعة المنصرم، بنيويورك، أن مبادرة الحكم الذاتي جعلت مسلسل البحث عن حل سياسي لقضية الصحراء يدخل منعطفا حاسما، وعبرت عن "الأمل القوي" للمغرب في تسوية هذا النزاع. وقال لوليشكي في كلمة أمام اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، إن "هذه المبادرة، التي وصفت بالجدية وذات المصداقية، سواء من قبل الأمين العام، أو مجلس الأمن، خلقت دينامية، وجعلت مسلسل البحث عن الحل السياسي المأمول يدخل منعطفا حاسما". وعبر عن أسفه لكون الأطراف الأخرى واجهت الدينامية التي خلقتها مبادرة الحكم الذاتي، والتقييم الإيجابي الذي حظيت به من طرف مجلس الأمن، بسياسة العرقلة ذاتها من خلال الحديث عن حقوق الإنسان في أقاليم جنوب المملكة. وذكر في هذا السياق بأن "المغرب انخرط منذ عشر سنوات، بدعم من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في ورش واسع من أجل تعزيز هويته المتعددة، واحترامه للكرامة الإنسانية، وأنجز إصلاحات طموحة تتعلق، على الخصوص، بحقوق المرأة، والتنمية البشرية، والعدالة الانتقالية، والممارسة الفعلية للحقوق السياسية، والاقتصادية الاجتماعية والثقافية، من طرف جميع المغاربة وعلى امتداد التراب الوطني". وأضاف لوليشكي أنه جرى التنويه بهذه الجهود من قبل المجتمع الدولي بكامله، وحصل المغرب بفضلها على أول وضع متقدم في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أنه خلال الدراسة الدورية العالمية التي جرى القيام بها سنة2007، نوه مجلس حقوق الإنسان بالإصلاحات المنجزة، وشجع المملكة على الاستمرار في نهج تعزيز دولة الحق والقانون. وأوضح أن المغرب حرص عند الإعداد لمبادرة الحكم الذاتي على أن يضمنها آليات تضمن حماية حقوق الإنسان، وهي الآليات التي ساهمت في تعزيز مصداقية المبادرة ونجاعتها. وقال إن "الذين يثيرون الحديث عن الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية، يؤكدون صواب المثل القائل إنه من السهل أن ينتزع المرء نبتة من مزهرية جاره على أن يقتلع شجرة من حديقته الخاصة. وسيكون من المفيد لهم أن يتأملوا مليا الحكمة التي تقول: من بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة ". وأضاف أن المغرب، وكما هو الشأن بالنسبة لكل دولة حق وقانون، يحترم التزاماته الدولية ويتوفرعلى آليات للإنذار والمتابعة في مجال حقوق الإنسان، وكذا على ترسانة قانونية ومؤسساتية، تضمن ممارسة حقوق الإنسان من طرف جميع المغاربة بغض النظرعن مكان وجودهم. وشدد السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأممالمتحدة على أن "القوانين نفسها والضمانات ذاتها تطبق في الدارالبيضاء، كما في السمارة، وفي وجدة كما في الداخلة "، موضحا أنه "لا يمكن استنادا إلى ذلك أن يكون هناك استثناء، أوحصانة لوضعية معينة تعرض الشخص مرتكب جريمة أو جنحة في شمال المغرب للعقوبة التي ينص عليها القانون، وتعفيه من الخضوع للقانون نفسه لمجرد أنه انتقل، لأي سبب كان، إلى جنوب المغرب، وأعلن نفسه مدافعا عن حقوق الإنسان ..فلا وجود لعدالة تتغير حسب الجغرافيا.فالعدالة تظل هي نفسها، وهي واحدة وغير مرتبطة بالأشخاص". وفي ما يتعلق بمسلسل المفاوضات جدد الدبلوماسي المغربي التعبير عن الأمل، في الوقت الذي يستعد فيه المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، كريستوفر روس، لاستئناف جهوده للتحضير للجولة الخامسة لمفاوضات منهاست، في أن " تقرر الأطراف الأخرى في النهاية، الانخراط، وفقا لروح التوافق والواقعية، التي دعت إليها قرارات مجلس الأمن، في مسلسل المفاوضات، وتعطي الدليل على إرادة حقيقية للبحث مع المغرب عن حل سياسي توافقي مقبول من طرف الجميع". وذكر بأن روس تمكن عقب جولتيه في المنطقة من أن يقف على إرادة المغرب، التي جرى التعبير عنها على أعلى مستوى، في دعم جهوده دون تحفظ ومؤازرته في تحركه"، مضيفا أن "الوفد المغربي برهن عن هذه الإرادة بشكل ملموس من خلال مشاركته بنشاط وإيجابية في الاجتماع الأول غير الرسمي في درنستاين (النمسا) ومن خلال ما تحلى به في هذا الاجتماع من روح الانفتاح والتصالح والانخراط البناء" وهو "للأسف ما لا ينطبق على الأطراف الأخرى التي ظلت مواقفها سلبية وجامدة". وأضاف لوليشكي "واليوم وأكثر من أي وقت مضى يتعين على كل الأطراف في هذا النزاع أن تبرهن عن حرصها على المضي قدما والانخراط بجدية ومسؤولية في مسلسل المفاوضات تحت رعاية الأممالمتحدة". وعبر لوليشكي عن "الأمل القوي"، للمغرب في "تسوية هذا النزاع والمساعدة على عودة سكان مخيمات تندوف إلى ذويهم لكي يتمكنوا، هم أيضا، من المساهمة، في بناء المغرب الجديد وفي ازدهار جهة الصحراء". وشدد على أن المغرب "يأمل وبالصدق نفسه، في تطبيع وتطويرعلاقات الصداقة والتعاون مع الجزائر، لما فيه مصلحة الشعبين ومجموع شعوب منطقة المغرب العربي". وأكد أن المغرب "سيستمر في عقد الأمل، وفي العمل من أجل أن تضع الحكومة الجزائرية حدا لوضعية عفا عنها الزمن في الحدود المغلقة من جانب واحد منذ 15 سنة، التي لا تصدم فقط الرغبة في التواصل والتبادل بين شعبين جارين يجمعهما كل شيء، بل تعيق أيضا التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجموعة المغاربية وتحد من قدرتها على رفع مختلف التحديات التي تواجهها". وقدم الديبلوماسي المغربي في كلمته أمام اللجنة الرابعة، من جهة أخرى، لمحة تاريخية أكد فيها أن "المغرب ناضل، حتى قبل أن يستعيد استقلاله، من أجل تطور كل الشعوب التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار وقدم دعمه الدبلوماسي والمادي لحركات التحرير الأصيلة خصوصا في قارتنا الإفريقية". وأضاف أن "التزام المملكة هذا، استمر وتزايد بعد الاستقلال بشكل جعل المغرب أرضا لتظافر الجهود الإفريقية من أجل تحرير ووحدة القارة"، مشيرا إلى أنه "كان للشعب المغربي اهتمام خاص بالشعب الشقيق في الجزائر، الذي تقاسم معه معاناة الاحتلال الاستعماري، بما فيها الاستشهاد، وتبنى طموحاته في التحرير والاستقلال. وكان الشعب المغربي يعتبر أن استقلاله ناقص مالم تستعد الجزائر استقلالها ". وبالالتزام نفسه، يضيف الدبلوماسي المغربي، "عمل المغرب داخل الأممالمتحدة على وضع الإعلان حول منح الاستقلال للشعوب والبلدان المستعمرة من أجل أن يكون رافعة قانونية وسياسية في خدمة الشعوب المقموعة"، مؤكدا أن هذا الإعلان حدد بدقة حدود ومبادئ تقرير المصير، ونص "وبشكل واضح لا لبس فيه على أن لكل الشعوب حقا غير قابل للتصرف في ممارسة سيادتها وفي وحدة ترابها الوطني"، وعلى أن كل "محاولة تهدف إلى المس جزئيا أو كليا بالوحدة الوطنية أو الوحدة الترابية لبلد ما لا تنسجم مع أهداف ومبادئ ميثاق الأممالمتحدة". وأضاف أن اشتراط "احترام الوحدة الترابية عند تطبيق مبدأ تقرير المصير تكرس في القرار رقم 1541، الذي جرت المصادقة عليه في اليوم الموالي للمصادقة على القرار1514، والذي كان الهدف منه هو الاحتراز من أي شطط في تطبيق هذا المبدأ وضمان استقرار الدول المستقلة حديثا". وذكر لوليشكي أنه "بالنظر إلى التقسيم الذي خضع له التراب المغربي في ظل الاحتلال الاستعماري المتعدد، استرجع المغرب أجزاء من ترابه الوطني على مراحل من 1956 وإلى غاية 1976". وأضاف أنه "قبل 34 سنة وفي مواجهة محاولة استعمارية لبتر الجزء الصحراوي من ترابه الوطني عبر المغرب عن موقف رافض هو الموقف نفسه الذي تبنته الجزائر، وعن حق، في سنة 1957، من خلال رفضها لمشروع فصل مناطقها الصحراوية لفائدة التنظيم الجماعي للمناطق الصحراوية". وتابع أن المغرب استرجع سنة 1976، سلميا صحراءه، وحقق تقدما على درب استكمال وحدته الترابية. وجرى التنصيص على استرجاع المغرب للصحراء في اتفاق متفاوض بشأنه أعادت بموجبه إسبانيا للمغرب أقاليمه الجنوبية، كما قامت بذلك سنة 1958 بالنسبة لطرفاية، وسنة 1969 بالنسبة لسيدي إفني". وخلص لوليشكي إلى أنه في سياق هذا الاسترجاع "جرى ترحيل جزء من سكان الصحراء المغربية، ووضعهم في مخيمات حيث لا تتوفر شروط الحياة على التراب الجزائري دون حق في التنقل أو في السفر أو في مغادرة مكان الاحتجاز. ومنذ ذلك الحين يعيش هؤلاء السكان في ظروف قاسية وغير إنسانية، حيث يحرمون من أبسط حقوقهم، خصوصا، حقهم في أن يكونوا موضوع إحصاء من طرف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وإعادتهم إلى وطنهم ولم شملهم.