في محاولة لاستجداء عطف المارة بشارع الجيش الملكي في الدارالبيضاء، لم تكن الطفلة، البالغة من العمر حوالي ست سنوات، غير اعتراض سبيلهم وشد تلابيب ملابسهم وهي ترفع رأسها الصغير وبين شفتيها ابتسامة خفيفة قصد إثارة الانتباه والإذعان لطلبها. وما إن يبدي أحد المارة اهتماما لهمهماتها، حتى تحيط به طفلتان أخريان، سعيا منهما إلى بيع مناديل ورقية، تستعينان بها لكسب دراهم، ربما تجدان في الحصول عليها متعة أكثر من سد الحاجة. سيارات وحافلات يعج بها شارع الجيش الملكي، المارة يسيرون على امتداد الشارع والأزقة المجاورة له باتجاهات مختلفو، بعض المتسولين جالسون يترقبون من يلقي بالنقود في أياديهم الممتدة، يهمسون طالبين صدقات بعبارات استجداء تتوافق وفترة رمضان، وإن لم يعرهم أحد اهتماما، يتسمرون ويلحون، وآخرون يترنحون، وهم يرمقون بنظرات يقظة، العدد الكبير للمارة، ليسرعوا الخطى نحو كل من رأوا فيه زائرا أجنبيا، ويساعدهم على ذلك وجود فنادق ومقاه بالشارع، يوقنون أنها وجهة السياح. حركة دؤوبة للمواصلات، وحشود الناس تتدفق من كل الأزقة والشوارع، التي تتقاطع مع شارع الجيش الملكي، صخب وضجيج يكتسح المكان، والمضي باتجاه الشارع ينبه إلى وجود أعداد غفيرة من الناس، امتلأت بهام كراسي المقاهي، وكأنها الملاذ الوحيد للسكان البيضاويين وزوار الدارالبيضاء. لم تكن أفواه بعض زبناء المقهى فاغرة لتعبر عن اندهاشهم مما يتراءى أمامهم من رواج وحركية وهم يحتسون مشروبهم، بل كانت أنظارهم مركزة على إصرار المتسولين، الذين ما فتئوا يتربصون بالمارة، ويكفي أن يكون هندام أحدهم أنيقا ومرتبا ليستأثر باهتمام المتسولين، أما إن كانت لهجته غير اللهجة المغربية فلا فكاك له من المتسول، إلا بعد التصدق عليه ببعض الدراهم، تفاديا للإحراج. يمر أمام المتسولين المتربصين أناس منزعجون، متعبون، وآخرون مبتسمون ويتكلمون، والمتسولون بكل هذا لا يعبأون، خاصة وأن الفترة هي رمضان، "شهر المغفرة والتوبة"، لازمة يرددها المتسولون على مسامع المارة، حتى على الأجانب الذين لا يفقهون اللغة العربية، والمتسولون يعون، ذلك، ما يدفعهم إلى اعتماد إيماءات جسدية، وإشارات يتوخون منها الإيحاء للناظر بأن ضعف حيلتهم وحاجتهم إلى المال باد من مظهرهم.