حظي مشروع قانون المالية 2022، أمس الجمعة، بموافقة أغلبية مجلس المستشارين، حيث صوت لصالحه 53 مستشارا مقابل معارضة 14 مستشارا وامتناع 6 مستشارين. وقالت نادية فتاح العلوي، وزيرة الاقتصاد والمالية، أول أمس الخميس، إن أول مشروع قانون للمالية للحكومة الحالية، يعد مشروعا لاستعادة ثقة المواطن في قدرة مؤسسات بلاده على مواجهة التحديات الراهنة والاستجابة للحاجيات والانتظارات الاجتماعية للمستثمرين، ثم لاستعادة ثقة المستثمرين في الآفاق الواعدة التي يتيحها استقرار المغرب وانخراطه في الأوراش الإصلاحية المهيكلة والتي يأتي على رأسها تنزيل النموذج التنموي الجديد، وكذا ثقة المؤسسات المالية الدولية في استدامة النموذج الاقتصادي والمالية العمومية المغربية.
وأكدت فتاح العلوي في ردها على تدخلات الفرق الأغلبية والمعارضة في الجلسة الأولى من الجلسات العمومية، التي برمجها مجلس المستشارين للتصويت على مشروع قانون المالية 2022، أن ما حرصت الحكومة على تكريسه من خلال الشروع في تنزيل التزامات برنامجها الحكومي عبر أول مشروع قانون مالي يلتزم بالقدرات الموضوعية للمالية العمومية المغربية ويسعى للإبداع في إطارها، معلنة أن مشروع قانون المالية 2022 يسعى لتعبيد الطريق أمام مغرب الغد، مغرب الحماية الاجتماعية لكل المغاربة، ومغرب الفرص للجميع في إطار ربط الحق بالقانون والمسؤولية بالمحاسبة. وكشفت الوزيرة أن الحكومة ستقوم عبر مأسسة الحوار الاجتماعي بتغيير المقاربة المعتمدة في هذا الحوار، مشددة على أن" الحكومة تسعى لتجاوز المقاربة التي تحصر الحوار الاجتماعي في رفع الأجور إلى مقاربة أوسع، تجعل من الحوار الاجتماعي إطارا للتشاور الدائم حول القضايا الاقتصادية والاجتماعية الكبرى للبلاد". وأضافت أن الحوار الاجتماعي سيشمل وفق هذه المقاربة مناقشة التوجهات المؤطرة لقانون المالية قبل عرضه على البرلمان. وبخصوص مناقشة الجزء الأول من مشروع قانون المالية داخل لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين، أعلنت الوزيرة أن الحكومة وافقت على 39 تعديلا من التعديلات المقترحة على مشروع قانون المالية، مفيدة أنه من بين 250 تعديلا تم تقديمه على هذا المشروع، تم سحب 150 تعديلا، والموافقة على 39 تعديلا أي ما يناهز 40 في المائة من التعديلات المقترحة. وسجلت فتاح العلوي أن أكثر من ثلث التعديلات المقبولة كانت لفرق المعارضة، وهو ما يعادل نسبة 36 في المائة، من مجموع التعديلات، كاشفة أنه سيتم في يناير المقبل فتح قنوات للحوار، لتفعيل عدد من التعديلات. وهمت التعديلات، المقترحة على الجزء الأول من مشروع قانون المالية برسم السنة المالية 2022، والتي وافق عليها مجلس المستشارين، تطبيق رسم الاستيراد بنسبة موحدة في 2.5 في المائة على جميع المواد الأولية المستعملة لعلاج داء السكري، وكذا إعفاء الهواتف العادية وأجهزة التلفاز التي لها شاشة تساوي أو تقل عن 32 بوصة من الضريبة الداخلية على الاستهلاك للمحافظة على القدرة الشرائية للمواطنين؛ ثم إعفاء المعادن المستعملة من الضريبة على القيمة المضافة دون الحق في الخصم؛ فضلا عن تخفيض العتبة المحددة لإبرام اتفاقية استثمارية مع الدولة من 100 مليون إلى 50 مليون درهم؛ وخفض رسم الاستيراد إلى 2.5 في المائة على كافة المواد البلاستيكية من "بولي" (إيثيلين تيرفثالات). كما شملت التعديلات التي حظيت بموافقة المستشارين، إخضاع الشركات التي تزاول أنشطتها داخل مناطق التسريع الصناعي وشركات الخدمات التي تستفيد من النظام الجبائي الخاص بالقطب المالي للدارالبيضاء لأداء المساهمة الاجتماعية للتضامن على الأرباح والدخول؛ علاوة على تمديد مدة استفادة القطاع غير المهيكل من التسجيل في جدول الرسم المهني على أساس الدخول المكتسبة والعمليات المنجزة إلى غاية متم سنة 2022؛ ثم إلغاء الغرامات والزيادات وصوائر التحصيل المترتبة عن عمليات النقل السياحي؛ وكذا إحداث نظام تحفيزي لتشجيع عمليات مساهمة جمعيات التمويلات الصغيرة بعناصر أصولها وخصومها في شركة مساهمة طبقا لأحكام القانون رقم 20-50 المتعلق بالتمويلات الصغيرة. وخلصت الوزيرة أن "الحكومة لم تصل بعد إلى مرحلة التوظيف المالي لتنزيل التزاماتها، إلى حين المصادقة النهائية على مشروع قانون المالية، واستكمال مساطر نشره، إلا أنها وضعت حزمة من الإجراءات لتسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي ينتظرها المغاربة، على رأسها ورش تعميم الحماية الاجتماعية، الذي يحظى بمتابعة وإشراف من جلالة الملك محمد السادس". واختلفت المواقف بين مختلف المكونات السياسة والنقابية حول فرضيات المشروع، بين اتجاه يعتبرها فرضيات واقعية وتراعي الظرفية الوطنية والدولية، ومن يعتبرها فرضيات هشة وغير قابلة للتحقق بالنظر للسياق الدولي، في حين يعتبرها جانب آخر فرضيات كلاسيكية غير متحكم فيها تراعي فقط التوازنات الماكرو- اقتصادية. كما تباينت مواقف الفرق والمجموعات النيابية بين الأغلبية التي اعتبرته مشروعا طموحا واستثنائيا تحضر فيه المسألة الاجتماعية بقوة، والمعارضة التي رأته محكوما بالهاجس التقني المتمثل في الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية.
تدخلات المكونات السياسية والنقابية بالغرفة الثانية أكد فريق التجمع الوطني للأحرار أن المسألة الاجتماعية تعد أولوية وطنية ثابتة في البرنامج الحكومي وحاضرة بقوة في مشروع قانون المالية لسنة 2022، معتبرا أن الاهتمام بالقطاعات الاجتماعية وإعطائها الأولوية، خصوصا بالنسبة للفئات التي تعاني الفقر والهشاشة، يعد حجر الزاوية للتماسك الاجتماعي. من جانبه، ثمن فريق الأصالة والمعاصرة اعتماد الحكومة لتوجهات عملية ترتكز بالأساس على تعزيز آليات الإدماج ومواصلة تعميم الحماية الاجتماعية باعتباره ورشا ذا أولوية، إلى جانب تعميم التغطية الصحية الإجبارية لفائدة العاملين غير الأجراء. وأكد الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، بدوره أن التدابير المقترحة في مشروع قانون المالية تعكس بحق إرادة الحكومة لاستكمال الأوراش الاستراتيجية الهيكلية، مضيفا أن المشروع ركز على تقوية المضمون الاجتماعي للسياسة المالية من خلال تخصيص 40 في المائة من مجموع النفقات المبرمجة إلى قطاعي التعليم والصحة، بغلاف مالي يزيد عن 100 مليار درهم. من جهته، ثمن الاتحاد العام للشغالين بالمغرب الإجراءات والتدابير التي جاءت بها الحكومة لمواصلة تنزيل مشروع تعميم الحماية الاجتماعية باعتباره إحدى ركائز الدولة الاجتماعية والذي يشكل ثورة اجتماعية حقيقية ونقطة تحول حاسمة في عملية إصلاح الحماية الاجتماعية. أما مجموعة الدستوري الديمقراطي الاجتماعي فأكدت أن زيادة الطلب على التمويل العمومي يحتاج إلى وضع سياسة ميزانياتية، ولاسيما مع إضافة تكاليف مشروع انطلاق تعميم الحماية الاجتماعية والوفاء بالالتزامات الحكومية، ومواجهة المشاكل الاجتماعية خصوصا في قطاعات الصحة والتعليم والتشغيل. ونوه الاتحاد العام لمقاولات المغرب بالتفاعل الإيجابي للحكومة بخصوص التعديلات المقدمة والمقبولة والهادفة إلى تقوية أسس الاستثمار وتعزيز تنافسية النسيج المقاولاتي الوطني مما سيمكن من خلق فرص الشغل والقيمة المضافة من خلال الدفع بالمزيد من الإجراءات المهمة وعلى رأسها تخفيض العتبة المحددة لإبرام اتفاقية استثمار مع الدولة من 100 مليون درهم إلى 50 مليون درهم، وهو ما من شأنه تشجيع الاستثمار المنتج للقيمة المضافة والمحدث لفرص الشغل. وبالنسبة للفريق الاشتراكي فمشروع المالية، لا يفي بتطلعات المواطن المغربي والحكومة تنقصها روح المبادرة الخلاقة وتعوزها الجرأة لتقديم أجوبة سياسية واقتصادية قوية للمشاكل المتراكمة. كما اعتبر الفريق الحركي أن المشروع يظل رهين كرم السماء، ولطف الأسعار في السوق الدولية، وحجم العملة الصعبة التي يوفرها مغاربة العالم في سياق صعب، وينتظر تدفق السياحة في زمن الجائحة. من جانبه سجل فريق الاتحاد المغربي للشغل أن المشروع ظل محكوما بالهاجس التقني المتمثل في الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية، رغم تبني الحكومة لخطاب ذي حمولة اجتماعية. من جهتها، أكدت مجموعة العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة غياب أرقام ومؤشرات في المشروع، وبشكل خاص في الفقرة المتعلقة بقطاع الصحة، والذي لا يتلاءم مع توصيات المنظمة العالمية للصحة؛ التي حددت نسبته في 12 في المائة من الميزانية العامة. بدورها، اعتبرت مجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل مشروع قانون المالية 2022 خجولا ولا يوازي الطموح التنموي الضروري للمملكة، لأنه أخطأ ترتيب الأولويات والمداخل الأساسية الكفيلة بتحقيق الانتعاش الاقتصادي وتنزيل مفهوم الدولة الاجتماعية.