يغزو الذباب والبعوض أحياء صفيحية ودواوير بضواحي مدينة المحمدية، التي تبعد 30 كلم عن مدينة الدارالبيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب، ويعاني سكان هذه الأحياء والدواوير روائح نتنة بسبب تدفق المياه الآسنة للوادي الحار من المنازل الصفيحية، في غياب محطة لاستقباله أو معالجته. المياه العادمة التي تجري على طول الحي لتصل إلى الشارع الرئيسي، تتخللها حفر بالقرب من الدور السكنية، مكونة بركا مائية راكدة تفوح منها روائح كريهة، وحاضنة لأنواع عدة من الحشرات. وباتت المياه الآسنة المتدفقة من المنازل والمراحيض مشهدا عاديا ألفه سكان حي الدوار، الذين أكدوا ل "الصحراء المغربية"، أنهم ضاقوا ذرعا من توالي انتشار تلك الروائح، ما جعلهم يتعايشون معها، رغم إصابة أطفالهم بأمراض الحساسية والربو. تقول فاطنة من سكان دوار حربيلي، إنها سئمت من اصطحاب طفلها إلى طبيب الأطفال لتعرضه بشكل يومي للسعات البعوض والناموس والذباب، مضيفة أن انبعاث الروائح الكريهة تسبب في احمرار عيون طفلها، وبات يعاني مرض الحساسية جراء الروائح النتنة. وبحسب فاطنة، لم يعد السكان يقدرون على فتح نوافذ المنازل بسبب الروائح الكريهة، ودخول الحشرات المضرة. وأردفت قائلة "لم يسمع أحد أصواتنا ولا أحد ينتشلنا من براثن المستنقعات النتنة، وينقذ أطفالنا من أمراض باتت مزمنة، انظروا إلى طفلي.. انظروا إلى عينيه اللتين أصبحتا من فرط الاحمرار كجمرتين، نتيجة انبعاث الروائح الكريهة الناجمة عن تسرب المياه العادمة". معاناة السكان مع المياه الآسنة كانت شهادات السكان المستجوبين كلها تجمع على مدى حجم معاناتهم مشكل المياه العادمة بالدوار، الذي يقطنوه، مؤكدين أنهم طالبوا مرات عديدة الجهات المسؤولة بإيجاد حلول عاجلة من قبيل إما تسريع الربط بالماء أو ترحيلهم. بعد زيارتنا ل "دوار حربيلي"، كانت الوجهة إلى "دوار الجديد" بمنطقة اللويزية بالمحمدية، الذي يبعد عن الأول بحوالي 6 كلم، لكن لم يكن يتميز عنه في شيء، الكل يتشابه من حيث تسرب المياه العادمة وسط الأزقة، وانبعاث الروائح الكريهة. أطفال يلعبون في الوحل، وآخرون يمرحون وهم يتراشقون بمياه راكدة، غير آبهين بخطورتها. أطفال في سن الزهور، تعلو الابتسامة شفاههم، رغم قذارة المكان، منهم من كسا الدمل جسمهم كاملا، وآخرون يرشون ويصبون الماء المتسخ على أقدامهم علها تخفف عنهم آلام لسعات الحشرات. يطالب سكان الحي الصفيحي المعنيين بالتدخل لحمايتهم من التلوث والحفاظ على صحتهم وصحة أطفالهم الذين يئنون من مختلف الأمراض المزمنة الناجمة عن تسرب وتدفق المياه الآسنة. وتشير المعلومات العلمية إلى أن المياه العادمة تحتوي على مواد ملوثة مختلفة مثل بقايا المنتجات المنزلية والأدوية ومستحضرات التجميل، كما أنها تحتوي على البراز والكثير من المواد العضوية. وفي المناطق الحضرية، تكون مياه الأمطار التي تتدفق على الطرق العامة أثناء هطول الأمطار ملوثة أيضا (الهيدروكربونات، بقايا الإطارات، المواد العضوية والبراز)، حيث يجب معالجتها قبل تصريفها في البيئة الطبيعية، لأن أنظمة الصرف الصحي غير كافية ولا تستوعب مياه الصرف والأمطار. كما يتسبب تصريف المياه العادمة في الأنهار أو البحيرة في تدهور جودة مياهها، ولها عواقب وخيمة على البيئات المائية، ويمكن أن تسبب المواد الكيميائية اضطرابات بيولوجية تؤدي إلى اضطرابات في التكاثر أو النمو أو الجهاز المناعي للكائنات المائية. معالجة مياه الصرف الصحي وفي هذا الصدد تقول الدكتورة أميمة الخليل الفن، باحثة في مجال الماء والبيئة والتنمية المستدامة، ل "الصحراء المغربية"، إن المدن المغربية تعمل على تصريف ما يقرب من 550 مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي، ويتم معالجة 45 في المائة منها من خلال 153 محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي، ويتم إعادة استخدام 20 في المائة فقط، من حجم هذه المياه من خلال 24 مشروعا. وأكدت الخليل الفن، أن مدينة الدار البيضاء (العاصمة الاقتصادية) تستقبل 200 مليون متر مكعب من المياه العادمة سنويا. وفي سجل إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، تضيف الخليل أنه تم تعبئة حوالي 45 مليون متر مكعب من المياه، منها 23 مليون متر مكعب يتم إعادة استخدامها في ري ملاعب الجولف والمساحات الخضراء وكذلك للأغراض الصناعية، ولمواجهة الإجهاد المائي، يتم التركيز على إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في البرنامج الوطني لإمداد مياه الشرب والري 2020-2027، من أجل تنفيذ 89 مشروعا لإعادة استخدام حوالي 100 مليون متر مكعب سنويا. وذكرت الباحثة في مجال البيئة والتنمية المستدامة، أن الاستثمارات، التي تمت في إطار البرنامج الوطني من تحسين المؤشرات في هذا المجال في المناطق الحضرية بمعدل ربط 76 في المائة سنة 2018، و82 في المائة من العام الماضي، مقابل 70 في المائة عام 2006، أي بمعدل إنجاز 102في المائة من الأهداف المبرمجة، وأما نسبة معالجة مياه الصرف الصحي، فقد بلغت 56 في المائة عام 2020 مقابل 7 في المائة عام 2006 أي ما يعادل 94 في المائة من الأهداف المبرمجة. محدودية الموارد المائية ومن جانب آخر، أكدت الفن أن المشكلة الأولى، التي تواجه بلدنا هي محدودية الموارد المائية وعدم انتظامها الشديد في المكان والزمان، يتميز النظام الهيدرولوجي أيضًا، بالتناوب في تسلسل سنوات من ارتفاع الهيدروليكي وتسلسل الجفاف الشديد، الذي قد يستمر لعدة سنوات، كما كان الحال بين عامي 2015 و2020. وتضيف أميمة الخليل، في الواقع، لوحظت سلسلة من السنوات من انخفاض الهيدروليكي منذ عام 2015، مما أدى إلى انخفاض قياسي في مخزون المياه في خزانات السدود، مع نهاية شهر نوفمبر 2017، بلغ معدل ملء خزانات السدود أدنى مستوى تم تسجيله على الإطلاق، أي 34.4٪ إذ من المحتمل أن تتفاقم هذه المشكلة في المستقبل تحت تأثير تغير المناخ. المسألة الثانية تتعلق بالضغط الشديد، الذي تمارسه التنمية الاجتماعية والاقتصادية على الموارد المائية، ولا سيما الري الزراعي، الذي يؤدي في بعض الأحيان، في مناطق معينة، إلى الإفراط في استغلال المياه الجوفية. والمشكلة الأخرى تقول، تتعلق بالتلوث، وأنه على الرغم من الجهود المبذولة منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لا سيما في ما يتعلق بالصرف الصحي السائل في المناطق الحضرية، فإن هذا يمثل أيضا، أحد القيود الرئيسية في إدارة الموارد المائية للسنوات المقبلة. ولمواجهة هذه المشاكل والاستفادة من الأصول المتاحة، اختارت بلادنا التخطيط الاستباقي والطويل الأجل، كما حدد في القانون 36-15 فترة لا تقل عن 30 عاما لهذا التخطيط، وبالتالي، تم إعداد مسودة الخطة الوطنية للمياه 20-50 (PNE)، التي تشكل الإطار المرجعي لسياسة المياه الوطنية للسنوات الثلاثين المقبلة، لهذا الغرض، بالتشاور مع جميع أصحاب المصلحة في قطاع المياه وعرضها على لجنة المياه المشتركة بين الوزارات في 25 ديسمبر 2019، وأخذ المشروع المذكور في الاعتبار جميع المشاكل التي تمت مواجهتها. حلول واقتراحات تحدثت الباحثة في البيئة عن الاقتراحات والحلول لضمان استدامة إمدادات المياه في البلاد، والتي تتعلق ب: استمرار وتعزيز تطوير العرض من خلال بناء السدود والربط البيني بين الأنظمة الهيدروليكية المختلفة، وتعزيز المياه غير التقليدية، لا سيما تحلية مياه البحر وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي النقية. إدارة الطلب على المياه التي يجب أن تسمح بتوفير المياه، وقبل كل شيء، التقييم اللاحق للموارد المائية التي تم حشدها. الحفاظ على الموارد المائية والنظم البيئية وتحسين إدارة الظواهر الجوية المتطرف، ولا سيما حماية السكان والممتلكات من الفيضانات. ومن جهته أكد الخبير محمد بنعبو، مهندس وباحث في التنمية المستدامة، أن الإمكانات في الموارد المائية بالمغرب مقارنة بالسكان قدرت عام 2020 بحوالي 620 م 3 / ساكن / سنة، هذه النسبة المقبولة عموما لمقارنة البلدان مع بعضها البعض تصنف المغرب فعليا بين البلدان التي تعاني الإجهاد المائي، إذ تقل عن 1000 متر مكعب / نسمة / سنة، وهي مؤشر على ندرة المياه والتنافس بين الاستخدامات المختلفة للمياه، وتختلف من حوض إلى آخر، وستنخفض بمرور الوقت بما يتناسب مع النمو السكاني وأقل تأثير تغير المناخ هذه الندرة مصحوبة بزيادة الطلب على المياه، يولد عجزا في المياه التقليدية في أحواض معينة، ويمتد تدريجيا إلى معظم أحواض البلاد، باستثناء الأحواض الشمالية الغربية. يشار إلى أن المغرب قام بجهود كبيرة لتعويض ما تراكم في الماضي في قطاع الصرف الصحي، من خلال إطلاق الخطة الوطنية للصرف الصحي في عام 2006 (PNA)، بفضل هذه الخطة، يمتلك المغرب الآن، بنية تحتية مهمة لمعالجة مياه الصرف الصحي تتكون من 153 محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي في المناطق الحضرية. وتم الانتهاء من 46 مشروعا لإعادة استخدام مياه الصرف الصحي أو أنها قيد التنفيذ في جميع أنحاء البلاد لاستخدامات مختلفة (المساحات الخضراء وملاعب الجولف) ويبلغ حجم المياه العادمة النقية المعبأة لإعادة استخدامها في نهاية عام 2020 حوالي 71 مليون متر مكعب، منها ما يقرب من 51٪ لسقي ملاعب الجولف والمساحات الخضراء و17٪ في الصناعة، في نهاية تنفيذ المشاريع قيد التنفيذ، وسيصل حجم المياه العادمة المنتقاة المعبأة إلى 100 مليون متر مكعب / سنة في عام 2021. وفي هذا المنظور نفسه وعلى المدى الأقصر، حددت الخطة الوطنية لتنمية المشاريع الصناعية 20-27 هدفًا لري مياه الصرف الصحي، 22 ملعبا حاليا للجولف باستخدام مياه الصرف الصحي النقية بحلول عام 2027. ورغم كل الجهود التي يبذلها المغرب من أجل معالجة المياه العادمة، إلا أن العديد من المناطق سواء النائية أو البعيدة، مازالت تعاني مشكل المياه الآسنة، التي تتسبب في العديد من المشاكل الصحية الخطيرة، التي تترتب عنها أمراض مزمنة خاصة في صفوف الأطفال. يشار إلى أن هذا الربورتاج أنجز بدعم من الوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام