ورغم عدم إمكانية معرفة حجم الرشوة لغياب بيانات موثوقة، إلا أن الكل يعي أنها ظاهرة مقلقة تؤثر على أنشطة بعض المؤسسات العمومية، ما يشكل تهديدا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وللحد من استفحال هذه الظاهرة والقضاء عليها سن المغرب قوانين وأحدث مؤسسات أسندت إليها محاربة الرشوة والفساد بكل أنواعه، وجعلت يوم 6 يناير من كل سنة يوما وطنيا للتحسيس بمحاربة الرشوة. ووعيا بخطورة هذه الظاهرة، وانعكاساتها السلبية على النسيج الاجتماعي والثقافي، ومنظومة القيم الأخلاقية، ومساسها بصورة المغرب في الخارج، اعتمدت إجراءات وتدابير، بهدف القضاء على الرشوة، وفق مقاربة تشاركية تندرج في إطار السياسة الشمولية لمكافحة الفساد وتخليق الحياة العام. ويستمر انخراط المغرب في مسلسل الإصلاحات، الذي انطلق منذ سنوات، من خلال إيلاء الدستور أهمية بالغة للنزاهة والحكامة الجيدة، ونصه على سمو الاتفاقيات الدولية على القوانين الوطنية الجاري بها العمل، وارتقائه بالهيئة المركزية للوقاية من الرشوة إلى مؤسسة وطنية للنهوض بالنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها. وشملت جهود السلطات الرامية إلى تسريع وتيرة محاربة الرشوة إطلاق الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة بوابة إلكترونية للتبليغ باسم "أوقفوا الرشوة" مستفيدة في ذلك من الاستعمال واسع النطاق لشبكة الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي. وترتكز هذه البوابة، التي تتوخى النهوض بقواعد الحكامة الجيدة والمنافسة الشريفة في مجال الأعمال، على تبادل المعلومات الخاصة بالمقاولات الصغرى والمتوسطة، وتشكل نقطة اتصال من أجل جمع المعلومات المتعلقة بأفعال وممارسات ومحاولات الرشوة ، أو التحريض عليها في مجال الصفقات العمومية أو الاستثمار. وتتيح البوابة الإلكترونية "أوقفوا الرشوة" إمكانية استخدامها الآمن بما يسمح بالتبليغ الإلكتروني، مع إمكانية عدم الإفصاح عن هوية المبلغ عن كل فعل أو ممارسة أو محاولة للرشوة يمكن أن تكون المقاولات الصغرى والمتوسطة ضحية لها. وتندرج هذه المبادرة في إطار الدينامية التي يشهدها المغرب من أجل تعزيز منظومته الوطنية للنزاهة. وتواصل مسلسل تعزيز وتخليق الحياة العامة وتوطيد الحكامة الجيدة بإقرار قانون يتعلق بحماية الضحايا والشهود والخبراء والمبلغين، في جرائم الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ وتبذير المال العام وغيرها، وذلك من أجل التضييق على هذه الآفة وحشرها في الزاوية في أفق القضاء عليها نهائيا. ويضمن هذا القانون حماية المبلغين عن الرشوة، بتحويل مكالمات المتصلين بالرقم الأخضر لثلاثة قضاة مكلفين بتلقي المكالمات الخاصة بالتبليغ عن حالات الرشوة، قبل القيام بالإجراءات اللازمة بتنسيق مع النيابة العامة. كما يرمي هذا الإجراء التفاعلي والسريع إلى التخفيف من المساطر الإدارية والقضائية المعقدة في عملية التبليغ عن الرشوة باعتبارها جناية تتم في الخفاء، وبالتالي لا بد من كشفها لوضع حد للإفلات من العقاب. كما أرست السلطات إجراءات أخرى ذات طابع عملي لمكافحة الرشوة، في مقدمتها إحالة ملفات الفساد المتضمنة في تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للمالية على القضاء للبت فيها، ووضع الاستراتيجية الوطنية للوقاية من هذه الآفة، وتبسيط المساطر الإدارية على الخصوص المتعلقة بالاستثمار والمقاولة (كالأداء الضريبي وخلق المقاولات ونقل الملكية والربط بشبكة الماء والكهرباء، والبناء والعقار). ويصب قرار فتح المباريات أمام كل المواطنين وإطلاق الموقع الإلكتروني للتواصل حول التوظيف العمومي، في اتجاه إعمال مبدأ الشفافية وتكافؤ الفرص والاستحقاق، وسد الباب بالتالي أمام محاولات تقديم أو تلقي الرشوة. كما ينخرط المجتمع المدني، الذي يرى أن الرشوة ظاهرة عالمية ومعقدة تصيب المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في محاربة هذه الآفة، وعبر تقديم مقترحات لمحاربتها والقيام بمساهمات وحملات تبرز خطورة هذه الظاهرة وتشدد على ضرورة اعتماد حكامة شفافة.