تشكل ظاهرة الرشوة أحد الانشغالات الأساسية سواء للسلطات العمومية أو للنسيج الجمعوي، على اعتبار أنها تفوت على المملكة جزءا هاما من مواردها المالية، كما تؤدي إلى عرقلة الاستثمار، والتقليص من القدرة التنافسية للمقاولات وانتشار ظواهر تؤثر سلبا على كل مناحي الحياة العامة. ووعيا من المغرب ، الذي يحتفل في السادس من يناير من كل سنة باليوم الوطني لمحاربة الرشوة، بخطورة هذه الظاهرة وانعكاساتها السلبية على النسيج الاجتماعي والثقافي ومنظومة القيم الأخلاقية، ومساسها بصورة المغرب في الخارج ، تم اعتماد مجموعة من الاجراءات والتدابير بهدف القضاء على الرشوة ، وذلك وفق مقاربة تشاركية تندرج في إطار السياسة الشمولية التي تنهجها الحكومة لمكافحة الفساد وتخليق الحياة العامة. ولتسريع وتيرة محاربة الرشوة سنت الحكومة برنامج عمل للفترة 2010 - 2012 يتضمن مجموعة من الإجراءات الهادفة الى تهييء شروط إنجاح البرنامج وانخراط كافة الفاعلين في إنجازه من خلال إعداد مشروع ميثاق وطني للوقاية من الرشوة ومحاربتها. ويرتكز هذا البرنامج، الذي يندرج في إطار الاستراتيجية العامة للحكومة، الهادفة إلى تخليق الحياة العامة وترسيخ مبادئ الشفافية والنزاهة في تدبير الشأن العام، على ستة محاور كبرى، تتمثل في إرساء علاقات شفافة للإدارة بالمرتفقين، وتدعيم قيم النزاهة والاستحقاق بالإدارة، وتقوية آليات الرقابة الداخلية بالإدارات العمومية، وتعزيز الشفافية في مجال التدبير المالي والصفقات العمومية، ومواصلة إصلاح المنظومة القانونية المتعلقة بالوقاية من الرشوة ومحاربة الفساد، وتشجيع الشراكة والتعاون على المستوى الوطني والدولي. كما يتضمن عددا من الإجراءات المواكبة، تهدف إلى تنظيم التعاون وإحكام التنسيق بين المرافق العمومية والهيئات المتدخلة في هذا المجال، بالإضافة إلى تدعيم الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، كهيئة مختصة، عبر مدها بكل الوسائل الكفيلة بتمكينها من أداء مهامها كاملة. ويؤكد البرنامج الذي صادق عليه مجلس الحكومة في 21 أكتوبر الماضي، على مواصلة إصلاح المنظومة القانونية المتعلقة بالوقاية من الرشوة ومحاربة الفساد، عبر التشجيع على التبليغ عن أفعال الارتشاء، وضمان الحماية القانونية للضحايا والشهود والخبراء والمبلغين، وتوسيع دائرة التجريم وأطراف الرشوة، ومراجعة نظام العقوبات المطبقة على أفعال الفساد، وتدعيم دور وحدة معالجة المعلومات المالية في الوقاية من غسل الأموال. وفي إطار الدينامية التي يشهدها المغرب من أجل تعزيز منظومته الوطنية للنزاهة ، تم مؤخرا اطلاق موقع لمحاربة الرشوة بشراكة مع وزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة من خلال الوكالة الوطنية للنهوض بالمقاولات الصغرى والمتوسطة، والكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب ووزارة العدل ووزارة الشؤون الاقتصادية والعامة وبدعم من وكالة التعاون التقني الألماني،يتوخى أن يكون أداة للنهوض بقواعد الحكامة الجيدة والمنافسة الشريفة في مجال الأعمال. وتتيح البوابة الإلكترونية "أوقفوا الرشوة" إمكانية التبليغ الإلكتروني ، عن كل فعل أو ممارسة أو محاولة للرشوة يمكن أن تكون المقاولات الصغرى والمتوسطة ضحية لها ، وذلك مع إمكانية عدم الإفصاح عن هوية المبلغ. وعلى الرغم من الجهود المضنية التي يقوم بها مختلف المتدخلين في مجال محاربة الرشوة، فإنه يتعين بذل مزيد من الجهود للتغلب على العديد من الاكراهات التي تواجهها المملكة في هذا المجال، والتي لخصها رئيس الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة السيد عبد السلام أبو درار خلال عرض قدمه مؤخرا بمدينة سلا ، في صعوبة قياس حجم طبيعة الفساد بمؤشرات موضوعية مضبوطة، وغياب التقييم الموضوعي والمنتظم للسياسات العمومية، والنظرة العامة السلبية أو عدم التجاوب مع مجهودات المكافحة، وتأخر ورش إصلاح قطاع العدالة . ولإعطاء نفس جديد لسياسة مكافحة الفساد تؤكد الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة على ضرورة التركيز على الرهانات المرتبطة بمكافحة الفساد والارتقاء بسياسة مكافحة الفساد إلى مستوى يؤهلها لربح الرهانات.