التئم، أول أمس السبت بقاعة المحاضرات بمركب وزارة العدل بمراكش، ثلة من الخبراء في المجال القانوني وأصحاب البدلة السوداء، لمناقشة موضوع "السياسة الجنائية والحريات الفردية بالمغرب" من أجل إغناء النقاش وتعميقه حول الحريات الفردية وموقعها في السياسة الجنائية بالمغرب، للوقوف على المفهوم والمدلول الحقيقي لهذه الحريات، وللإجابة على أهم التساؤلات والإشكالات التي تطرح في النقاش العمومي حولها. ودعا المتدخلون إلى تجميع القانون الجنائي والمسطرة الجنائية والنصوص المجرمة لمجموعة من الأفعال في مدونة واحدة للقانون الجنائي المغربي، احتراما لمبدأ الشرعية، ولحق الناس في معرفة الأفعال المجرمة من غيرها بسهولة. وأكد المشاركون في هذه الندوة التي نظمت بمبادرة من منظمة المحامين التجمعيين، على أهمية بلورة سياسة جنائية تستجيب لمتطلبات التحديث والتطور والسرعة التي يعيشها العالم وتحد من سرعة تطور الظاهرة الإجرامية، بما يضمن استقرار وأمن المجتمع وسلامة وحرية أفراده. وأوضح المشاركون، أن النهوض بالحريات الفردية يستدعي قوة الإقدام على الالتزام بجميع المواثيق الدولية للحقوق والحريات، وشجاعة التراجع عن القوانين التي أصبحت متجاوزة ولا يقبلها المنطق القانوني السليم. وحسب النقيب عبد الصادق معطى الله رئيس منظمة المحامين التجمعيين، فإن السياسة الجنائية تمثل مجموع التدابير الزجرية التي تواجه بها الدولة الجريمة، موضحا أن المشرع المغربي لم يعرف السياسة الجنائية بشكل واضح المعالم، ولم يحدد الجهة التي تضع السياسة الجنائية. وبعد أن ذكر بالقانون الجنائي المغربي الذي وضع سنة 1962، أي ست سنوات بعد حصول المغرب على الاستقلال، أوضح معطى الله أن الظرفية التاريخية وفلسفة المشرع آنذاك مغايرة للظرفية الحالية، وهو ما يقتضي مراجعة بعض النصوص القانونية لتطوير الأداء الحقوقي في مفهومه الكوني الشامل. وأشار إلى أن دستور المملكة لسنة 2011 في فصله 71، قضى بالاختصاص الحصري للبرلمان في وضع القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، وهما النصان الأساسيان اللذان يتضمنان التدابير الزجرية التي تقررها الدولة بواسطة سلطتها التشريعية. من جانبه، أكد مولاي سليمان العمراني نقيب هيئة المحامين بمراكش، أن الظاهرة الإجرامية تتطور بسرعة وعجزت التشريعات عن مواكبتها لما تستلزمه هذه الأخيرة من مصادر قانونية وتشريعية معقدة قبل صدور قواعد قانونية ملزمة للأشخاص. وعلى مستوى الممارسة الفعلية للسياسة الجنائية، أشار العمراني الى أن المغرب يتوفر فقط على سياسة زجرية بحيث يتدخل المشرع بشكل جزئي في كل مرة تظهر فيها أفعال معينة تشكل خطورة إجرامية ويضع النصوص القانونية التي تزجر تلك الأفعال. وتهدف هذه الندوة الى وضع السياسة الجنائية تحت المجهر القانوني والعلمي للمتدخلين، للوقوف على مدى توفر المغرب على سياسة جنائية معاصرة تستجيب لمتطلبات المجتمع وهمومه، وتساير كافة التطورات التي تشهدها البلاد والمرتبطة بالحريات الفردية. وتزامن تنظيم هذه الندوة مع النقاش العمومي الذي طفا إلى السطح في الآونة الأخيرة حول أهم الحريات التي يتمتع بها الإنسان بالطبيعة ألا وهي الحريات الفردية، وتزامنا كذلك مع النقاش الذي لازال مفتوحا بخصوص مسودة القانون الجنائي ومسودة قانون المسطرة الجنائية، باعتبارهما احد أهم القوانين المؤطرة والمنظمة للحريات المومأ إليها أعلاه.