سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
'المغربية' في قلب مركز التنمية البشرية لرعاية الأشخاص المسنين بالبيضاء العيش مع بعضهم يدعمهم نفسيا ويحول رتابة حياتهم إلى نشاط وحيوية
أمراض الأسنان والفم تتصدر قائمة الأمراض التي يعانيها حوالي 90 في المائة من المسنين
يقع مركز التنمية البشرية لرعاية الأشخاص المسنين في حي هادئ بعين السبع في الدارالبيضاء، وتثير البناية الحديثة والمتميزة عن باقي البنايات المتراصة التي تلوح، انطلاقا من طريق الوحدة والمطلية باللونين الأبيض والأزرق انتباه وفضول المارة حول نوعية الخدمات التي تقدمها، فيما أكد نزلاؤه أن العيش في المركز غير حياتهم ومحى شعورهم بالوحدة والعزلة. عاينت "المغربية" خلال الزيارة التي قامت بها أخيرا إلى مركز أمل لرعاية المسنين، أن الحافلتين اللتين ترابطان صباح كل يوم أمام البناية مخصصة لنقل النزلاء الذين يتجاوز عدد الثلاثين، وتساعدهم على الاستفادة من الرحلات التي تنظم من أجل الترفيه والترويح عن النفس. وانطلاقا من مدخل البناية يمكن للزائر معاينة عدد من النزلاء يعبرون ممرات المركز بكل حرية ويسأل بعضهم عن موعد قدوم الطبيب من أجل الاستفادة من خدماته. لا يمكن للزائر الدخول للمركز دون الخضوع للبحث من طرف الحارس بشوش الوجه، الذي كان يجلس ببابه، كما لا يمكن المرور قرب نزيل دون أن يستقبلك بالتحية والترحاب، وكأنه في منزله الخاص. توفير المعايير اللازمة لهذا الشعور عند نزلاء المركز كان هو التوضيح الذي استقته "المغربية" خلال هذه الزيارة من الدكتور محمد رشيد رجائي، رئيس الجمعية البيضاوية لطب المستعجلات، الذي أكد أن التفكير في خصائصه كان موضوع لقاءات متعددة بين جميع الفرقاء، وجرى استيحاؤها من الشكل الجديد الذي ستعمل عدد من الدول الأوروبية على إنجازه مستقبلا. وقال رجائي إن الشعور بالدفء العائلي يعد من العوامل التي تبعث الراحة والاطمئنان عند الإنسان وترفع تشبثه بالنشاط والحيوية، وهو المعيار الذي فكر مسيرو هذا المركز في توفيره عبر تقديم خدمات طيلة النهار للمسن، الذي يعود للمبيت وسط عائلته. وعلل رجائي تسطير هذا البرنامج اليومي بتفادي الشعور الذي تولد عند عدد من المسنين في دول أوروبية، وأدى إلى ارتفاع نسبة الانتحار بين هذه الفئة في "دور الراحة"الفرنسية. واعتبر رجائي الكشوفات الطبية ومتابعة الوضعية الصحية للنزلاء أهم الخدمات التي يستفيد منها نزلاء المؤسسة،إذ أن الأطباء المشرفين على تقديمها خصصوا ملفات لتبع الوضع الصحي،كما أن المعدات الطبية تمكن من تقديم خدمات في عين المكان. من جانبه، أكد محمد الأبيض، أخصائي طب الأسنان، ورئيس الجمعية المغربية للوقاية من أمراض الأسنان، أن النزلاء يقبلون على خدمات هذا المركز للاستفادة من الخدمات الطبية، مشيرا إلى تقديمها من طرف طاقم طبي متطوع دائم يتوفر على جميع الاختصاصات. أغلبية المسنين في هذا المركز يعانون أمراضا مزمنة، يقول الأبيض، الذي أكد أن أمراض الأسنان والفم تتصدر قائمة الأمراض التي يعانيها حوالي 90 في المائة من المسنين. واعتبر الأبيض أن علاج أمراض الفم والأسنان مصدر الوقاية من عدد من الأمراض خاصة المتعلقة بالجهاز الهضمي، مشيرا إلى أن هذا العلاج مكلف بالنسبة للنزلاء، الذين يعانون جميعهم وضعية اجتماعية هشة. يستفيد نزلاء المركز من خدمات علاج أمراض الفم والأسنان في المركز نفسه خاصة أنه يتوفر على مختبر لتحضير أطقم الأسنان، وعلى معدات وأجهزة حديثة تمكن من تقديم جميع الخدمات المتعلقة بالفم والأسنان بما فيها العمليات الجراحية الثقيلة والمكلفة. في هذا الإطار أكد الأبيض أن ثلاثة نزلاء استفادوا من عمليات زرع الأسنان، وهناك برنامج سنوي سيمكن من استفادة أربعة نزلاء آخرين مستقبلا. يتوفر المركز على قاعة للترويض الطبي وقاعة للرياضة وقاعة للتبريد، حيث تحفظ المواد الاستهلاكية إلى جانب مطبخ يسهر على تسييره متخصصون في الطبخ، مع توفير الحمية الخاصة بكل نزيل حسب لائحة بأسمائهم عند مدخله تشير إلى نوعية الأكل اللازم تناوله. الاستفادة من مساعدات إنسانية بمناسبة عيد الأضحى بخصوص المركز الذي جرى تدشينه من طرف الملك محمد السادس في أكتوبر الماضي، قال مصطفى فوزي، رئيس مؤسسة أمل لمساعدة مركز القصور الكلوي والأعمال الاجتماعية الشريكة في المشروع، إنه يعد الأول من نوعه على الصعيد الوطني، إذ أن جميع النزلاء يعانون أمراضا مزمنة من قبيل السكر والضغط الدموي وأمراض القلب يجري تتبعهم من طرف أخصائيين بالمجان. استفاد جميع نزلاء المركز من مساعدات مادية في إطار الاحتفال بعيد الأضحى، يقول مصطفى فوزي، مؤكدا أن جميع حالات المركز تستفيد من المبيت بمنزلها، إلى جانب أفراد أسرتها، وبالتالي ستعيش هذا اليوم قرب أهلها وذويها باستثناء فئة صغيرة استفادت من قضاء يوم العيد بالمركز. ويهدف إنشاء هذا المركز، يقول المتحدث نفسه إلى الرقيب مستوى عيش فئة الأشخاص المسنين وانتشالها من مختلف مظاهر الهشاشة والإقصاء الاجتماعي. النساء يشكلون أغلبية نزلاء المركز عاينت "المغربية" أن أغلبية النساء يشكلن أغلبية النزلاء، الذين توافدوا على المركز، ابتداء من العاشرة صباحا، وأبان الحديث، الذي دار بين بعضهن عن الروابط المتينة، التي تربط بينهن، نتيجةحضورهن اليومي إلى المركز. وأثار انتباه "المغربية" جلوس فاطمة الزياني، نزيلة بهذا المركز، على كرسي بعيد عن دائرة الدردشة بين النزيلات، إذ قالت بعد خروجها عن صمتها إنها لا تحب كثرة الكلام، لأن أحسنه ما كانت له دلالة معينة. قالت الزياني التي كانت ترتدي جلبابا مزركشا بألوان داكنة،وتجلس فوق سريرها بغرفة تتقاسمها مع نزيلة أخرى، إنها لا تعرف كم يبلغ عمرها، لأنها ولدت في حقبة لا تولي اهتماما بتسجيل المواليد، مضيفة أنهاتواظب على الاستحمام في المركز، حرصا منها على الحفاظ عن نظافة جسمها. بدأت الزياني تروي حكايات عن الحياة التي أصبحت تعيشها في كوخ قصديري بكريان زرابة بالحي المحمدي، وعن الوحدة التي "تقتل أيامها" بعد تربيتها أبناء إخوتها، مشيرة إلى أنها مقبلة على الرحيل من هذا الحي القصديري. تحدثت الزياني عن الرحلة، التي نظمها المركز لفائدة لنزلاء بعين الذئاب في الدارالبيضاء، وقالت إن هذه الأنشطة تحدث التغير في العادات اليومية بالمركز، كما أنها تخلق الفرجة والمتعة وتبعث السرور بين النزيلات والنزلاء. أما جمعة كروم التي يناهز عمرها 80 سنة فترى أن اللمة داخل هذا المركز أحسن بكثير من العيش في غرفة، بعيدا عن الأهل والأحباب، إذ قالت إنها تستأنس برفيقاتها، وتشعر أن مكونات المركز أصبحت أفرادا لعائلة واحدة. تعيش جمعة كروم في غرفة صغيرة بأحد الأحياء المجاورة للمركز وتقبل على قضاء يومها، إلى جانب صديقاتها وتفضفض إليهم ما تشكوه من آلام نفسية وجسمية وما خلفه مرور السنين من ذكريات حلوة ومرة بمخيلتها. مشروع في إطار المبادرة الوطنية للتنمية الاجتماعية أنشأ مركز التنمية البشرية لرعاية الأشخاص المسنين بمبلغ مالي يقدر بأزيد من 7 ملايين درهم، وأنجز في إطار برنامج محاربة الهشاشة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بشراكة مع مؤسسة أمل لمساعدة مرضى القصور الكلوي والأعمال الاجتماعية، والمندوبية الإقليمية للتعاون الوطني، ومندوبية وزارة الصحة، فسيؤمن التكفل من حيث الإيواء، والإطعام، والتتبع الطبي، وضمان شروط راحة الأشخاص المسنين دون موارد. ويشتمل المركز الجديد على غرف للنوم، ومطعم، وقاعات للفحص والترويض الطبي وعلاج الأسنان، وقاعة لممارسة الرياضة، وأخرى للصلاة، ومطبخ، وفضاءات خضراء. وسيكون بوسع الأشخاص المستهدفين،من خلال هذه البنية الاجتماعية الجديدة التوفر على إطار ملائم للاندماج الاجتماعي. كما سيمنح خدمات المساعدة والاستشارة لأسر الأشخاص المسنين، تكريس القيم التضامن والتآزر الأسري، التي تميز المجتمع المغربي.