كان اللقاء فرصة لفتح النقاش حول موضوع قطاع أساسي، راكم مجموعة من الإشكاليات مرتبطة بأدوار الجامعة منذ نشأتها إلى مرحلة التفكير في إصلاحها، دون أن ترقى إلى مستوى البحث عن ميكانزمات الموقع الإيجابي للتنمية الشاملة. وتمحور النقاش، الذي شارك فيه الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي، عبد الكريم مادون، وعضو المكتب التنفيذي للشبيبة الاتحادية، حسام هاب، والصحافي جمال براوي، والأستاذ الجامعي حسن الشرايبي، حول سؤال جوهري، يتمثل في "أي جامعة نريد لمغرب القرن الواحد والعشرين، وما هي الآليات التي يجب توفيرها لتصبح جامعة منافسة في عالم يتغير بسرعة؟"، لتثار جملة من القضايا المعيقة لتطوير وتحديث الجامعة المغربية، إن لم يكن التطوير والارتقاء بمستوى التعليم ككل. وقال براوي، في تقديمه للقاء، إن الجامعة المغربية، كفضاء للعلم والمعرفة يكرس العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، لكنها تعرف اليوم "أزمة من خلال سياسة خلق مستويات ذات خيارات متعددة، سارت معها الدولة نحو خلق سرعة ثالثة تمييزية، من خلال خلق مؤسسات للتعليم العالي مؤدى عنها، في إطار ما يعرف بالشراكة، دون أن تخضع لأي قوانين، ولا لأي دفتر تحملات، ما يعني توجه الدولة نحو بداية التملص من الإنفاق على التعليم العالي، والبحث العلمي، الذي يعتبر الركيزة الأساسية لكل تنمية مجتمعية". وأضاف أن قضية الجامعة المغربية لم تعد تهم الجامعيين فقط، بل أصبحت قضية رأي عام، والدفاع عنها هو دفاع عن الحق في المعرفة، باعتباره حق من حقوق الإنسان. من جهته، أثار عبد الكريم مادون "فشل النقابة الوطنية للتعليم العالي في تأسيس جبهة تقاوم خوصصة التعليم العالي، لكنها مازالت تواصل سعيها لاقتحام البرلمان ومحاولة إقناع النواب بخطورة الأمر، وكذا لاستنهاض المسؤولين في المجلس الأعلى للتربية والتكوين"، داعيا إلى ضرورة تدخل كل القوى النقابية والسياسية لمواجهة الخطر المحدق بالتعليم العالي. واعتبر مادون أن هناك "إرادة مقصودة لدفع الأستاذ الجامعي للاهتمام بأهداف ريعية في الوقت الذي حاد التكوين المستمر عن دوره الأساسي"، موضحا أن الجامعة المغربية "تعيش شتاتا أفقدها المبادئ الأساسية، التي كانت تقوم عليها وينص عليها القانون، وهو يتحدث عن توحيد واستقلالية ودمقرطة التعليم العالي". وركز حسام هاب، عضو المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية، في مداخلة حول "الجامعة المغربية بين الأزمة وأفق التأزيم" على أهمية فتح نقاش معمق حول الجامعة المغربية داخل الأحزاب، وبالخصوص داخل قطاع التعليم العالي الاتحادي، على اعتبار أن "إصلاح منظومة التربية والتعليم مدخل أساسي لأي إصلاح ديمقراطي منشود، يناضل من أجله الحزب كقوة سياسية تقدمية معارضة"، مستعرضا تجربته كشاب جامعي وباحث لمدة 8 سنوات من الدراسة الجامعية. وقال هاب إن النقاش العمومي حول إصلاح الجامعة عليه الابتعاد عن منطق البوليميك السياسي بين الأحزاب، لأن الجامعة فضاء للبحث العلمي، وإنتاج النخب الأكاديمية، وقاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبناء مجتمع مركزيته المعرفة والعلم والمواطنة، وإصلاحها رهان مجتمعي. وأشار إلى غياب تحيين وتطوير برامج ومناهج البحث، معتبرا أن الجامعة، في جزء كبير من عملها، ليست مجالا لنقل المعارف، بل مجال لتنشئة الشباب، وتحضيرهم للاندماج في عالم المستقبل. وبعد أن تطرق الباحث الشاب إلى مختلف أوجه الأزمة في الحياة الجامعية، ومنها "غياب السلطة العلمية وتحكم السلطة السياسية، وتأخر البحث العلمي وانفصاله عن التنمية، وضعف علاقة البحث العلمي بالقطاعات الاقتصادية والديناميات الجهوية والمحلية"، خلص إلى نتائج مفادها أن تأثير الجامعة أصبح محدودا ولم يعد يقتصر إلا على تكوين أُطر تقنية لولوج سوق الشغل، وليس إنتاج نخب فكرية وعلمية، لنكون أمام إشكالية كيفية تحويل الجامعة من مجرد مؤسسة لتكوين الأطر، التي تحتاجها الدولة، إلى مؤسسة تساهم مباشرة في تنمية محيطها السوسيو- ثقافي والاقتصادي، بشكل يجعلها تتجه نحو تكوين الإنسان – المواطن، تكوينا يمكنه من التأثير الإيجابي في محيطه، مستنتجا أنه لا يمكن ل"عقل أكاديمي مأزوم، منتج قافة جامعية مأزومة، أن يساهم في تشييد عقلاني وحداثي لبنية متكاملة من القيم والممارسة والأخلاقية". بالنسبة إلى الأستاذ الجامعي، حسن الشرايبي، فإن "تعطيل مصعد التعليم العالي الاجتماعي بشكل مقصود وممنهج، هو تعطيل لحلم طالما راود حتى الآباء، بمجتمع يسود فيه الاستحقاق والجدارة، ويؤدي إلى الخلق والإبداع والمشاكسة المشروعة"، معتبرا أن "الدولة تعتمد دستورا ينص على تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية، ولا تطبق هي نفسها هذه المبادئ في إطار السياسة التعليمية الحالية". وقال الشرايبي إن مشروع خوصصة الجامعة لا يخضع إلى أي تقنين أو محاسبة، مشيرا إلى أن بعض الجامعات الخاصة فتحت أبوابها دون أي ترخيص، ما يوحي بأن "الدولة عمدت إلى تسليع قطاع أساسي، ولم تعتبره ذا أولوية إلا في الحالات الأمنية". وحذر الشرايبي من فخ فتح الأبواب للمدارس بتمويل خارجي، باعتبارها مشاريع لمؤسسات عليا خاصة، لكنها تستفيد من موارد مؤسسات الدولة، ما يضعنا أمام منافسة في التحصيل والتعليم غير شريفة.