يعد تخليد هذه الذكرى، قبل كل شيء، مناسبة لاستحضار انتصار إرادة العرش والشعب في نضالهما المتواصل من أجل التحرر من نير الاستعمار، وإرساء الأسس الأولى لمغرب مستقل وحديث وموحد ومتضامن. وكلحظة التحام للأمة، تعكس هذه الذكرى الكفاح الشجاع لشعب توحد وراء ملكه، الذي أشعلت شرارته ثورة الملك والشعب، يوم 20 غشت 1953، كما تشكل مناسبة للأجيال الصاعدة لإدراك حجم التضحيات التي بذلها أجدادهم للتحرر من ربقة الاستعمار واسترجاع المغرب لاستقلاله سنة 1955. كما تعتبر ذكرى عيد الاستقلال من أغلى الذكريات الوطنية الراسخة في قلوب المغاربة، لما لها من مكانة عظيمة في الذاكرة الوطنية، وما تمثله من رمزية ودلالات عميقة، تجسد انتصار إرادة العرش والشعب والتحامهما الوثيق دفاعا عن المقدسات الدينية والوطنية. وبتخليد هذه الذكرى المجيدة، يستحضر المغاربة السياق التاريخي لهذا الحدث العظيم، الذي لم يكن تحقيقه أمرا سهلا بل ملحمة كبرى حافلة بفصول مشرقة وعبر ودروس عميقة وبطولات عظيمة، وتضحيات جسيمة، ومواقف تاريخية خالدة صنعتها ثورة الملك والشعب، التي تفجرت طاقاتها إيمانا والتزاما ووفاء بالعهد، وتشبثا بالوطنية الخالصة في أسمى مظاهرها. فقد انتصرت الإرادة القوية للأمة، بتناغم مع العرش للدفاع عن القيم الوطنية المقدسة، على مخططات المستعمر الذي لم يدرك أنه بإقدامه على نفي رمز الأمة، جلالة الملك الراحل محمد الخامس وأسرته، لم يقم سوى بتأجيج وطنية المغاربة والتعجيل بنهاية عهد الحجر والحماية. وكان الملك الراحل أعلن لدى عودته من المنفى، يوم 18 نونبر 1955، رفقة الأسرة الملكية، عن انتهاء نظام الوصاية والحماية الفرنسية، وبزوغ فجر الحرية والاستقلال، مجسدا بذلك الانتقال من معركة الجهاد الأصغر إلى معركة الجهاد الأكبر، وانتصار ثورة الملك والشعب. وشكل هذا الخطاب الأول للاستقلال خارطة طريق حقيقية وضعها جلالته أمام شعب عمته الفرحة، توقع لانخراط الأمة في مسلسل بناء مغرب حديث وحر. وانخرط الشعب المغربي، قويا باستقلاله، آنذاك في مجهود البناء الوطني لتشييد مغرب حر تمكن بسهولة من فرض مكانته بين الأمم، تحت قيادة أب الأمة وخلفه الراحل جلالة الملك الحسن الثاني الذي عزز التوجهات القائمة على الديمقراطية، والتعددية السياسية والليبرالية الاقتصادية. وبعد إرساء ورش التنمية الاقتصادية والاجتماعية، يواصل جلالة الملك محمد السادس اليوم، سيرا على نهج جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني، قدس الله روحيهما، هذه الدينامية المتجددة عبر إرساء أسس اقتصاد عصري وتنافسي وتحديث المملكة، وتكريس قيم الديمقراطية والمواطنة. وتعززت في عهد جلالة الملك محمد السادس روابط التعايش والالتحام بين العرش والشعب، من أجل الحفاظ على المكتسبات الوطنية والنهوض بالتنمية السوسيو-اقتصادية، في إطار مغرب المؤسسات والديمقراطية. وبتخليد هذه الذكرى الحافلة بالرموز والقيم، يجدد الشعب المغربي التأكيد على موقفه الثابت للتعبئة العامة والانخراط الكلي في الملاحم الكبرى للدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب وقيم الانفتاح والوسطية والحوار. المملكة المغربية قدمت نموذجا فريدا في التلاحم بين العرش والشعب يحتفي الشعب المغربي من طنجة إلى الكويرة، اليوم الثلاثاء بالذكرى 59 لعيد الاستقلال المجيد، باعتباره محطة من المحطات المضيئة في تاريخ المغرب الحافل بالانتصارات التي تحققت بفضل النموذج الفريد لتلاحم العرش العلوي المجيد والشعب المغربي الوفي. وتشكل هذه المحطة فرصة لتذكير الأجيال بالإنجازات العظيمة للأمة التي يحق لهم الافتخار بالانتماء إليها، وتعريف الجيل المعاصر بما بذله الآباء والأجداد من أجل تسليمه المشعل، لخوض الجهاد الأكبر بروح وطنية تؤكد الاستمرارية من معركة الجهاد الأكبر بعد الخروج برأس مرفوعة من معركة الجهاد الأصغر وإنهاء عهد الحجر والحماية وبزوغ فجر الحرية والاستقلال، وهو أمر لم يكن ليتحقق لولا التضحيات الجسام للأسرة الملكية بقيادة بطل التحرير محمد الخامس، والشعب المغربي الذي ملأ الدنيا ببطولات مجيدات أقامت الدنيا ولم تقعدها، وزلزلت الأرض من تحت أقدام المعمر، الذي لم يطب له المقام في بلادنا. ورغم كفاح المغاربة ضد الاستعمار على أكثر من واجهة، إذ لم يكن هم المغاربة فقط إجلاء المستعمر عن أرضهم، بل كانوا خير عون لكل البلدان المغاربية والإفريقية لتحرير كل شبر من أراضيها من الاحتلال، وهو ما ظل مشهودا به للآباء والأجداد على مر الأجيال. وأكدت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، بالمناسبة أن ذكرى عيد الاستقلال المجيد من أغلى الذكريات الوطنية الراسخة في قلوب المغاربة لما لها من مكانة كبرى في الذاكرة التاريخية الوطنية، وما تمثله من رمزية ودلالات عميقة تجسد انتصار إرادة العرش والشعب والتحامهما الوثيق، دفاعا عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية. وبتخليد هذه الذكرى المجيدة، يستحضر المغاربة السياق التاريخي لهذا الحدث العظيم الذي لم يكن تحقيقه أمرا سهلا بل ملحمة كبرى حافلة بفصول مشرقة وعبر ودروس بليغة وبطولات عظيمة وتضحيات جسام ومواقف تاريخية خالدة صنعتها ثورة الملك والشعب، التي تفجرت طاقاتها إيمانا والتزاما ووفاء بالعهد، وتشبثا بالوطنية الحقة في أسمى وأجل مظاهرها. لقد شكلت عودة الشرعية نصرا مبينا وحدثا تاريخيا حاسما، توج بالمجد مراحل الكفاح المرير الذي تلاحقت أطواره وتعددت صوره وأشكاله في مواجهة الوجود الاستعماري المفروض منذ سنة 1912، حيث خلد المغاربة أروع صور الوطنية الصادقة وبذلوا أغلى التضحيات في سبيل عزة الوطن وكرامته والدفاع عن مقدساته. فكثيرة هي المعارك والانتفاضات الشعبية بكافة ربوع المملكة لمواجهة الاحتلال الأجنبي، ومن هذه البطولات معارك الهري وأنوال وبوغافر وأنوال وغيرها من المعارك التي لقن فيها المجاهدون للقوات الاستعمارية دروسا في الصمود والمقاومة والتضحية. ومن روائع الكفاح الوطني، ما قامت به الحركة الوطنية مع مطلع الثلاثينيات بالانتقال إلى النضال السياسي والعمل الوطني الهادف بالأساس إلى نشر الوعي الوطني وشحذ العزائم والهمم في صفوف الشباب وداخل أوساط المجتمع المغربي بكل فئاته وطبقاته. كما عملت الحركة الوطنية على التعريف بالقضية المغربية في المحافل الدولية مما كان له وقع الصدمة على الوجود الاستعماري، الذي كان يواجه النضال السياسي الوطني بإجراءات تعسفية ومخططات مناوئة للفكر التحرري الذي تبنته الحركة الوطنية بتشاور مع رائد الأمة المغربية جلالة المغفور له محمد الخامس قدس الله روحه. ومن أبرز هذه المخططات الاستعمارية، محاولة التفريق بين أبناء الشعب المغربي الواحد، وتفكيك وحدتهم وطمس هويتهم الدينية والوطنية بإصدار ما سمي بالظهير البربري يوم 16 ماي 1930. لكن المخطط التقسيمي والتمييزي سرعان ما باء بالفشل، حيث أظهر الوطنيون والمناضلون في خندق مواجهة الوجود الاستعماري، تشبث المغاربة وتمسكهم بالدين الإسلامي الحنيف وبالهوية المغربية والوحدة الوطنية. ومن تجليات وإفرازات النضال الوطني إقدام صفوة من أعضاء الحركة الوطنية على تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال إلى سلطات الحماية يوم 11 يناير 1944 بتنسيق تام مع بطل التحرير والاستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس أكرم الله مثواه، وما أعقب ذلك من ردود فعل عنيفة من لدن السلطات الاستعمارية، حيث تم اعتقال بعض رموز ورجال الحركة الوطنية والتنكيل بالمغاربة الذين أظهروا حماسا وطنيا منقطع النظير عبروا من خلاله عن مساندتهم لمضمون الوثيقة التاريخية. كما أن من أبرز هذه المحطات التاريخية التي ميزت مسار الكفاح الوطني الزيارة التاريخية التي قام بها أب الوطنية وبطل التحرير والاستقلال إلى طنجة يوم 9 أبريل 1947، تأكيدا على تشبث المغرب، ملكا وشعبا، بحرية الوطن ووحدته الترابية وتمسكه بمقوماته وهويته وبانتمائه لمحيطه العربي والإسلامي. لقد كان لهذه الزيارة الميمونة الأثر العميق على علاقة الإقامة العامة بالقصر الملكي حيث اشتد الصراع، خاصة أن جلالة المغفور له محمد الخامس لم يخضع لضغوط سلطات الحماية المتمثلة أساسا في مناهضة الحركة الوطنية والمد التحرري الوطني. فكانت مواقفه الرافضة لكل مساومة سببا في تأزم الوضع السياسي وإقدام سلطات الإقامة العامة على تدبير مؤامرة فك الارتباط بين الملك وشعبه. وتصدى المغاربة لهذه المؤامرة التي تجلت خيوطها في غشت 1953 حيث وقف سكان مراكش بالمرصاد يومي 14 و15 غشت 1953 لمنع تنصيب صنيعة الاستعمار ابن عرفة. كما انطلقت انتفاضة 16 غشت 1953 بوجدة، وانتفاضة 17 غشت 1953 بتافوغالت، ومظاهرة وادي زم وخريبكة وخنيفرة في 19 و20 غشت 1955، وعمت مواقف الاستنكار والتنديد بالفعلة النكراء لقوات الاحتلال الأجنبي في سائر ربوع الوطن، حينما أقدمت سلطات الحماية على محاصرة القصر الملكي بواسطة القوات الاستعمارية يوم 20 غشت 1953 مهددة ومتوعدة جلالة المغفور له محمد الخامس أكرم الله مثواه بالتنازل عن العرش، ففضل طيب الله ثراه النفي على أن يرضخ لإرادة الاحتلال، مصرحا بكل ما لديه من إيمان بالله وعدالة بالقضية المغربية بأنه الملك الشرعي للأمة، وإنه لن يضيع الأمانة التي وضعها شعبه الوفي على عاتقه وطوقه بها والمتمثلة في كونه سلطان الأمة الشرعي ورمز وحدتها وسيادتها الوطنية. وأمام هذه المواقف الوطنية السامية التي أبرزها بطل التحرير والاستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس، بكل عزم وإقدام وبكل شجاعة وإباء، أقدمت سلطات الإقامة العامة على تنفيذ مؤامرتها النكراء بنفيه ورفيقه في الكفاح والمنفى فقيد العروبة والإسلام جلالة المغفور له الحسن الثاني رحمة الله عليهما والأسرة الملكية الشريفة يوم 20 غشت 1953 إلى جزيرة كورسيكا ومنها إلى مدغشقر. وما أن عم الخبر في ربوع المملكة وشاع في كل أرجائها حتى انتفض الشعب المغربي انتفاضة عارمة، وتفجر غضبه في وجه الاحتلال الأجنبي، وظهرت بوادر العمل المسلح والمقاومة والفداء، وتشكلت الخلايا الفدائية والتنظيمات السرية وانطلقت العمليات البطولية لضرب غلاة الاستعمار ومصالحه وأهدافه. وتجلى واضحا من ذلك عزم المغاربة وإصرارهم على النضال المستميت من أجل عودة الشرعية التاريخية وتحقيق الاستقلال. فمن العمل البطولي للشهيد علال بن عبد الله يوم 11 شتنبر 1953، الذي استهدف صنيعة الاستعمار، إلى عمليات فدائية للشهيد محمد الزرقطوني ورفاقه في خلايا المقاومة بالدارالبيضاء وعمليات مقاومين ومناضلين بالعديد من المدن والقرى المغربية لتتصاعد وتيرة المقاومة بالمظاهرات التلقائية والانتفاضات الشعبية المتوالية وتتكلل بالانطلاقة المظفرة لجيش التحرير بالأقاليم الشمالية للمملكة في ليلة 1-2 أكتوبر 1955. ولم تهدأ ثائرة المقاومة والفداء إلا بتحقيق أمل الأمة المغربية قاطبة في عودة بطل التحرير والاستقلال ورمز الوحدة الوطنية جلالة المغفور له محمد الخامس، حاملا معه لواء الحرية والاستقلال، معلنا عن الانتقال من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، من أجل بناء المغرب الجديد ومواصلة ملحمة تحقيق الوحدة الترابية. فانطلقت عمليات جيش التحرير بالجنوب المغربي سنة 1956 لتخليص الصحراء المغربية من نير الاحتلال الإسباني، وأعلنها بطل التحرير صيحة مدوية في خطابه التاريخي بمحاميد الغزلان في 25 فبراير 1958، وهو يستقبل وفود أبناء قبائل الصحراء، مؤكدا مواقف المغرب الثابتة وتعبئته لاسترجاع صحرائه السليبة، ومحققا في 15 أبريل من السنة نفسها 1958 استرجاع منطقة طرفاية. وسيرا على نهج والده المنعم، خاض الملك الموحد جلالة المغفور له الحسن الثاني رحمه الله معركة استكمال الوحدة الترابية، فتم في عهده استرجاع مدينة سيدي إفني في 30 يونيو 1969، كما تحقق استرجاع الأقاليم الجنوبية بفضل المسيرة الخضراء المظفرة التي انطلقت يوم 6 نونبر 1975، وارتفع العلم الوطني في سماء العيون يوم 28 فبراير 1976، إيذانا بجلاء آخر جندي أجنبي عنها. وفي 14 غشت من سنة 1979 تم تعزيز استكمال الوحدة الترابية للوطن باسترجاع إقليم وادي الذهب. واليوم، يعيش الشعب المغربي عهدا جديدا بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله الذي يسير بشعبه نحو مدارج التقدم والحداثة وتحصين المكاسب الديمقراطية، مواصلا مسيرة الجهاد الأكبر وتثبيت وصيانة الوحدة الترابية لبلادنا وإذكاء إشعاعه الحضاري كبلد للسلام والتضامن والتسامح والتعايش والقيم الإنسانية المثلى. وأكدت المندوبية السامية أن أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير وهي تخلد الذكرى 59 للعودة الملكية المظفرة من المنفى إلى أرض الوطن ولعيد الاستقلال المجيد من خلال برنامج وطني حافل بالمهرجانات الخطابية واللقاءات التواصلية والعروض التربوية والتظاهرات والأنشطة الثقافية بمجموع ولايات وعمالات وأقاليم المملكة بمشاركة فئات وشرائح المجتمع وفعالياته، لتشيد بملحمة العرش والشعب المتجددة، للاعتزاز بأمجادها وانتصاراتها ولاستلهام معانيها وما تحمله من دروس وعبر ومن قيم ومعاني لتنوير أذهان الناشئة والأجيال الصاعدة والقادمة بإشعاعها وبالمعاني السامية لملاحم الكفاح الوطني المجيد المجسدة لأروع صور البطولة والشهامة والتضحية والفداء دفاعا عن المقدسات الدينية والوطنية، ولترسيخ ثقافة المواطنة الايجابية والملتزمة والمسؤولة في نفوس الأجيال الجديدة والمتعاقبة لتعزيز انخراطها في ملاحم الجهاد الأكبر لإعلاء صروح المغرب الجديد تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.