أصدرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الحقوقية تقريرها حول وضعية حقوق الإنسان في مخيمات تندوف، التي تسيطر عليها البوليساريو منذ ما يقرب من 39 سنة. وجاء تقرير المنظمة الحقوقية الدولية مثل القشة التي كسرت ظهر البعير، وأظهرت حقائق مرعبة حول الطريقة، التي تفرض بواسطتها البوليساريو السيطرة على الصحراويين، وتحرمهم من شتى أنواع الحقوق، تبدأ بمنعهم من الحق في الإحصاء، مرورا بحظر حرية الرأي والتعبير والتنقل، وتنتهي بفرض الولاء مقابل السماح لهم بالاستفادة من الأنشطة الاقتصادية الريعية وبعض الامتيازات، التي تكرس نظام العبودية والرق وسط المخيمات. تقرير المنظمة أثار ردود فعل وطنية ودولية، عبرت على إثرها فعاليات حقوقية وجمعوية صحراوية عن استيائها العميق حيال الأوضاع اللإنسانية لصحراويين أجبروا لعقود على الاحتجاز في مخيمات فوق التراب الجزائري، من أجل خدمة أجندة سياسية في ظروف غير إنسانية، وتحت سيطرة البوليساريو، التي تتصرف تحت إمرة القيادة الجزائرية. في هذا السياق، أكد فاعلون حقوقيون وجمعويون بإقليم كلميم أن تقرير المنظمة كشف مسؤولية الجزائر عن انتهاكات حقوق السكان المحتجزين في مخيمات تندوف من قبل البوليساريو، وتنصلها من حماية حقوقهم رغم وجودهم على أراضيها. وأضافوا، في تصريحات لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذا التقرير، المدعوم بشهادات ومعزز بأشرطة فيديو، يبرز بشكل جلي القيود المفروضة على سكان المخيمات، والتضييق على حقوقها الأساسية، بما في ذلك حرية التعبير والتنقل والتجمعات، ووجود ممارسات حاطة بالكرامة الإنسانية، مثل العبودية والسخرة والحجز القسري. وتضمن تقرير المنظمة الحقوقية الدولية حالات لمدنيين صحراويين، أدانتهم محاكم عسكرية في مخيمات تندوف، منبها إلى أن "محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية تعد انتهاكا لقاعدة أساسية للحقوق الإنسانية الدولية"، إضافة إلى سلسلة من الخروقات، تتعلق بالحق في الحياة، والعيش بكرامة، وحرية التعبير والاختيار. ووجه التقرير أصبع الاتهام إلى البوليساريو والجزائر بخصوص انتهاكات هذه الحقوق، محملا الجزائر المسؤولية، باعتبارها البلد الذي يأوي مخيمات تندوف فوق ترابه والمساند الرئيسي لهذا الكيان الانفصالي. ودعت "هيومان رايتس ووتش" في تقريرها، الذي أعلنت عن مضمونه، انطلاقا من العاصمة الجزائرية، إلى تمكين صحراويي مخيمات تندوف من الدفاع عن "خيارات أخرى غير الاستقلال"، دون قيود من قبل البوليساريو. وقالت المنظمة إن الجبهة مطالبة بالعمل "على أن يكون لسكان المخيمات الحرية في انتقاد سياساتها وقيادتها بشكل سلمي وفي الدفاع عن خيارات أخرى غير الاستقلال". وذكرت هذه الهيئة الحقوقية غير الحكومية بحالة القيادي السابق في (البوليساريو) مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، دون أن يسميه التقرير، الذي أودع السجن لأزيد من شهرين، فقط لأنه "عبر عن دعمه للسيادة المغربية" على الصحراء. وأضافت أن البوليساريو عمدت بعد ذلك إلى "إرساله عبر الحدود إلى موريتانيا ومنعته من العودة إلى مخيمات اللاجئين في الجزائر، حيث تعيش عائلته". من جهة أخرى، رفع تقرير المنظمة الستار عن ظاهرة خطيرة في المخيمات، تتعلق باستمرار نظام العبودية، وأكد أن هذه الظاهرة مازالت قائمة في مخيمات تندوف، واستدلت المنظمة بشريط فيديو، يتضمن شهادة صادمة لأحد ضحايا هذه الممارسة، تعرض للاختطاف وهو في سن الرابعة من عمره، وأرغم على العمل لمدة 18 سنة، دون أن يتقاضى أي أجر نظير عمله، متذكرا أنه "سلب" من أمه للزج به في ممارسات العبودية، عوض أخذه إلى المدرسة أو تسليمه لأسرة تتكفل باحتياجاته. وفي خطوة لافتة، أشادت منظمة هيومان رايتس ووتش في تقريرها، انطلاقا من الجزائر العاصمة، بالعمل، الذي أنجزنه قبل سنوات هيئة الإنصاف والمصالحة بالمغرب، واعترف المدير المساعد للمنظمة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إريك غولدستين، بأن الهيئة منحت للعائلات "جزءا من الحقيقة" حول انتهاكات الماضي، مقارنة مع الجزائر، التي لم تفعل بعد أي مبادرة حول أحداث العشرية السوداء (تسعينيات القرن الماضي). وأكد غولدستين خلال تنشيطه أول لقاء ل"هيومان رايتس ووتش" بالجزائر، بعد نحو عشر سنوات من منع أنشطتها في هذا البلد، أن عمل هيئة الإنصاف والمصالحة مكن من "الكشف عن حقائق حول سنوات الرصاص". وقال، ردا على سؤال حول عمل كشف الحقيقة، الذي يجب إنجازه في هذا البلد حول العشرية السوداء، "لحد الآن، لم تشرع الجزائر في أي خطوة، ونأمل حصول ذلك".