عرف العمل القضائي بالمغرب تطورا نوعيا على مستوى صياغة الأحكام والقرارات وعلى مستوى جودتها، كما أصبح للقضاء دور أساسي في حماية الحقوق والحريات، إنها الخلاصة الأساسية التي انتهت إليها دراسة قانونية حول "الحماية القضائية للحقوق والحريات"، أعدتها جمعية "عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة وذلك بشراكة مع المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، وقدمتها أمام المهنين والرأي العام، يوم الجمعة المنصرم بالدارالبيضاء. وجاء في الخطوط العريضة لهذه الدراسة، التيشملتتحليل أزيد من 250 حكما وقرارا قضائيا، وأشرف على إنجازها أحمد مفيد، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بفاس، وعضو المكتب التنفيذي لجمعية "عدالة"، والمستشار محمد الهيني، نائب الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالقنيطرة، في مدة تزيد عن السنتين، أنها تتمحور، أساسا، حول الحماية القضائية للحقوق والحريات، حيث اعتبر معدوها أنها "دراسة تحليلية لمجموعة من الأحكام والقرارات القضائية الصادرة في مجال الحقوق والحريات، على اعتبار أن دستور فاتح يوليوز 2011، يعتبر دستور لحريات والحقوق بامتياز، بالنظر إلى التنصيص الذي جاء به في هذا المجال". وقال منجزو الدراسة، خلال ندوة تقديمها، إن الدراسة تتوخى التعليق على هذه النماذج من الأحكام والقرارات الصادرة عن القضاء المتخصص "تجاري، مدني، جنائي، إداري، أسري وغيره"، فضلا عن تتبع الاجتهادات القضائية، والبحث في الحماية التي تحققها للحقوق والحريات المنصوص عليها في التشريعات الدولية والوطنية. وأبرز معدو الدراسة أنه جرى تقسيمها إلى ثلاثة محاور، تمثلت أولا في نماذج من الأحكام والقرارات الصادرة عن القضاء العادي والمتخصص، والتعليق عليها من خلال التعليل المعتمد في إصدار الأحكام القضائية، وإبراز مظاهر قوته أو الوقوف عند ثغراته، وثانيا في جودة تعليل الأحكام والقرارات القضائية كشرط للمحاكمة العادلة، على اعتبار أن التعليل هم من مقومات الأمن القضائي، وثالثا في التعليل وجود الخدمات القضائية، من خلال تحليل عدد من المؤشرات من بينها التعجيل في البت القضائي ومآل الأحكام الصادرة. وأكد المعدون أن الدراسة لم تنجز من أجل مراقبة الأحكام والقرارات القضائية، لأن عمل جمعية "عدالة" ليس مراقبة القضاء، بل الهدف الأساسي من الدراسة هو تتبع العمل القضائي خصوصا في مجال المحاكمة العادلة، ومدى حماية الحقوق والحريات، بحيث وقفت هذه الدراسة على أن القضاء المغربي تسلح بكثير من الجرأة في إصدار أحكام وفق اجتهادات، في عدد من القضايا، وكان ذلك قبل دستور فاتح يوليوز 2011، ليتعزز دوره فيما بعد وفق الاتفاقيات الدولية. وخلصت الدراسة إلى أن التطور النوعي الذي عرفه العمل القضائي المغربي على مستوى صياغة وجودة الأحكام والقرارات يعود بالأساس إلى الإصلاحات الدستورية والقانونية، التي عرفتها المملكة، والتي أسفرت عن وضع دستور جديد، من بين أهم ما تضمنه، النص على استقلالية السلطة القضائية وعلى ضمانات المحاكمة العادلة وحقوق حريات المتقاضين، والتصريح بأن دور القاضي هو تطبيق القانون وحماية الحقوق والحريات. وبخصوص تعليل الأحكام والقرارات القضائية، أوضحت الدراسة أنه لم يعد مجرد إجراء شكلي، بل أصبح أساس وجوهر الحكم، مشيرة إلى أن التحليل والتعليق على العديد من الأحكام والقرارات القضائية الصادرة عن محاكم المغرب، يكشف أن القضاء المغربي أصبح له دور أساسي في تحقيق الأمن القضائي والأمن القانوني. وسجلت الدراسة ضعفا في اللجوء إلى الاتفاقيات الدولية، وضعفا في الاعتماد عليها في صياغة تعليل الأحكام والقرارات القضائية رغم التحسن الذي شهده القضاء بخصوص تعليل الأحكام القضائية، مبرزة أن التعليل الجيد للأحكام فيه حماية للقاضي وللمتقاضي، كما أنه يبعد كل الشبهات، التي يمكن أن تكون أساسا للتشكيك في نزاهة الهيئة التي أصدرت الحكم أو القرار، وهو من مقومات الثقة في القضاء ومصدر للثروة غير المادية. ووقفت هذه الدراسة، أيضا، على عدد من التوصيات والخلاصات أبرزها بطء مساطر التقاضي، وطول بعض الآجال القضائية، وعدم تنفيذ بعض الأحكام الصادرة ضد الإدارات والمؤسسات العمومية، وهو ما يستوجب تدخلا تشريعيا حاسما لحماية المتقاضين المرتفقين. كما كشفت أن العمل القضائي لا يخلو من بعض الثغرات والنقائص، التي ترتبط بنقصان التعليل أو بضعفه، أ وبالتأثير في القضاء عن طريق العديد من الآليات والوسائل التي تتم خارج نطاق القانون، منبهة إلى التعليل ليسهل من مهمة محكمة النقض في الرقابة على تطبيق القانون، خاصة أن التعليل مصدر حاسم للرقيب القضاء المغربي إلى مصاف القضاء الدولي،واندماجه في البيئة الدولية بضمان مساهمته في القانون والقضاء المقارن الدولي بانفتاحه على التجارب الدولية في هذا المجال.