نُصبت، هذه الأيام، خيم عشوائية عديدة قلصت من مساحات الشوارع والأزقة في أحياء الدارالبيضاء، دون أن يثير ذلك انتباه المسؤولين الجماعيين، الذين يعلنون من حين لآخر حروبا شرسة ضد احتلال الملك العام. كما ساد التعبير بالعامية "بين خيمة وخيمة، توجد خيمة أخرى"، وداخل هذه الأمكنة العشوائية، المبنية ب"الكرطون" والألواح الخشبية، ينزوي عدد من الشباب بهدف الاتجار في التبن، والعلف، والفحم، وأواني الطين، بمناسبة عيد الأضحى، الذي يفتح لهم مجالا مؤقتا للربح بعد شهور من العطالة، حسب تبريرهم. لكن السكان غالبا ما يشتكون من عرقلة السير التي يتسبب فيها هؤلاء التجار المؤقتون دون رادع، فضلا عن الضجيج، وشكاوى السكان تبقى محدودة بحكم الجوار، وأيضا، لكون الوضع مؤقت، إذ سيزول مشهد "الخيم العشوائية" المنتشرة في كل مكان، مع أول أيام العيد، وإن كان تحمل الوضع صعبا. المفارقة تتمثل في كون مدينة الدارالبيضاء مثلما تنحو في اتجاه تطور كبير اقتصاديا وحضاريا واجتماعيا وثقافيا، ما تزال تحتضن مظاهر العشوائية، التي يعتبرها البعض نتيجة للفقر والهجرة القروية، ولا أحد يقول إنها مسألة فكر أيضا. إن العربات المجرورة، و"الفراشة" والخيم العشوائية مشاهد حاضرة باستمرار وسط مدينة تمتد عمرانيا في كل الاتجاهات، غير أن هذه المشاهد تتفاقم كلما اقتربت مناسبة دينية في مقدمتها عيد الأضحى، مخلفة "أزمات اجتماعية"، أبرزها احتكار الفضاء العمومي دون ترخيص على مساحات متفاوتة حسب مزاج "المحتل"، ويحمل الاحتكار المتمثل في الخيمة العشوائية، الكثير من السلوكات المرفوضة معه، ذلك أن بعض الشباب يحولونها إلى مرتع "خاص"، لممارسات غير سوية، مثل استهلاك المخدرات والكحول وما يرافقها من صخب، وتلاسن بالكلام الفاحش. رغم ذلك وبسبب الجوار الذي لم يأخذه الشباب بعين الاعتبار، يتعايش السكان مع هذا الوضع على مضض، لأن المبرر المصطنع هو كسب القوت، وأيضا لأن إزالة الخيام ليس من اختصاص السكان، وبالتالي يحكم عليهم بالتعايش مع "الواقع المر" تفاديا لتبعات أخرى تفوق ما يكابدونه طيلة الأيام التي تسبق عيد الأضحى. الغريب أنه رغم المحاولات الجادة لتخليص الدارالبيضاء من مظاهر العشوائية، فإن معظم أحياء المدينة خاصة الشعبية منها، وهي الأكثر، "ترعى بذور" هذه المظاهر لتتكاثر على نحو مستمر يخلو من المسؤولية والاحترام، إذ أن أصحاب الخيم والعربات المجرورة، مقتنعون بشكل كبير، أن "لهم الحق" في مزاولة ما يناسبهم من الأنشطة، بل تقودهم قناعتهم إلى أن "سلوكاتهم سليمة" وأن كل اعتراض هو مس ب"حريتهم المطلقة"، ومادامت القناعة راسخة بأن السلوكات "غير السوية" هي سلوكات "معقولة" وبما أن السكان غير قادرين على ردعها مهما حاولوا، فإن التعايش مع هذه المظاهر بتبعاتها ومساوئها هي "حل إجباري"، ففي وقت لم تقتلع مظاهر العشوائية والفوضى من جذورها بتدخلات مسؤولة ومعنية سنة بعد أخرى يتضاعف عدد المحتلين، بسبب صمت مزدوج للسكان وبعض رجال السلطة ما يجعل غول احتلال الملك العمومي آخذا في الكبر.