"التعذيب ليس مجرد جريمة عادية، إنه عمل وحشي يجرد الإنسان من آدميته. ولذلك فإن الانتماء إلى الإنسانية يرفضه، لما يمثله من مهانة واستباحة لكرامة البشر. كما أن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان تحظره وتدعو إلى محاسبة مرتكبيه". بهذه الكلمات استفتح محمد عبد النباوي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، كلمته في اللقاء التواصلي حول تقديم "الدليل الاسترشادي لقضاة النيابة العامة في مجال مكافحة التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة"، مضيفا أن "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو صرخة من شعوب الأرض نحو الضمير الإنساني، نص في مادته الخامسة على منع إخضاع الإنسان للتعذيب ولا المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة". وقال عبد النباوي إن رئاسة النيابة العامة وبمناسبة الذكرى 71 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و35 لاعتماد اتفاقية مناهضة التعذيب من طرف منظمة الأممالمتحدة، تنظم هذا اللقاء لتوفر لقضاتها، ولعموم قضاة المملكة، ولمختلف الفاعلين في مجال العدالة، دليلا استرشاديا. وأوضح عبد النباوي أن الدليل يرمي إلى توفير المعلومات الحقوقية والقانونية المتعلقة بمكافحة التعذيب، وتوضيح الإجراءات المسطرية التي يتم اتباعها للبحث في ادعاءات التعذيب، وسيكون هذا الدليل ضمن التعليمات القانونية الكتابية المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 110 من الدستور، التي تلزم قضاة النيابة العامة باتباعها. وبخصوص أقسام الدليل، أوضح رئيس النيابة العامة أنه ينقسم إلى خمسة محاور: "المحور التمهيدي: يتضمن أوجه الإلزام الوطني بحظر التعذيب. ويتضمن هذا المحور مختلف الصكوك الدولية المتعلقة بمناهضة التعذيب، والمقتضيات الدستورية والقانونية المغربية ذات الصلة المحور الأول: بعنوان الإطار القانوني لجريمة التعذيب. الذي يعرف بالتعذيب وفقا للقانون وللمواثيق الدولية، ويبين أنواعه والعقوبات المقررة له المحور الثاني: بعنوان دور النيابة العامة في الوقاية من التعذيب. ويسلط هذا المحور الضوء على الدور الوقائي للنيابة العامة، من خلال مراقبة أماكن الاعتقال، والحرص على توفر الضمانات الأساسية خلال مراحل البحث والتحري المحور الثالث: بعنوان دور النيابة العامة في التصدي للتعذيب. ويعالج هذا المحور كيفيات تدبير الشكايات وادعاءات التعذيب والمتابعات المقامة من أجل ذلك المحور الرابع: بعنوان إنصاف وتعويض ضحايا التعذيب. ويبين دور النيابة العامة في إنصاف ضحايا التعذيب، وتعويضهم، ومشتملات التعويض ومسطرة المطالبة به والمسؤولية عنه". وكشف عبد النباوي أن "الدليل يقع في 146 صفحة من الحجم المتوسط. أنجزه قضاة من رئاسة النيابة العامة مؤمنين بدور مؤسستهم في محاربة التعذيب، أوفياء لحقوق الإنسان، ومتشبعين بها كثقافة. وكان دافعهم إلى ذلك الوفاء لتعليمات جلالة الملك التي تَفَضَّل حفظه الله بتوجيهها إليهم يوم 3 أبريل 2017، وأمرهم بمقتضاها "بصيانة حقوق وحريات المواطنين والمواطنات، أفراداً وجماعات، في إطار من التلازم بين الحقوق والواجبات"، مضيفا أنهم "قد حرصوا على وضع التعليمات الملكية في مقدمة هذا الدليل لتذكير باقي زملائهم بها، حتى يتجند الجميع لمناهضة التعذيب والتصدي لكل أشكاله، ولكل المعاملات أو العقوبات القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة الإنسانية". وتأمل عبد النباوي أن يجد قضاة النيابة العامة، وقضاة الأحكام وأعضاء هيئات الدفاع، وكلُّ المهتمين بالموضوع إجابات لبعض التساؤلات، وأن يكون بالنسبة لهم دليلا يرشدهم لكيفية التصدي لحالات التعذيب وسوء المعاملة المختلفة، ويساعدهم على حسن تطبيق القانون، والالتزام بروح المواثيق الدولية، لافتا إلى أن رئاسة النيابة العامة تعمل على توفير تكوين عالي الجودة لأعضائها بشأن محاربة التعذيب والإلمام بتقنياته، من خلال إشراكهم في عدة ندوات ومؤتمرات وأيام دراسية، يؤطرها عادة خبراء مختصون.