افتتحت الدورة الخامسة لمهرجان الدارالبيضاء للثقافات والفنون، مساء الجمعة المنصرم، بالمركب الثقافي سيدي بليوط بالدارالبيضاء بمعرض فردي للفنان التشكيلي مصطفى العمري، الملقب ب"المجذوب" شمل أزيد من 30 لوحة تشكيلية. وأكدت نادية الزاوي، رئيسة جمعية الزاوي للمسرح والتنشيط الثقافي والفني، أن الدورة الخامسة انطلقت بشعار "الثقافة والفن صناعة وإبداع"، وأفادت الزاوي أن الحدث الفني الذي انطلق أيام 25، 26، 27أكتوبر المنصرم، بدعم من وزارة الثقافة والشباب والرياضة قطاع الثقافة والمديرية الجهوية جهة الدار البيضاء - سطات وبشراكة مع مقاطعة سيدي بليوط، يتغيا النهوض بالفن والثقافة، مشيرة إلى أن المهرجان ظل محافظا على كل مقوماته الفنية والأدبية، من خلال عدة أنشطة ثقافية وفنية، تحتفي بالثقافة والفن المغربي. وتساهم في تنشيط الحقل الثقافي والفني وتعمل على الانفتاح في محاولة مساءلة كل الأجناس الإبداعية لربط جسور الحوار كمعبر لاكتشاف إمكانية التجانس والتفاعل بين هذه الأجناس، نظرا لما يفرضه الواقع الثقافي والفني بالمغرب حاليا، وفي هذه المرحلة بالذات لأجل خلق تكتل إبداعي على جميع المستويات والخروج من العزلة التعبيرية إلى التواصل في إطار بناء تصور ثقافي شامل ومكتمل نسبيا بين الشعر والتشكيل وبين المسرح والسينما والقصة والرواية... وتطوير الحقل الإبداعي في شموليته والخروج به من الحرفية التقنية إلى مجال أرحب يتعلق بطرح الأسئلة الفكرية والموضوعية الراهنة. ومن أقوى لحظات المهرجان تكريم الفنان التشكيلي العصامي، مصطفى العمري، الذي افتتح فعاليات المهرجان بمعرض فردي جمع أزيد من 30 لوحة تشكيلية. وقال العمري إن المعرض الفردي الذي أقامه بالمركب الثقافي سيدي بليوط في إطار فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان الدارالبيضاء للثقافات والفنون، يعد المعرض الفردي الثاني بعد معرضه الأول الذي أقامه في إطار لقاء جمعوي وفني أطرته جمعية التنمية للصناعة التقليدية، بقاعة مقاطعة الصخور السوداء. وأضاف في تصريح ل"الصحراء المغربية" أنه يستجيب لكل الدعوات بخصوص الإقامات الفنية والمعارض التشكيلية، مشيرا إلى أنه شارك في معارض خارج الوطن، بمدينة مونبوليي الفرنسية، إلى جانب المعرض الدولي رؤى عربية بالقاهرة، ونال عدة شهادات تقديرية. وأبرز العمري أن أعماله أثارت حفيظة الكثير من النقاد الأجانب مثل الناقد الفرنسي دانييل كوتيريي. ويكفي أن نذكر أن الفنان مصطفى العمري الذي، تألق في معرض المركب الثقافي سيدي بليوط، بأعمال كبيرة حجما وأسلوبا، خصه قيدوم الصحافيين باللغة الفرنسية، دومنيك أورلوندو، بشهادة، إذ قال إن المجذوب واحد من الفنانين القلائل الذين رسخوا وجودهم الصباغي، انطلاقا من استلهام مواضيعة من مدرسة كوبرا التي تنتمي إليها الشعيبية وبيكاسو وميرو. وأضاف أن منجز المجذوب يزاوج بين تجربة الشعيبية وألوان بيكاسو، مبرزا أن الفنان العصامي العمري سيكون له شأن كبير في الساحة الفنية المغربية والأوروبية، باعتباره الفنان الوحيد الذي يتماهى مع تجربتي أكبر فنانين شهدهما التشكيل العالمي المعاصر. وخصه الناقد الجمالي عبد الرحمان بنحمزة، أيضا، بمقال أكد فيه أن المجذوب يشتغل بكامل العفوية، وبكل ما تحمله الطفولة من صدق ومن براءة، على ذاتنا الجمعية لتخليد صباها الذي يرفض الكبر، هربا مما يمكن أن يشوب الأخير من تحولات وتغيرات قد تُبعد الإنسان عن بداياته الأولى المفعمة بالصدق، بالبراءة وبحب الغير. في أحضان مقتربه البصري، ندرك جيدا بأن الماضي ليس إرثا جامدا، بل هو خزان حافل بالبدائل والإبدالات، وغني بالتعبيرات والإشراقات. الكل يحتكم لقاعدة الذوق الجمالي الشخصي. من هنا، فكل لوحة أفق مشرع على تجارب وحساسيات: أفق بصري مغاير جعل من المصالحة رهانا ومن الجديد عنوانا، ومن الإبداع ترحالا لا ينتهي في أقاليم شخوص الفنان التي تحيا بالطفولة وإليها تعود بحثا عن الغرابة واللامألوف. إن بعض وجوه العمري تشبهه قلبا وقالبا، فهي رسومات وحده يفك شفرتها، علما أنها انجذبت إلى اللوحة في زمن غير زماننا، حين يرسم يدخل إلى تكية التصوف والمكابرة، فلا يستقيم الرسم إلا بالبخور والجذبة والألوان الطبيعية، فهو يمنحك اللوحة غارقة في شطآن الأسئلة. أشكاله وألوانه وكائناته الصغيرة وحتى أحلامه الكبيرة والصغيرة تتخلص من الانطباعات الواقعية، ومن تقديس التفاصيل الصغيرة، وتحويلها إلى طقس من طقوس العبور نحو ملكوت الجمال الروحي. نحن بصدد شعرية الملامح والنظرات التأملية التي تتجاوز وثوقية الإدراك البصري المتواضع عليه، وتتحرر من صدمة الأحاسيس التعبيرية الموحشة. ولعل هذا القلق البناء هو ما يجعل متتبع مسار هذا الفنان العصامي المنخرط في دينامية المدرسة الفطرية، يحس بأنه لا يكتفي بما وصل إليه أو حققه من وضع فني اعتباري حتى الآن، فالفنان هو الذي لا يكرر ذاته، فالمجدوب يراهن على أفكار جديدة لتطويره تجربته الصباغية وجعلها منفتحة على آفاق واعدة.