أعلن إدريس اليزمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن المغرب حقق مكتسبات حقوقية مكنته من تدشين دينامية حقوقية جديدة بإحداث مؤسسة الوسيط، وخلق المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان (كرتوش) كما مكنته من دسترة الحقوق الثقافية واللغوية في أجندة السياسات العمومية في الدستور الجديد 2011. ونوه اليزمي، في عرضه الحقوقي، الذي قدمه أول أمس الاثنين بمجلس النواب، بخطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي تهدف إلى تمكين المغرب من إطار منسجم ومندمج للسياسات العمومية. وقال إن "جهود الإصلاح انطلقت منذ سنة 1999 عبر طي صفحة الماضي ومبادرة الإنصاف والمصالحة"، وتوجت المبادرات الحقوقية التي دشنها المغرب بإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وفتح ورش العدالة الانتقالية، من خلال إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، وتمكين المغرب من عناصر سياسة تروم توسيع الولوج إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، خاصة بالنسبة للفئات الهشة مع انطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وتقرير الخمسينية، وورش الجهوية الموسعة. وأعلن اليزمي أن المغرب تمكن من ملاءمة قوانينه المحلية مع ما تنص عليه الحقوق الكونية، عبر تعديل والمصادقة على نصوص تسمح بتوسيع مجال الحقوق والحريات، منها مدونة الأسرة في سنة 2004، وتعديل قانون الجنسية سنة 2007، وتعديل ومراجعة قوانين الحريات العامة سنة 2002، ووضع مدونة للشغل في سنة 2004، والتطوير المتدرج لقانون المسطرة الجنائية، والقانون الجنائي من خلال تجريم التعذيب في سنة 2006 والتحرش الجنسي سنة 2003، وإلغاء محكمة العدل الخاصة سنة 2004، والمصادقة على الاتفاقية الدولية للأشخاص في وضعية إعاقة والبروتوكول الاختياري الملحق بها سنة 2009، والمصادقة على الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري سنة 2013، والبروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب سنة 2013، وقرار المغرب برفع التحفظات عن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء. هيئة الإنصاف والمصالحة علامة فارقة في مجال الانتقال والتثبيت الديمقراطي أشاد اليزمي بتجربة هيئة الإنصاف والمصالحة، وقال إنها "شكلت علامة فارقة في مجال الانتقال والتثبيت الديمقراطيين وترسيخ دولة القانون عبر اعتماد الإصلاحات المؤسساتية والتشريعية والسياسية لضمان عدم تكرار انتهاكات حقوق الإنسان". وأفاد أن نجاح التجربة المغربية تحقق استنادا إلى التوافق الوطني القوي مباشرة بعد الخطاب الملكي بتاريخ 7 يناير 2004 بأكادير بمناسبة تنصيب الهيئة، حيث أكد جلالة الملك بأن التصالح مع الماضي هو "إنجاز من لدن شعب لا يتهرب من ماضيه ولا يظل سجين سلبياته، عاملا على تحويله إلى مصدر قوة ودينامية لبناء مجتمع ديمقراطي وحداثي يمارس فيه كل المواطنين حقوقهم وينهضون بواجباتهم بكل مسؤولية وحرية والتزام". وأوضح اليزمي أن المغرب تمكن من تعويض 26.063 شخصا من ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وذوي حقوقهم، بغلاف مالي وصل إلى 1.804.702.899,80 درهم إلى غاية 31 دجنبر 2013، من ضمنهم 5027 من الضحايا المتحدرين من الأقاليم الجنوبية بمبلغ مالي إجمالي مقدر ب 618.529.270,00 درهم، مبرزا أن التعويض شمل حتى الضحايا المدنيين الذين تعرضوا للاختطاف والاحتجاز لدى البوليساريو والبالغ عددهم 217 شخصا بمبلغ مالي إجمالي مقدر ب85.234.375,00 درهم. وبخصوص الإدماج الاجتماعي، أكد اليزمي أن عدد المستفيدين من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة بلغ 1306 حالات، منها 828 حالة تم تنفيذها، و335 حالة في طور التنفيذ، و118 حالة تبين بعد دراسة ملفاتها أنها استطاعت الاندماج ذاتيا، معلنا أن مجموع المستفيدين من توصية التسوية الإدارية والمالية بلغ 540 حالة، وتمت تسوية 366 حالة منها فعليا، فيما 72 حالة في طور التسوية، و102 حالة في طور الدراسة من قبل القطاعات الحكومية المعنية. وفي ما يتعلق بالتغطية الصحية، أوضح اليزمي أن عدد البطائق الصادرة عن الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي بلغت إلى حدود 31 دجنبر الماضي 7271 بطاقة لفائدة المؤمن لهم، فيما بلغ عدد المستفيدين من ذوي المؤمنين 15.690 تتكفل الميزانية العامة للدولة بتغطية تكلفتها المالية التي بلغت 11.833.000 درهم سنة 2012 وارتفعت سنة 2013 إلى 13.295.000 درهم. وأكد أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان أشرف على تتبع تنفيذ 149 مشروعا ب13 إقليما، في إطار جبر الضرر الجماعي، وشمل البرنامج أربعة محاور رئيسية تهم دعم قدرات الفاعلين المحليين، وحفظ الذاكرة وتحسين شروط عيش السكان، والنهوض بأوضاع النساء والأطفال، بغلاف مالي وصل إلى 159.799.892 درهما، مذكرا البرلمان بمساهمة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في إخراج مؤسسة أرشيف المغرب إلى حيز الوجود وإشرافه على إعداد العديد من المشاريع تتعلق بحفظ الذاكرة. وقال اليزمي إن "تفرد التجربة المغربية جعلها مصدر إلهام للجميع بعد التطورات الأخيرة بالمنطقة العربية والمغاربية"، مؤكدا وجود رغبة كبيرة للاستفادة من التجربة المغربية من طرف العديد من الدول، كاشفا أن المغرب استقبل أزيد من 22 وفدا من مختلف الدول العربية والإسلامية والإفريقية بغاية التعرف عن قرب على هذه التجربة وسبل الاستفادة منها. المغاربة حافظوا على الطابع السلمي لاحتجاجاتهم أكد رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن الاحتجاجات التي شهدتها مختلف المدن المغربية، خلال الثلاث سنوات الماضية، حافظت على طابعها السلمي ولم تشهد "عنفا إلا في حالات محدودة جدا". وأن أغلبية تلك الاحتجاجات لم تكن تستوفي الشروط القانونية والمتعلقة بضرورة التصريح القبلي. وأشار إلى أن المجلس قام بالتدخل الاستباقي في عدد من حالات التوتر التي "ترتبت عنها انتهاكات لحقوق الإنسان"، كما تابع محاكمة معتقلي أحداث الداخلة بمحكمة الاستئناف بالعيون سنة 2012، ومحاكمة المتابعين في إطار أحداث اكديم إزيك أمام المحكمة العسكرية الدائمة بالرباط سنة 2013. وقال إن "غياب أو ضعف التواصل لدى السلطات العمومية إبان الأحداث شكل أحد عوامل الاحتقان، خاصة في حالة الإشاعات التي راجت عن حالات وفيات غير صحيحة، نقلتها، في بعض الأحيان، بعض وسائل إعلام الكترونية أو مواقع تواصل اجتماعية خاصة، دون التحقق من صدقيتها". مؤكدا أن مسار حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، يقتضي تضافر جهود جميع السلط الدستورية كافة وتعاونها مع مختلف الفاعلين والمعنيين، كما تقتضي بناء تحالف مجتمعي واسع وداعم لهذا المسار، وإحداث المزيد من الانسجام والالتقائية في السياسات العمومية وتدخلات مختلف الفاعلين. اهتمام خاص بحقوق الإنسان بجهات الجنوب أكد اليزمي أن ملف حقوق الإنسان بالجهات الجنوبية للمملكة يحظى باهتمام خاص، وأن الجهود متواصلة لحل ما تبقى من ملفات جبر الأضرار لفائدة الضحايا السابقين أو ذويهم في إطار متابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، مشيرا إلى حصول 5.027 من ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الماضي وذوي حقوقهم، المتحدرين من الأقاليم الجنوبية للمملكة على تعويضات إجمالية بلغت 618.529.270 درهما، وذلك من بين 26.063 من الضحايا، سواء الذين صدرت لفائدتهم مقررات تحكيمية من هيئة التحكيم المستقلة للتعويض، أو الذين صدرت لفائدتهم مقررات تحكيمية من هيئة الإنصاف والمصالحة. كما تم رصد تعويضات مالية لفائدة 217 من الضحايا المدنيين، الذين تعرضوا للاختطاف واحتجزوا لدى البوليساريو، بلغت قيمتها الإجمالية 85.234.375 درهما. وأشار إلى أن المجلس ساهم في تأسيس متحف الصحراء بالداخلة، واهتم بالثقافة الحسانية، وأحدث مركز الدراسات الصحراوية، وساهم في إدماج الحسانية في المنهاج المدرسي. وأكد أن المجلس حرص على التعاطي مع شكايات وتظلمات المواطنين التي توصلت بها اللجان الجهوية الثلاث، وفقا لاختصاصاته ومنهجية عمله. وفي تحليله ل 933 شكاية توصلت بها اللجان الجهوية الصحراوية، قال إن "جزءا كبيرا منها يتعلق بمسلكيات بعض أعوان السلطة وبأوضاع السجون والمطالبة بالولوج إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية"، مشيرا إلى قيام اللجان الجهوية لحقوق الإنسان بالأقاليم الجنوبية بست زيارات تتبع للمؤسسات السجنية، وثلاث زيارات إلى المستشفيات، وثلاث زيارات إلى دور الأيتام ومراكز حماية الطفولة. واستعرض اليزمي بعض الجهود، التي قام بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في إطار النهوض بثقافة حقوق الإنسان والمواطنة وبناء قدرات مختلف الفاعلين، وأكد أن المجلس نظم 41 محاضرة وورشة و12 دورة تكوينية استفاد منها الأعوان المكلفون بإنفاذ القانون (قضاة، رجال أمن، الدرك)، إلى جانب تنظيم 44 جلسة عمل مع وفود دولية. وذكر بأن حرص المجلس ولجانه الجهوية، كآليات مستقلة ومحايدة للانتصاف الفعال وحماية وتعزيز حقوق الإنسان، "يندرج في إطار الاضطلاع بأدواره ووعيه العميق بالاختيارات الاستراتيجية ذات الصلة بحقوق الإنسان، كما حددها جلالة الملك محمد السادس من أجل تمكين سكان مختلف جهات المملكة بما فيها الأقاليم الجنوبية من الولوج إلى حقوقهم وحرياتهم الأساسية على قدم المساواة وبدون تمييز".