تأتي الزيارة التي يقوم بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، إلى تونس، حيث حظي باستقبال حار يليق بمكانة جلالته كقائد ملتزم بقيم الديمقراطية، لتشكل دعما ثابتا لهذا البلد المغاربي الذي يعيش انتقالا ديمقراطيا واعدا. كما تندرج في إطار النهج القويم الذي تتبناه المملكة، بقيادة جلالة الملك، للدفع بالعلاقات بين البلدين إلى مستوى شراكة استراتيجية، للإسهام في تعزيز خيار البناء المغاربي ونبذ الجمود القائم الذي يعتري مسيرة اتحاد المغرب العربي، انطلاقا من المصلحة المشتركة التي تفرضها التكتلات الإقليمية والدولية، ولمواجهة التحديات القائمة في المنطقة. ويرى المراقبون أن الزيارة الملكية، تنبع من يقين جلالة الملك وعزمه الأكيد على تعزيز عرى التلاحم الوثيق الذي ميز دائما علاقات شعبين تجمعهما أواصر التاريخ والثقافة والدين والمصير المشترك. ولم يترك أي شيء للصدفة، إذ كان مسؤولو البلدين واعين بضرورة اغتنام فرصة هذه الزيارة لطبع العلاقات الثنائية بطابع البراغماتية، خدمة لمصالح الشعبين الصديقين، وضمانا لمستقبل أكثر إشراقا في ظل الرخاء والأمن. وهكذا، جرى التوقيع على 23 اتفاقا للتعاون، في حفل ترأسه جلالة الملك والرئيس التونسي، شملت العديد من المجالات ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى. وهمت هذه الاتفاقيات التي تميزت ببعدها الاستراتيجي وتنوع وتعدد مجالاتها، (أمني، اقتصادي، اجتماعي) وعمقها وأفقها الاندماجي المغاربي، مجالات جديدة تهم قطاعي الطاقات المتجددة والبيئة، وقطاع المال، والنهوض بحقوق الانسان. وعكس التوقيع على هذه الاتفاقيات بشكل أساسي الانخراط المهم والنوعي للقطاع الخاص المغربي والتونسي، ممثلا في الاتحاد العام لمقاولات المغرب، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، وحرص المملكة على مواكبة المرحلة الانتقالية التي تعيشها تونس، وإغناء الإطار القانوني للتعاون الثنائي. وأضحى دعم التكامل من أجل إرساء قواعد شراكة قوية ودائمة، الروح التي تقود خطى الرباطوتونس الثابتة على درب بناء مستقبل سمته التجانس والرخاء المشترك. وولد التوافق التام بين البلدين خلال هذه الزيارة، أملا متجددا في أن يشكل المغرب وتونس قاطرة لإعادة إحياء مسلسل الاندماج بالمغرب العربي، وهو الهدف الذي يشكل خيارا استراتيجيا بالنسبة للمملكة للدفع قدما بالاندماج الجهوي الذي يظل السبيل الأوحد لتعزيز التنمية المستدامة. وفي هذا الصدد، أجمع المسؤولون التونسيون على أن الزيارة الملكية ستكون لها انعكاسات إيجابية للرقي بالتعاون الاقتصادي الثنائي واستغلال الفرص الواعدة المتاحة أمام القطاع الخاص في البلدين، سواء في ما يتعلق بالإمكانات المهمة أو الموارد البشرية الكفأة، وهو ما سيساعد حتما البلدين لتعزيز خيار التنمية وبلوغ التحديات المشتركة. وعلى المستوى السياسي، حققت الزيارة الملكية نجاحا باهرا، عكسته إشادة المسؤولين التونسيين بمستوى التوافق والتشاور الذي طبع مباحثات جلالة الملك مع المسؤولين التونسيين. كما شكل الخطاب الملكي في المجلس الوطني التأسيسي التونسي، لحظة تاريخية، في مسار العلاقات الثنائية، بالنظر إلى حمولته الاستراتيجية ومضامينه المهمة للدفع قدما بالعلاقات المغربية التونسية في شتى المجالات، وتعميق الاندماج الاقليمي الذي يعد شرطا أساسيا لا محيد عنه لتعزيز البناء المغاربي وتحقيق طموحات شعوب المنطقة. وكان باجي قائد السبسي، رئيس حزب "نداء تونس"، وأحد رجالات الدولة التونسية الكبار، واضحا حين أكد عقب الاستقبال الذي حظي به من طرف جلالة الملك، يوم الأحد المنصرم، بمقر الإقامة الملكية بتونس العاصمة، أن مساندة جلالة الملك للانتقال الديمقراطي في تونس، "تطمئننا وتحفزنا للمضي قدما نحو المستقبل". وأضاف قائد السبسي أنه "لمس لدى جلالة الملك تقديرا كبيرا لتونس وللشعب التونسي"، معربا عن اعتزازه ب"الدعم الثابت" الذي يقدمه جلالة الملك لبلاده. وجاء الاعتراف نفسه على لسان مصطفى بن جعفر، رئيس المجلس الوطني الانتقالي التونسي، الذي أكد أمام جلالة الملك أن تونس "تتابع باهتمام كبير مسلسل الإصلاحات الديمقراطية بالمملكة المغربية في كل الميادين، وتعرب عن إرادتها للاستفادة من تجربة المغرب الغنية والرائدة في العالم العربي في مجال البناء الديمقراطي". وحرص جلالة الملك خلال هذه الزيارة على ربط الماضي بالحاضر، وإبراز الأواصر الوطيدة التي ميزت العلاقات التاريخية بين شعبي البلدين، من خلال استقبال جلالته لنجل الراحل فرحات حشاد، رئيس مؤسسة فرحات حشاد، التي تعنى بالدراسات والأبحاث التاريخية، ولأرملة الراحل. وأشار نور الدين حشاد، في تصريح للصحافة، إلى أن هذا الاستقبال الذي حظي به من قبل جلالة الملك، شكل مناسبة لتجديد التشبث بالعلاقات التاريخية بين الشعبين، المغربي والتونسي، مذكرا بأن الالتحام بين الشعبين تجلى في أبهى حلله يومي 7 و8 دجنبر 1952 عندما خرج سكان مدينة الدارالبيضاء في مظاهرة حاشدة ضد المحتل الفرنسي عقب اغتيال فرحات حشاد، أحد الوجوه البارزة في المقاومة في بلدان المغرب العربي. وتشكل هذه التصريحات التي أطلقتها شخصيات تونسية وازنة، شهادة أخرى نوعية على الالتزام الراسخ لجلالة الملك بقيم الديمقراطية والحداثة، ومبادرات جلالته النيرة التي تؤطر السياسة الخارجية للمملكة على كل المستويات. وتوجت هذه الزيارة بإصدار بيان مشترك، أكد العزم الراسخ للبلدين على العمل من أجل الارتقاء بمستوى التعاون الثنائي وإثراء مضامينه وتنويعه، بما يستجيب لتطلعات الشعبين الشقيقين، ويحقق التقدم والنماء في البلدين، ويتيح إقامة علاقات متينة ونموذجية تكون رافدا أساسيا لمسار مسلسل الاندماج المغاربي (و م ع).