في سياق تطور الأوضاع، بعد سلسلة من القرارات، التي اتخذتها الحكومة، مثل الزيادة في سعر المحروقات وفق نظام المقايسة، وإعادة ترتيب البيت في قطاع النقل وأيضا استمرار ارتفاع ضحايا حوادث السير، وتحمل المسؤولية في وزارة التجهيز والنقل مع وزارة جديدة منتدبة، أجرت "المغربية" حوارا مع محمد نجيب بوليف، الوزير المنتدب المكلف بالنقل بوزارة التجهيز والنقل واللوجيستيك، تطرق من خلاله إلى مجموعة من المواضيع المثيرة للنقاش، المرتبطة بمشاكل النقل ووضعية الشبكة الطرقية ومشاريع الوزارة، إضافة إلى الظروف السياسية، التي تشتغل فيها الحكومة، ومدى تأثر الانسجام الحكومي بالمشهد السياسي والحزبي في البلاد، خاصة بعد تشكيل الحكومة الثانية خلال الولاية التشريعية الجارية. بوليف، قال إن عملية تعويض سائقي سيارات الأجرة جارية على قدم وساق مع الإدارة الترابية على صعيد الأقاليم والعمالات، واعترف بأن قانون 1963 المنظم لقطاع النقل أصبح متجاوزا، مؤكدا أن إصلاحه يجري على مراحل ويتطلب حوارا جادا ومسؤولا من قبل كل الأطراف. وعن الشبكة الطرقية، سلط الوزير الضوء على منجزات المغرب في مجال الطرق السيارة، التي بلغ طولها 1416 كلم حتى أواخر 2013، كما تطرق إلى أسباب حوادث السير المباشرة وغير المباشرة في ظل الجهود المبذولة لوقف نزيف الطرقات، إضافة إلى مواضيع أخرى. بعد الزيادة في سعر المحروقات، قررت الحكومة، في شتنبر الماضي، صرف تعويضات لسائقي سيارات الأجرة، مقابل عدم الزيادة في سعر التنقل، أين وصلت الإجراءات؟ وما هي الفئات المستهدفة؟ ومتى ستطبق هذه التعويضات؟ - الموضوع يتعلق بنظام المقايسة، الذي يخضع لزيادات، كما حصل تخفيضان منذ ذلك الحين. واتخذت الحكومة إجراءات عملية للتقليص من حجم التكاليف بالنسبة لمهنيي الطاكسيات. وساهم البعض من هؤلاء في ملء الوثائق الضرورية للاستفادة، والعملية جارية على قدم وساق مع الإدارة الترابية على صعيد الأقاليم والعمالات. تبنت الحكومة مخططا لإعادة هيكلة قطاع النقل، وسمعنا عن إلغاء نظام "الكريمات" وتعويضه بنظام يقوم على التعاقد والشركات والامتثال لدفاتر التحملات، أين وصل هذا المشروع؟ وما هي العقبات التي تعترض تطبيقه؟ - منذ أكثر من 50 سنة وقطاع النقل يعيش على إيقاع تدبير أوصلنا للحالة الحالية، ولا يخفى أن انتقادات عدة توجه لهذا التدبير، سواء تعلق الأمر بالمأذونيات أو بحكامة القطاع، فقانون 1963 المنظم للقطاع أصبح متجاوزا في بعض بنوده، الأمر الذي دفع الحكومة إلى التفكير الجدي في ضرورة إصلاح القطاع على مراحل، وبدأت من جديد حوارا شاملا مع ممثلي قطاع نقل المسافرين، حددنا فيه "رؤية الإصلاح"، و"مضامين الإصلاح"، ونحن الآن بصدد التفصيل في "عقد البرنامج"، الذي من المفروض أن ينظم علاقة الإدارة بالقطاع. كما عملنا على أن تكون دفاتر التحملات والتعاقد هي أساس استغلال رخص النقل بالنسبة للنقل السياحي ونقل المستخدمين والنقل المدرسي والنقل المزدوج. يقتسم "الكريمة" صاحب الرخصة والسائق، وفي بعض الأحيان هناك طرف ثالث، هو المستأجر، وحسب معظم السائقين، يعتبر السائق الطرف المتضرر، هل هناك مشروع للاعتناء بوضعية سائقي سيارات الأجرة والشاحنات والحافلات؟ - هناك متدخلون عديدون في رخصة/مأذونية الاستغلال، فهناك صاحبها والمكتري (70 في المائة من الحالات)، والأجير أو السائق، الذي يمارس النقل. ومداخيل الرخصة تُقْتَسَم بطريقة أو بأخرى بين هؤلاء. وفي ما يخص الشاحنات، منذ سنة 2003، كان هناك تحرير للقطاع، واعتمدت إجراءات لدعمه، وبالنسبة للحافلات، حدد قانون المالية منحة لتجديد الحظيرة، ومنحة لتكسير الحظيرة، ومنحة ثالثة لتأهيل المقاولة، وكلها أمور تخدم المتدخلين الثلاثة في نقل المسافرين. كما بدأنا منذ أكتوبر 2013 برنامجا طموحا لتكوين السائقين على مستجدات السير والسلامة الطرقية، وضبطنا آليات البطاقة المهنية، وسنعمل خلال "عقد البرنامج" على إدماج السائقين في برنامج للتغطية الصحية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وضبط ساعات العمل وساعات الراحة، والرفع من مهنية السائقين، والتفكير في برامج اجتماعية تؤهلهم للانخراط في المنظومة الاجتماعية الوطنية. تشكل النقابات الناشطة في قطاع النقل قوة ضغط مهمة، والتحاور معها صعب، فما هي المواضيع والمجالات التي تصبح فيها النقابات عقبة في وجه الإصلاحات؟ - منظورنا للحوار مع المهنيين في قطاع النقل هو أنهم شركاء للدولة، بمعنى أن علينا جميعا أن نعمل على دعم المشترك بيننا، وأن نكون بنائين، وأن ننظر إلى الجانب الممتلئ من الكأس. أما الإضرابات والاحتجاجات، فلا يجب أن تكون وسيلة عمل بل تعبيرا، في آخر المطاف، عن عدم الرضى عن مضمون الحوار أو عن عدم تفعيله. والحمد لله، منذ التحاقي بالوزارة منذ 3 أشهر، تعاملتُ مع العديد من التمثيليات النقابية بقطاع النقل، وهناك تبادل إيجابي للآراء وحوار بناء. في الفترة الأخيرة، أحصت مصالح الأمن في بريطانيا 4 قتلى في الطرقات وثارت بشأن ذلك ضجة إعلامية كبرى مصحوبة بنقاش ساخن في البرلمان، وفي المغرب وصل عدد ضحايا الطرق، سنة 2012، إلى 4222 قتيلا وأصيب 12500 بإصابات خطيرة، وأصيب 100 ألف آخرون بجروح طفيفة، ما هي قراءتكم لهذه الأرقام؟ - بخصوص حوادث السير، انطلقت الاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية منذ 10سنوات، وعملت الحكومات السابقة على أجرأتها من خلال المخططات الاستراتيجية المندمجة، ونحن الآن في مخطط 2013-2016. وتعطينا الإحصائيات، بالفعل، لوحة سوداء عن واقع حوادث السير بالمغرب، وهذا تحد حقيقي يجب أن نرفعه، فالإشكالية معقدة، وترتبط بالبنية التحتية وبالحالة الميكانيكية للعربات، لكن أساسا بالعنصر البشري، إذ أن أكثر من 4 حوادث من أصل 5 هي بسبب العنصر البشري، وبالتالي، وجب التركيز عليه تحسيسا وتربية وزجرا، وهي مسألة مجتمعية تهم الوزارة الوصية ولجانها المختلفة، كما تهم المؤسسات التربوية، وهيئات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية... ولن نصل للمبتغى إذا حصرنا محاربة حوادث السير في طرف واحد، لكن هذا لا يعفينا من القول إنه، خلال سنة 2013، انعرج المنحنى التصاعدي لحوادث السير، إذ قلصنا عدد القتلى بحوالي 9 في المائة، وبالرقم نفسه بالنسبة للمصابين بجروح بليغة. بعد تطبيق مدونة السير، لم يتغير شيء على أرض الواقع، فإلى ماذا يحتاج الأمر لوقف النزيف في الطرقات؟ - سبق أن قُلْتُ إن الأمر أعقد من نص قانوني أو مدونة السير، وقدمت في الجواب السابق الرؤية العامة للإصلاح، لكن أشير هنا فقط أنه، بمجرد دخول مدونة السير حيز التطبيق سنة 2010، انخفضت خلال 4 أشهر الموالية نسبة الحوادث بنسبة مدهشة، ثم ما لبثت أن عاودت الارتفاع، وهذا أمر يستحق الدراسة والتحليل. اعتمدت لجنة الوقاية من حوادث السير على العمل التحسيسي منذ تأسيسها، وهذا لم يغير من الواقع شيئا، بل أصبحت إعلاناتها مألوفة مثل باقي الوصلات الإشهارية، هل هناك تفكير جدي لتغيير طريقة عملها لتكون لها نتائج ملموسة؟ - لجنة الوقاية من حوادث السير تقوم بعمل جبار، وتنوع أنشطتها وعملها وتربط الاتصال بجميع المؤسسات التي يكمن أن تساعد في ذلك. سنخرج خلال بداية هذه السنة وصلات إشهارية خاصة، وبرنامجا من 3 دقائق حول موضوع معين، يخص حوادث السير، وشريطا تمثيليا لفنانين مغاربة كبار للتعامل مع هذه الظاهرة. كما برمجنا مؤسسات تربوية معينة لإدماج مخطط تكويني في الموضوع، ونعمل على تأسيس مراكز للتدريب على السياقة في الحالات الصعبة، وغير ذلك من المستجدات التي أصبحت عمليا مؤسساتية، ولم تبق مجرد تحسيس آني وظرفي. كم هي مسافة الطرق السيارة في المغرب، وما هي مشاريع الوزارة بشأن زيادة وتوسيع شبكة الطرق السيارة؟ وما هي مشاريع تثنية الطرق الثانوية والرئيسية وإصلاحها، والمناطق التي يتركز عليها الاهتمام في المرحلة الحالية؟ - يتوفر المغرب على حوالي 57400 كلم من الطرق، أكثر من 10 آلاف كلم منها طرق وطنية، وحوالي 10 آلاف طرق جهوية، وأكثر من 21800 كلم طرق إقليمية، بينما تصل الطرق السيارة إلى 1416 كلم أواخر 2013، والمشاريع الكبرى الحالية تخص 230 كلم من الطرق السريعة، بمبلغ 1.8 مليار درهم (تنضاف إلى 736 كلم الحالية المنجزة بمبلغ 5.1 ملايير درهم، تهم مناطق سلوان-وأحفير)، والعرائش، والقصر الكبير، وتزنيت-بورصة البواكر، وتازة-الحسيمة). وهناك مشاريع تخص الطريق الوطنية رقم1 (بين تزنيت والداخلة)، وط.و 10 (بين أكادير والرشيدية) وط.و9 (بين آيت ورير وزاكورة)، وط.و13 (بين أزرو والطاوس)، وط.و 15 (بين أوطاط الحاج وميدلت)... وهناك طرق جهوية قيد الأشغال (مثلا: ط.ج 307 جهة دمنات وسكورة، ط.ج 601 تاليسنت بني تجيت، وط.ج 708 بين آيتخوجمان وكرامة). هذه نماذج فقط، لأشير إلى أن جميع جهات المغرب معنية بالإصلاح والإحداث. كما ندرس مشروع نفق "تيشكا"، ونعمل على 357 كلم من الطرق السيارة الجديدة (كرسيف-الناظور، البيضاء-برشيد، بني ملال-مراكش-آسفي، برشيد-الجديدة، أكادير-كلميم، بني ملال-فاس...)، وهي إما في إطار البناء أو الدراسة. كما أن هناك برنامجا طموحا للطرق القروية، ونعمل على إطلاق الأوراش لحوالي 2345 كلم لإتمام برنامج PNRR2...وعندنا برنامج PRR3 في أفق 2035 يشمل كامل ربوع المملكة. دخل مشروع القطار فائق السرعة حيز التنفيذ، وهناك أصوات تطالب بإيصال القطار العادي إلى مدينة أكادير؟ ماذا عن هذا المشروع؟ - مشروع القطار فائق السرعة بلغ حوالي 50 في المائة من البنية التحتية في الإنجاز. وعبئت كل الجهود ليكون في الموعد، رغم عراقيل نزع الملكية ومشاكل أخرى. وليس هناك تنافسية بين القطار فائق السرعة (الذي له تمويله الخاص والذي لم يكن ليذهب لمشاريع الخطوط العادية) والقطار العادي، ونحن نطور العمل على كل هذه الجبهات بمبالغ استثمارية مهمة. تحتل عملية العبور في الصيف أهمية بالنسبة لكل المتدخلين من شركات النقل البحري والجمارك والأمن، ما هي استعدادات الوزارة لاستقبال مغاربة المهجر الصيف المقبل؟ - نبدأ الاستعدادات في فترة مناسبة، والحمد لله تمر الأمور لحد الآن على أحسن ما يرام، وعملنا على فتح باب استغلال الخطوط البحرية الشمالية لفترة كافية، حتى لا يتأثر موسم الصيف بذلك، ونحن بصدد دراسة الملفات المقدمة للإعلان عن الشركات التي ستستغل هذه الخطوط. عملتم خلال "الطبعة الأولى" من الحكومة وزيرا مكلفا بالشؤون العامة للحكومة، والآن، انتقلتم إلى حقيبة قطاع النقل، أين تشعرون بجسامة الملفات؟ - العمل الحكومي منسجِم في الأصل، والوزير له دور تدبيري وازن، لكن دوره السياسي في القرارات مهم أيضا، فالإدارات في عمومها لا تتغير كثيرا، وبالتالي عمل الوزير وطاقته في ذلك وقدرته على تحريك الملفات وتفعيل الإدارة هي الأساس في تقييم العمل. في الشؤون العامة والحكامة، كانت هناك ملفات أفقية قديمة، كالمقاصة والاستثمار، واستطعنا أن نقدم فيها إجابات (نظام المقايسة، تحسين تصنيف المغرب في مناخ الأعمال ب 10 مراتب)، وهناك ملفات أفقية جديدة، كالحكامة، استطعنا أن نفتح بشأنها حوارا، وأن نعيد فيها رؤية استراتيجية للعمل. أما قطاع النقل، فيهم جميع المغاربة، في البحر والجو والطرق والسكك الحديدية، وملفاته بحجم مؤسساته العمومية (المكتب الوطني للسكك الحديدية، والخطوط الملكية المغربية، والمكتب الوطني للمطارات، والوكالة الوطنية للموانئ ANP...) وبحجم الأهداف الكبرى الواجب تحقيقها: إصلاح قطاع النقل البري، والرفع من السلامة الطرقية، وتوفير أسطول وطني بحري، ودعم الشركات الوطنية في النقل الجوي... إنها ملفات كبرى ذات حساسية أرجو الله أن يعيننا على معالجتها بالتدرج المطلوب والمهنية الضرورية. هل كان انتقاليا إراديا أم جاء بقوة الواقع، في إطار إعادة ترتيب البيت الحكومي بعد انسحاب حزب الاستقلال؟ - حزب العدالة والتنمية فوض لأمينه العام التفاوض بشأن إخراج الحكومة الثانية، وكل الاحتمالات كانت واردة بالنسبة للأمانة العامة للحزب، ولم تَكُن أبدا المواقع والمناصب هي التي نتحدث فيها وعنها في لقاءات القيادة، بل كنا نتدارس الأهداف الكبرى والمبادئ، التي يجب أن نحترمها في التعديل الحكومي، وكذلك كان. لو طلب منكم الحديث عن الانسجام الحكومي، أيهما أفضل حكومة بنكيران الأولى أم الثانية؟ - داخل الحكومة لم تكن عندنا مشاكل البتة مع وزراء حزب الاستقلال، وليست لدينا مشاكل حاليا بخصوص الانسجام بين جميع المكونات الوزارية، نعمل، كل من موقعه، وفق الأجندة المحددة، وإن كانت الصعوبات التي تعترض عملنا لم تختلف في المحطتين، وانتظارات المواطن تزداد يوما بعد يوم. كيف يحصل التنسيق مع زميلكم في الحكومة، عزيز الرباح، وأين خطوط التلاقي والافتراق في المهمات المسندة إليكما؟ * نعمل في تكامل تام مع الأخ الوزير رباح، وقبل أن نعمل بالوزارة، اشتغلنا مع بعضنا في الحزب لسنوات، وبالتالي، ليست هناك أي مشاكل تُذكر بهذا الصدد، إنها أمور إدارية وَجَبَ ترتيبها وضبطها، ليحصل التنسيق مائة في المائة. بعد مضي سنتين على مشاركتكم في الحكومة وتعاطيكم للملفات عن قرب، ما هي قراءتكم للمستقبل؟ هل أنتم متفائلون جدا، أم متفائلون بحذر، أم قلقون على مستقبل البلاد؟ * أنا بطبعي دائما متفائل، لكن بطبعي أيضا دائما حَذِر، ولا أقبل التعثر وعدم الإنجاز، وأكره الفشل، وبالتالي، أعمل كل ما بوسعي حتى لا أقع فيه ولا يقع فيه من هم حولي. وأخاف على بلدي من أن تفشل التجربة، الأمر الذي يضاعف من حجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا. لقد بدأنا تجربة "الإصلاح في إطار الاستقرار" بعد دستور 2011، هناك من لم يَرْتَحْ بعد لهذه التجربة ويريد وأدها، وهناك الكثيرون الذين يُسَاندونها، ونُهَنَّأ من طرف الجميع خارج بلدنا، أولئك الذين ينظرون إلى ما يحصل بالمغرب، وهذا أمر يساهم في دعم التجربة. وختما أقول إن الإصلاح ممكن، لكنه يبدأ من النفس، لينتقل للمحيط، لينتقل للمجتمع، ولا يحسبن أحد أن الإصلاح هو عمل الآخرين فقط، ودوره هو الاستفادة من تبعات الإصلاح فقط، فلننهض جميعا، كل من موقعه، بهذا العبء الكبير، ولنبصم مستقبل بلدنا ببصماتنا الإيجابية الإبداعية الإصلاحية. إن المركب الكبير، المغرب، يسير، وليس من مصلحة أي عاقِل أن يتعثر أو يصيبه عطب، لا قدر الله.