انطلقت صباح اليوم الخميس بالرباط، أشغال الدورة الثانية للمنتدى الوزاري العربي للإسكان والتنمية الحضرية، المنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس تحت شعار "تنفيذ الخطة الحضرية الجديدة في المنطقة العربية". وتميزت الجلسة الافتتاحية للمنتدى، التي حضرها على الخصوص رئيس الحكومة سعد الدين العثماني وزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي مولاي حفيظ العلمي وممثلو منظمات دولية وعربية، بالرسالة السامية التي وجهها جلالة الملك للمشاركين والتي تلاها مستشار صاحب الجلالة عبد اللطيف المنوني. ودعا جلالة الملك، في هذه الرسالة، لبلورة رؤية جماعية مشتركة، حول منظومة متكاملة لإعداد التراب تقوم على الاستشراف، وتروم ترشيد استغلال المجال والموارد المتاحة، مؤكدا جلالته أن هذه المنظومة ستساهم في إعادة التوازن للشبكة الحضرية، وتقوية قدراتها على التكيف والتأقلم مع مختلف التحولات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتكنولوجية، مع العمل على تقليص الفجوة بين المجالات الحضرية والأحياء الهامشية والمناطق القروية. وشدد جلالة الملك على ضرورة إرساء “أسس تعمير يقوم على مراعاة الهويات، والخصوصيات المحلية و"التفكير في اعتماد آليات جديدة ومبتكرة، لصياغة منظومة حضرية جديدة، تتوخى تمكين مواطنينا من مقومات العيش الجيد"، داعيا إلى ضرورة خلق "بيئة نظيفة تنسجم وضرورات النمو الاقتصادي، وتخطيط عمراني ذكي يكون الإنسان منطلقه وغايته". وفي كلمة خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى، استعرض رئيس قطاع الشؤون الاقتصادية بجامعة الدول العربية، كمال حسن علي، أهمية تعزيز دور المناطق الحضرية كمراكز للفرص الاقتصادية، وتحسين ممارسات الإدارة الحضرية عن طريق تعزيز التدابير اللازمة للتخفيف من المظاهر المتوقعة للتغيرات المناخية، ودعم تبادل الخبرات في المنطقة العربية والتعاون مع بقية دول الجنوب، مؤكدا على ضرورة تطوير سياسات وطنية حضرية متكاملة لتعزيز القدرة التنافسية، خاصة بالمدن الثانوية التي يمكن أن تشكل محركات للنمو الاقتصادي وعامل جذب للاستثمار ومصدرا لإحداث فرص العمل. ودعا المسؤول في الجامعة العربية إلى توسيع دور ومسؤوليات السلطات المحلية في نظام الإدارة والحكامة الحضرية متعددة المستويات، معتبرا أن المنتدى الوزاري العربي يعد آلية عربية للتشاور بين مختلف الفاعلين في مجال الإسكان، وأرضية لتبادل المقاربات والرؤى لضمان التنفيذ السليم لأهداف التنمية المستدامة، وكذا منبرا للتفاعل لوضع الخطط والبرامج الكفيلة ببلورة دينامية متجددة ومندمجة. من جهته، أكد المدير التنفيذي لبرنامج الأممالمتحدة للمستوطنات البشرية (موئل الأممالمتحدة)، السيد جون كلوس، على ضرورة تغيير العقليات في مجال إعداد التراب، معتبرا أنه يتعين التحلي بالشجاعة الضرورية لتدبير مجال التعمير بشكل يجعله محركا لدينامية النمو وخلق الثروات وتحقيق، مستعرضا الجهود الأممية في مجال تأمين العيش الكريم للساكنة عبر العالم، وتحقيق التنمية المستدامة. وفي كلمة بالمناسبة، تطرقت كاتبة الدولة المكلفة بالإسكان، فاطنة لكحيل إلى أهمية نشر الوعي بمساهمة التنمية الحضرية المستدامة، والحاجة لطرح رؤى جديدة للتعامل مع قضايا التنمية إجمالا والإسكان على الخصوص، مركزة على أهمية تفعيل العمل التشاركي من أجل تحسين إطار عيش المواطنات والمواطنين، وكذا تبني سياسات طموحة لتدبير أفضل للمجال، وأيضا وضع خطط وطنية للمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. واستعرضت أيضا الجهود التي يبذلها المغرب، خاصة في مجال تكثيف العرض السكني وتبسيط الإطار التشريعي للتهيئة الحضرية، فضلا عن تقليص مظاهر العجز والهشاشة، وأيضا على مستوى الحكامة الحضرية التي شهدت تقدما هاما بتفعيل الجهوية المتقدمة التي جعلت من الجهات أقطابا للتنمية. واعتبرت لكحيل أن المنتدى الوزاري العربي للإسكان يشكل فرصة لتبادل التجارب والممارسات الفضلى، في إطار جهود تعزيز أواصر التعاون الإقليمي. ويشكل المنتدى، الذي تنظمه وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة بشراكة مع جامعة الدول العربية والمكتب الإقليمي للدول العربية التابع للبرنامج الأممي، فرصة للمنطقة العربية للتداول حول سبل المضي قدما نحو تعزيز التحضر كعامل أساسي نحو تحقيق التنمية المستدامة. كما يسعى المنتدى، الذي تميزت جلسته الافتتاحية بعرض شريط يستعرض المجهودات التي يبذلها المغرب في مجال الإسكان والتعمير وإعداد التراب ومحاربة السكن غير اللائق، إلى مناقشة التحديات الحالية والناشئة التي تواجه البلدان العربية من أجل تفعيل الاستراتيجية العربية للإسكان والتنمية الحضرية المستدامة 2030، والتي تعد بمثابة رؤية المنطقة نحو تنفيذ الخطة الحضرية الجديدة وأجندة الأممالمتحدة للتنمية المستدامة 2030. وهكذا، تتطرق الجلستان العامتان لوضع التحضر المستدام في المنطقة العربية وأيضا لتنفيذ الخطة الحضرية الجديدة، فيما تناقش جلسات المحاور مواضيع تهم على الخصوص “ضمان حصول الجميع على السكن الملائم والميسر والخدمات الأساسية وتحقيق رفاهة العيش”، و"ضمان تحقيق عدالة التنمية والشمولية الاجتماعية"، و"تخطيط مستقرات بشرية متكاملة في جميع بلدان المنطقة العربية"، و"تطبيق مبادئ الإدارة الحضرية الرشيدة وبناء القدرات لتخطيط وإدارة المستقرات البشرية"، و"تحسين استدامة البيئة الحضرية والقدرة على مجابهة التغيرات المناخية وحماية الثروات الطبيعية"، وكذا "تعزيز إنتاجية المدن لتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة على المستويين الوطني والإقليمي". كما تتناول الجلسات والأحداث الجانبية للمنتدى، الذي يعرف حضور أزيد من 300 مشارك، بما فيها وفود وزارية تمثل 20 دولة عربية، فضلا عن ممثلين عن المنظمات الدولية والمجتمع المدني والسلطات المحلية والقطاع الخاص والهيئات الأكاديمية، مواضيع تهم السياسات والآليات المحلية والوطنية لتوفير السكن الملائم ومستويات معيشة أفضل للجميع في الدول العربية، مع مراعاة الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وتأثير الأزمات والصراعات المستمرة في المنطقة. ويعقد مجلس وزراء الإسكان والتعمير التابع لجامعة الدول العربية اجتماعه الرابع والعشرين، يوم 23 دجنبر الجاري بالرباط لمناقشة أعمال المجلس، وتبني إعلان الرباط الذي سيضم التوصيات والاستنتاجات الرئيسية الصادرة عن جلسات المنتدى من أجل تنفيذ الخطة الحضرية الجديدة في المنطقة العربية.