إن شعبا بدون ذاكرة شعب بدون تاريخ، والذاكرة الوطنية الموثقة تضمن الاستمرار للأوطان في تعاقب الأجيال، تلك الأجيال التي من حقها أن تعرف تاريخ أجدادها وروموز وطنه. رجلالات المقاومة وجيش التحرير، الذين ستشهدوا ، والذين رحلو ، والذين شاخوا بيولوجيا لهم على الجميع حق الاعتراف ورد الحميل عبر ثوتيق ملاحمهم الوطنية. الحلقة الثانية أمام هذه الوضعية المتردية، صاغ المخزن سياسة ترتكز على المحافظة على التفاف الشعب حول السلطان، ليس بمواصلة الحركات ضد المتمردين كما كان الشأن من قبل، وليس بإثارة الخصومات والعداء بين القبائل، لكن بأسلوب آخر هذه المرة، هو تعيين قواد محليين، قادرين على فرض احترام سلطة المخزن، ولتطبيق هذه السياسة اعتمد على زعماء القبائل الذين أبانوا عن كفاءة عالية في تطويع القبائل. وفي هذا الإطار عين موحا أوحمو قائدا على زيان سنة 1886م من قبل السلطان مولاي الحسن، كما وقع تزويده بفرقة من الجيش المخزني، قوامها 300 جندي وبثلاثة مدافع. وخارج زيان، واجه خصومه الجنوبيين، أشقيرن وما إليهم، حتى سلموا له القياد، بعد أن هدم عليهم احد مداشرهم، ثم انتقلت المعارك إلى الشمال واشتبك مع خصم عنيد، هو الشريف مولاي عبد الواحد الأمراني، الذي كان نفوذه يشمل كثيرا من قبائل المغرب الأوسط، إذ نازلته المحلة الزيانية بناحية مريرت، فوقعت معارك كثيرة اضطر فيها موحا أوحمو إلى طلب النجدة من المخزن، فانهزم الشريف وتراجع إلى مركزه بأمسمرير (ناحية ولماس) ولحق به موحا أوحمو، وتوالت المعارك بشدة إلى أن أصيب الشريف برصاصة أردته قتيلا وفرت عنه جموعه. وفي سنة 1887، رافق السلطان في حملة عسكرية تأديبية ضد قبائل سخمان، الذين فتكوا بالأمير مولاي سرور، عم السلطان، ومنذ هذا التاريخ، وبعدها تبين لهذا الأخير بعد نظر القائد الزياني فجعله مستشارا له في شؤون الأطلس المتوسط، وفوض له أمر تنصيب وتعيين قواد القبائل في هذه المنطقة. اتسعت إيالة القائد الزياني بفضل مساندة المخزن، فشملت، بالإضافة إلى قبائل زيان، قبائل أخرى كثيرة امتدت، شرقا، إلى بيت يوسي، وغربا إلى آيت ورا، وفي الهضبة، من ولماس إلى أزرو، ومن خنيفرة إلى لقباب. وعندما أخذ المغرب يخطو الخطوات الأولى نحو ضياع استقلاله الوطني، كان موحا بدأ يوحد خلفه جماهير الفلاحين، على مسافات واسعة من البلاد، تمتد من أعالي نهر أم الربيع إلى السهول الأطلنتية. ففي سنة 1908، ذهب إلى الشاوية للجهاد ضد جيش الاحتلال الفرنسي، ولمؤازرة قبائل الشاوية، لكنه سرعان ما رجع إلى بلاده ومن الشاوية إلى سهول سايس، وخاض معارك طاحنة بزمور وزعير، منها معركة تافودايت (أبريل 1912) ببلاد زمور، ومعركة أكوراي ببلاد كروان (ماي 1912) جنوبمكناس، ومعركة الزحيلكة بتراب زعير، ومعركة إيفران بسيدي عبد السلام بتراب بني مطير(يونيو 1912)، ومعركة وارغوس (1913) في ماحية وادي زم. يستنتج من هذه المعارك التي وقعت خارج بلاد زيان أن موحا أوحمو استطاع أن يستقطب المجاهدين الرافضين الاستسلام للمحتلين، والمناهضين للتدخل الأجنبي، بدءا من العساكر الذين رفضوا الخدمة العسكرية تحت سلطة المدربين الفرنسيين الذين جاؤوا من قبائل مختلفة، كزعير، وزمور، وكروان، والذين التحقوا بزيان لتعزيز صفوف المقاومة، وبذلك أصبحت بلاد زيان قاعدة للجهاد ضد التدخل الفرنسي الاستعماري. أما الشق الثاني من مقاومة موحا أوحمو، فانطلق غداة احتلال خنيفرة (12 يونيو 1914)، وكان منذ هذا التاريخ وإلى نهاية الحرب في أوربا، يحاصر الفرنسيين داخل عاصمته. ويكفي الوقوف عند بعض المعارك التي أربكت العدو، وأثرت على جنوده تأثيرا نفسيا كمعركة أقلال (30 يونيو 1914)، ومعركة تكط (7 يوليوز 1914)، ومعركة تازورت موخبو(20 غشت 1914) كلفت القوات الفرنسية أربعين قتيلا. على أن أكبر انتصار حققه موحا أوحمو، هو الانتصار الذي انتزعه في معركة لهري (13 نونبر 1914)، التي كان لها صدى عميق، ليس فحسب في المغرب كله، بل كذلك في فرنسا، رغم التعتيم الإعلامي. فقد استطاع أن يحطم جيش الكولونيل لوفيردير تحطيما كاملا، ويحوله إلى جثث من القتلى وأجسام الجرحى، انتشرت على أرض قرية لهري الصغيرة، ويغنم جميع المدافع والرشاشات، وعددا كبيرا من البنادق. وحاولت إدارة الحماية استمالته بشتى الإغراءات ففتحت المفاوضات معه، من خلال طرف ثالث وكان هدف المفاوضات أن ينضم إلى مشروع الحماية، كما انضم إليه أمثاله من كبار القواد. لكن أيا من المبعوثين لم يفلح في إقناعه، وكان جوابه "لن أرى مسيحيا إلا من خلال فوهة بندفيتي وأصبعي على زناد الرمي". هكذا ظل موحا أوحمو يناضل في سهول خنيفرة، وفوق ضفاف نهر أم الربيع إلى أن استشهد في معركة أزلاك نتزمورت بجبل تاوحكالت يوم 27 مارس 1921.