يشتد المرض ببعض الناس فيضطرون إلى إجراء عملية جراحية، بعدما يتعذر عليهم العلاج بالأدوية، غير أن هناك إجراءات تدعو المريض إلى اتباعها لتنتهي قصته مع المرض في ظروف مريحة تخلو من تبعات سلبية، وتضمن له سكونا نفسيا بعد استرجاع العافية. طاقم طبي يجري عملية جراحية "المغربية"، تحدثت إلى الطبيب محمد علي برادة، أخصائي في أمراض النساء والتوليد حولها، كما عاشت تفاصيل عملية جراحية بمصحة خاصة في الدارالبيضاء، حيث يخضع المريض إلى مراحل متعارف عليها في العمل الطبي، يكون فيها الطبيب الجراح وطبيب التخدير والإنعاش والممرضون والقائمون على المصحة، فاعلين حقيقينن في إنجاح العملية، مع الإرادة الذاتية للمريض المعززة بالمشيئة الإلهية. ولأن المرء يجبر أحيانا على الخضوع لعملية جراحية بإحدى المصحات، ارتأت "المغربية"، رصد بعض المشاهد من المصحة حتى يطمئن كل فرد دفعه وضعه الصحي الاستثنائي للعلاج عن طريق الجراحة، في ظل التطور الطبي الذي أصبح يختزل على المرضى الكثير من العناء الصحي. ليس أثقل على الفرد الشعور بالعجز الصحي، فهنا تختل قواه الذاتية وتشوش نفسيته بشكل لم يكن ليدرك قيمة السلامة البدنية والذهنية، إلا بعد خوض تجربة مرض قد يكون مفاجئا أو بدت بعض أعراضه لفترات من الزمن، لتدفعه الحاجة إلى زيارة عيادة طبيب مختص، تساعده خبرته المهنية في تشخيص طبيعة المرض وحجم خطورته وكيفية العلاج منه. وبين الطبيب المشرف والمريض صلة نفسية تسهل العلاج بعد إجراء العملية، هذه الصلة تتمثل في ثقة المريض بكفاءاته طبيبه، إذ أن خبرة هذا الأخير بموازاة أسلوبه السلس في التخاطب مع مرضاه تهيئ إلى أن يخطو المريض مراحل العلاج بمعنويات عالية. يتحول المرض الذي يعانيه الفرد إلى أمر حتمي العلاج غير مثير للخوف،عندما يحسن الطبيب المشرف التواصل معه، بشكل يبسط في نظر المريض حالته الصحية على نحو واضح وشفاف، فتقديم كل الممكنات والاحتمالات للمريض قبل خضوعه للعملية، يعفي المريض من التوجس، كما يعفي الطبيب من الحرج أمام مريضه، خاصة أن بعض الأمراض تصاحبها بعض المفاجآت أثناء إجراء العملية. ولهذا يحرص الطبيب عادة على وضع المريض في صورة متكاملة عن ظروف عمليته، إلا إذا كان الأمر بسيطا، فثمة يؤكد الطبيب أن ظروف العملية ستكون سهلة لا تستدعي القلق من أي مضاعفات. استعانت "المغربية" بموازاة ولوجها لإحدى المصحات لمعرفة كواليس إجراء عملية جراحية، بالحديث مع محمد علي برادة، أخصائي في أمراض النساء والتوليد، الذي أوضح بأسلوب ينم عن بعد إنساني وخبرة مهنية أن أي مريض أجبر لوضعه الصحي على إجراء عملية جراحية، إلا وكان حري به استشارة طبيب مختص، الذي يعرض عليه مجموعة من الإجراءات وجب على المريض اعتمادها لتيسير شفائه من المرض. المرحلة الأولى عندما يتفاجأ الفرد بأعراض مرضية، ينتبه إلى ضرورة استشارة طبيب مختص، يؤكد له مدى صحة اعتقاده بأنه مريض يحتاج إلى حل طبي، أو يدحض له شكوكه ليعود أدراجه دون أدنى تخوفات. وخلال الزيارة يقع بين المريض والطبيب تواصل يكون فيه هذا الأخير أكثر إنسانية ومهنية، ليرسم في مخيلة المريض صورة شاملة لوضعه الصحي، حتى يستعد لجميع الاحتمالات، إذ أن طريقة الطبيب في التخاطب مع المريض تشكل عاملا قويا في اطمئنانه وتعزيز ثقته بالخبرات الطبية في العلاج والاستشفاء، خاصة إذا كانت الوسيلة عن طريق إجراء عملية جراحية. وحين يؤكد الطبيب لمريضه أن علاجه رهين بخضوعه لعملية جراحية، يحاول تبسيط الأمر له بشروحات ليست بالضرورة أن تفصل في حيثيات العملية بقدر ما تعطي للمريض فكرة عامة عن ظروفها، وهنا يلتزم الطبيب أيضا بمده بمعلومات حول الوثائق المطلوبة إداريا بالمصحة، إن كان يتمتع بتأمين صحي، حتى لا تكون الإجراءات الإدارية عائقا أمام إجراء العملية في الوقت الذي يحدده الطبيب وفق الحالة المرضية المعروضة عليه، خاصة إن كانت الحالة لا تقبل التأخير. وفي غضون توضيح الطبيب لظروف العملية، يرشد مريضه إلى بعض الاحتياطات من قبيل قدوم المريض صائما إلى المصحة، بحكم أن الجراحة تستدعي الصوم، في وقت يكون الطبيب اطلع على تحاليل المريض، التي أجريت بإرشاد منه، حتى يتسنى له معرفة فصيلة الدم وكذا التأكد من أن جسم المريض يخلو من أي استثناءات صحية مثل فقر الدم أو مرض معين. عندما يتبين للطبيب أن مريضه على استعداد للعملية الجراحية نفسيا وكذا بعد الاطلاع على كشوفاته الصحية وتحاليله، يبقى على المريض القدوم إلى المصحة وفق الموعد المحدد بينه وبين طبيبه. تعد هذه المرحلة مهمة بالنسبة للمريض، إذ أن التجاوب الحاصل مع الطبيب له دور في أن يمنح المريض الشحنة النفسية التي تساعده على تقبل المراحل الأخرى بارتياح وتفاؤل في نجاح العملية. المرحلة الثانية غالبا ما يتوجه المريض إلى المصحة في وقت باكر باتفاق مع الطبيب حتى يتهيأ لولوج غرفة العمليات، في حين تُرتب إدارة المصحة وثائق العملية التي سبق للمريض أن حضَرها بتنسيق مع مؤسسة التأمين الصحي والمصحة. وفي ظل توفر جميع الشروط الإدارية بالمصحة التي تسمح بحجز غرفة العمليات له، يرافق أحد الممرضين المريض إلى غرفة مستقلة عن غرفة الجراحة، حيث يتأهب المريض نفسيا وجسديا للانتقال إلى هذه الأخيرة، في هذه الأثناء يحرص الممرضون على أن يكون المريض مجردا من ملابسه الخاصة، لتعوض بقميص أبيض خفيف وغطاء يستره خلال تمدده على سرير طبي متحرك، يكون مركونا بهذه الغرفة إلى حين توصلهم بإشعار من الطاقم الطبي المشرف على الجراحة لدفعه في اتجاه غرفة العمليات. قد يبقى المريض لفترة وجيزة بهذه الغرفة مترقبا لحظة نقله للجراحة، والمدة متوقفة على استعداد الطاقم الطبي لاستقباله بغرفة العمليات، وهنا يجد المريض نفسه معزولا عن الجميع، قد تراوده أفكار تشوش على نفسيته بحكم أنه مقبل على الجراحة، غير أن ذلك التواصل الذي سبق له مع طبيبه في العيادة قد يحضر في مخيلته من جديد ليسعفه على الاطمئنان والتفاؤل. فلحظات ترقب ولوج غرفة العمليات تطرح لدى المريض العديد من التساؤلات وتصور له الكثير من المشاهد التي ترتكز على أجواء العملية الجراحية، خاصة أنه يصبح محصورا، ولا مفر له من التراجع. يبقى على الممرضين أو الممرضات في هذه المرحلة أن يشجعوا المريض نفسيا على العملية من خلال حسن المعاملة، والتأكيد له بنبرة هادئة أنه مقبل على عملية بسيطة لا تدعو للقلق والخوف، إذ أن الحوار الذي قد يجري بين الممرضين والمريض، يحسسه بأنه لن يلج عالما مخيفا بقدر ما سيكون منفذا له يخلصه من المرض المشوش على راحته. فمرحلة تهييء المريض إلى غرفة العمليات، تعزز من جديد لديه الشعور بأن الاطمئنان، إذا أحطيت به أجواء مريحة ومشجعة، ليتأهب لاكتشاف عالم "غرفة العمليات" باستقرار فكري وهدوء نفسي. المرحلة الثالثة يجد المريض نفسه متنقلا عبر السرير الطبي المتحرك الذي تجره إحدى الممرضات صوب غرفة العمليات باستعمال المصعد، ومجرد ولوج الغرفة يتجدد لقاءه بطبيبه الخاص الذي يستفسر عن أحواله ويعبر له بشكل ضمني أن ظروف العملية ستكون جيدة لا تبعث على القلق، يجري تحويل المريض من الكرسي الطبي المتحرك إلى سرير الجراحة المجهز بالمعدات والأدوات الطبية. وفي هذه الأثناء يحيط به الممرضون أو الممرضات لتحضيره بآليات الجراحة، من بينها كماشة طبية تمسك بالسبابة لقياس نسبة الأكسجين في الدم، وكذا الأربطة الموصولة بالصدر لمراقبة مستويات دقات القلب، إضافة إلى الإبرة المثبتة على الوريد والمزودة بمادة التخدير، ثم الأنبوب الموصول بالحلقوم لتزويد المريض بالتنفس الاصطناعي، وهذا الأنبوب لا يثبت إلا بعض أن يجري تخدير المريض كليا، ليشرع الطاقم الطبي في الجراحة. وفي غرفة العمليات، يحضر الطبيب الجراح وطبيب التخدير والإنعاش وبعض الممرضين، ويحرص طبيب التخدير على استفسار المريض إن كان يعاني من حساسية معينة، أو يداوم على تناول أنواع من الأدوية، في وقت يكون قد اطلع على كشوفات تحاليله وتعرف على وضعيته العامة من خلال طبيبه المشرف. يتهيأ الممرضون بإيعاز من الطبيب الجراح وطبيب التخدير، لتحضير كل اللوازم الخاصة بالعملية، ويستطيع المريض أن يتابع قبل تخديره بعض التدابير الجارية في غرفة العمليات، وهو يتحدث مع الممرضين الذي قد يلهونه بالحوار عن التركيز في المعدات الطبية الخاصة بالجراحة، ليتجاهل المخاوف الذي قد تراوده رغما عنه. وفي هذه المرحلة يبقى طبيب التخدير والإنعاش حريصا على متابعة أطوار العملية من خلال تفحصه للأجهزة المتعلقة بدقات القلب والأوكسجين، ولا يغادر غرفة الجراحة إلا بعد انتهاء الطبيب الجراح من العملية والتقين من أن المريض يتأهب لاستعادة وعيه، في حين يتأكد الطبيب الجراح أن ظروف الجراحة مرت على ما يرام، لينقل المريض على غرفة الاستيقاظ. وتعد المرحلة التي تجري في غرفة الجراحة حاسمة بالنسبة للمريض إذ عن طريقها يتخلص من عبء المرض، ليستأنف وضعا جديدا تخلو من أي إكراه بدني، لكن تبقى المراحل الموالية مهمة لإتمام علاجه بشكل صحيح. المرحلة الرابعة في لحظة معينة، بعد الخروج من غرفة العمليات، يجد المريض نفسه في غرفة الاستيقاظ التي ينقله إليها إحدى الممرضات، في هذه المرحلة يستيقظ المريض تدريجيا ليتلاشى مفعول التخدير، ويسترجع وعيه وإدراكه بمحيطه، كما يستعيد نشاط تنفسه الطبيعي بعد أن يزال أنبوب التنفس الاصطناعي، ليظل المريض لفترة وجيزة في غرفة الاستيقاظ تحت إشراف الممرضين المكلفين، كما قد يطمئن عليه طبيب التخدير والإنعاش للتأكد من أنه لا يشكو من أي مضاعفات ناجمة عن التخدير مثل التغيب عن الوعي لمدة طويلة أو اختناقه أو ما يمكن أن يعيق ظروف استعادة وضعه الطبيعي. ولأن المريض يكون في هذه المرحلة غير قادر على التركيز بشكل كبير، فإن قواه البدنية تكون ساكنة، ليشعر بارتخاء شديد وهدوء أعصابه، بل يشعر برغبة في نوم طويل دونما الإحساس بأي ألم في موضع الجراحة. كما يحرص الممرضون في هذه الأثناء على أن ينعم المريض باستقرار نفسي، بعدما خضوعه للجراحة، ولهذا قد تبادر إحدى الممرضات بالتعبير للمريض عن نجاح عمليته، وأنه لا مجال للارتياب من أي مضاعفات، حتى تساعده على الشعور بالثقة أن وضعيته الصحية قابلة للتحسن في وقت وجيز. وبعدما يتبين للممرضات أن المريض استعاد وعيه بالكامل وقادر على التمييز بين الأمور ومحيطه، تدفع إحدى الممرضات سريره الطبي المتحرك من جديد إلى غرفة الاستشفاء، لتلقي بعض العلاجات الخفيفة. ففي هذه المرحلة يظهر للمريض أنه اجتاز مرحلة الحرج، فبمجرد مغادرته لغرفة العمليات يشعر مع نفسه أن مقبل على الشفاء وأن المسالة تتعلق بالوقت لا أكثر، بعدما استعاد وعيه وحواسه وقدرته على الحركة بشكل طبيعي. المرحلة الخامسة ينتقل المريض إلى غرفة الاستشفاء، قصد مده بجميع العلاجات الطبية المصاحبة للعملية الجراحية، من قبيل مده ب"السيروم" (مواد القيت)، كتعويض عن الأكل، إلى جانب بعض الأدوية أو الحقن، عند شعور المريض ببعض الآلام الناجمة عن الجراحة، وفي هذه المرحلة يحاول المريض بإيعاز من الممرضين استعادة حيويته، بصرف النظر عن بعض الآلام الخفيفة التي ترافق تلاشي مفعول التخدير على الجسم. يكون المريض في يومه الأول بغرفة الاستشفاء، غير قادر على التحرك بشكل عاد، لكن النوم والاسترخاء لساعات يساعده على الارتياح، خاصة أن جسم المريض ما يزال متأثرا بمفعول التخدير، ولهذا تتجدد قدرته على التركيز بعد النوم. في غرفة الاستشفاء، تلتزم الممرضات بمراقبة وضعية المريض، وتلبية خدماته كمساعدته على التمدد وفق الوضعية التي تشعره بالراحة، كما تسهر الممرضات على العناية به وتمكينه من كل احتياجاته. ويتوافد الزوار على المريض في غرفة الاستشفاء للاطمئنان على وضعه، وهنا يشعر أنه تخطى مرحلة المرض ليقبل على الشفاء بحماس يتعزز بدعم ومساندة زواره، ولأن حالته تكون عادية لا تدعو للخوف، فالزيارة تكون متاحة له في كل الأوقات ما يؤكد للمريض أنه في وضع طبيعي، وأن العملية الجراحية كانت وسيلة خلصته من المرض. ففي مرحلة الاستشفاء، يسعى المريض إلى أن يستجمع قواه قدر الإمكان بالراحة، في وقت يطلق العنان لذاته، فيتقبل نفسيا وضعيته الصحية الراهنة ليستطيع تجاوز حالته المؤقتة في وقت وجيز. المرحلة السادسة بعد أن يظل المريض في الغرفة الاستشفاء، تحت مراقبة الممرضات أو الممرضين بتوصيات من الطبيب الجراح، وبعد أن تتضح لهم أن حالته الصحية لا تستدعي المكوث في المصحة، ما عدا ليلة أو ليلتين، يغادر المريض المصحة في اتجاه بيته وفي هذه المرحلة، يصبح واجبا عليه الخلود للراحة مع الاستعانة ببعض الأدوية وفق وصفات الطبيب، التي تكون عبارة عن مسكنات ومضادات حيوية وأحيانا بعض الفيتامينات، تحفز الجسم على استئناف نشاطه بشكله الطبيعي، بعيدا عن الإكراهات الجانبية للعملية الجراحة. ويبقى على المريض في هذه الحالة أن يأخذ جميع الاحتياطات اللازمة، لإنجاح سيرورة العملية الجراحية التي وُفق فيها، فالتزام الفراش لفترات وجيزة إلى جانب تناول الأدوية بانتظام حسب إرشادات الطبيب، هي عوامل تعجل في شفاء المريض بعد أن تخطى مرحلة الجراحة، ولهذا فغالبا ما يتحفظ المريض عن التحرك كثيرا أو التنقل إلى حين شعوره بأن الجسم استعاد نشاطه وقوته، لتجنب أي تبعات قد تعيق العلاج. في هذه المرحلة قد يتوافد الزوار على المريض للاطمئنان عليه، غير أن وضعه الصحي يكون ما يزال بحاجة إلى الراحة والاسترخاء، بعيدا عن أي تشويشات، اعتبارا إلى أنه كلما خلد المريض إلى الراحة على نحو تام كلما استطاع الشفاء في وقت قصير.