عندما يبدأ الحديث عن أنجح المحترفين المغاربة عبر التاريخ، تقفز مجموعة من الأسماء إلى الذهن، بفضل مسيرتها المتألقة على مدى سنوات عديدة في صفوف أكثر من ناد بالقارة العجوز. البعض يصنف عميد الأسود السابق، نور الدين النيبت، على رأس قائمة الناجحين، بحكم أنه لعب في أربع بطولات لها وزنها على الصعيد الأوروبي، ويتعلق الأمر بالدوري الفرنسي (نانط)، ثم البرتغالي (سبورتينغ لشبونة)، وبعده الإسباني (ديبورتيفو لاكورونيا)، وأخيرا الإنجليزي (توتنهام)، والبعض الآخر يتحدث عن الودادي الثاني، عزيز بودربالة، الذي أبدع هو الآخر في ثلاثة دوريات، وتحديدا بسويسرا، وفرنسا، والبرتغال، وهناك من عاد سنوات كثيرة إلى الخلف، ليقول إن الأفضل سيظل دوما هو العربي بنمبارك، الذي أبدع وأمتع مع فريقين عملاقين، هما أولمبيك مارسيليا الفرنسي وأتليتكو مدريد الإسباني. عموما تختلف الآراء وتتعدد المقترحات، ليبقى الأهم أن قائمة أنجح المحترفين المغاربة في القارة العجوز تشمل الكثير من الأسماء، من بينها الدولي السابق مصطفى يغشى، الذي ظل وفيا للدوري السويسري، حيث قضى أكثر من 15 سنة متنقلا بين أكثر من فريق، غير أنه فضل أن يعيش بمدينة جنيف، التي تعلق بها تماما مثل تعلقه بمنطقة دكالة التي ينتمي إليها، ومثل تعلقه بدرب السلطان، حيث قضى طفولته، وتحديدا قرب سينما "الملكية"، وتشبثه الكبير بمدينة الدار البيضاء، التي قضى بها جزءا مهما من حياته، ويكفي أنه عاد ليستقر بها، وإن كان اختار هذه المرة منطقة عين السبع. في هذه الأوراق، سنحاول النبش في حياة مصطفى يغشى، وسنعمل على سبر أغواره، لتقريب قرائنا من واحد من نجوم الأمس، الذين تألقوا لسنوات، ويكفي أنهم يحظون بسمعة كبيرة في بلاد المهجر. "أصلي دكالي، ولدت في دار بوعزة يوم 7 نونبر 1952، وبعدها انتقلت أسرتي للعيش بمدينة الدارالبيضاء، وتحديدا بدرب السلطان، قرب سينما الملكية"، هكذا بدأ مصطفى يغشى حديثه معنا، مؤكدا أنه الثاني في ترتيب أربعة إخوة، وقال "لدي أخت تكبرني سنا، وللإشارة فقط فهي أم اللاعب الرجاوي السابق، محمد منعم، ولي أيضا أخت تصغرني وأخ أصغر، نور الدين، الذي لعب الكرة لبعض الوقت، لكنه تركها مبكرا، بسبب ميوله الفني، إذ التحق بإحدى الفرق الموسيقية". في مدرسة أنقرة تلقى مصطفى تعليمه الأساسي، قبل أن يلتحق بعد ذلك بإعدادية المتنبي، في منطقة روش نوار، ويقول بهذا الخصوص "اخترت الانتقال إلى إعدادية المتنبي لمواصلة دراستي الإعدادية والثانوية، لأنني اخترت المجال التقني. كنت آمل في الحصول على ديبلوم يسهل علي أمر اقتحام عالم الشغل، خصوصا أنني كنت أحرص على الجمع بين ممارسة كرة القدم والدراسة، وكنت أرى في البطولة المهنية مجالا رحبا لتحقيق المراد، لذلك كنت مصرا على التحصيل العلمي حتى لا أجد صعوبة في دخول ميدان العمل". كان مصطفى يغشى يهتم بمجال الميكانيك العام، إضافة إلى الرسم، ورغم موهبته في مجال كرة القدم، إلا أنه كان يؤمن بأن ممارسة الكرة وحدها لا تكفي لتأمين العيش الكريم، ويقول بهذا الشأن "أنا من أسرة متواضعة، كنت أدرك جيدا أن والدي رحمه الله يجد ويكد لكي يضمن لنا قوت يومنا، ولذلك كنت أرغب في أن أشتغل حتى يمكنني مساعدته في إعالة أفراد الأسرة. صراحة لم يكن رحمه الله يمانع في أن أمارس كرة القدم، لكنني كنت أرفض أن أنساق وراء الممارسة فقط وأن أترك مستقبلي الدراسي، لذلك حرصت على التوفيق بين الممارسة الرياضية والتحصيل العلمي". تفوق يغشى في مسعاه وتمكن من الحصول على ديبلوم تقني كان كافيا لتأهيله لدخول ميدان الشغل في سن مبكرة، وتحديدا في سن الخامسة عشرة، عندما التحق بالبطولة المهنية واشتغل بشركة "سوماتام" المختصة في صناعة الجلد، إذ انضم إلى فريقها، الذي كان وقتها يلعب ببطولة القسم الثاني. ويعود النجم الدكالي سنوات طويلة إلى الوراء ويقول "كنت ألعب مع الفريق، نهاية كل أسبوع، وأشتغل في الوقت نفسه داخل الشركة التي التحقت بها في البداية للاستفادة من تدريب فقط. كنت أحصل على منحة الفوز بعد كل مباراة (50 درهما للمباراة)، ثم 50 درهما أسبوعيا، وبالطبع كنت أعطي لوالدي نصف المبلغ لمساعدته في التغلب على تكاليف العيش، علما أن سومة الكراء لم تكن وقتها مرتفعة في درب السلطان، وبالتالي كانت 50 درهما تكفي لتلبية حاجيات الأسرة لمدة 4 أو 5 أيام". في الحلقة المقبلة لاعب فرقة ولاد السينما الملكية