مع تكرار حالات اغتصاب واختطاف في حق أطفال أبرياء في الآونة الأخيرة٬ لن يكون تخليد اليوم الوطني لحقوق الطفل (25 ماي) مجرد مناسبة للاحتفاء بالطفولة باعتبارها رمزا للأمل ومرادفا للمستقبل المشرق٬ ولكن سيشكل، أيضا، وقفة للتأمل في واقع الطفل المغربي وتقييم الجهود المبذولة من أجل النهوض بحقوقه من أجل مغرب "جدير بأطفاله". فقد اهتز الرأي العام الوطني، أخيرا، على وقع جريمتي اختطاف وقتل الطفلتين فطومة في ربيعها الثالث بتارودانت٬ وسليمة ذات الأربع سنوات بأكادير٬ وقبلها تعرض الطفل أسامة بتزنيت ووئام بسيدي قاسم لعملية اغتصاب٬ وهي مآسي تجرعت مرارتها أسر الضحايا في مجتمع تعتبر فيها الاعتداءات الجنسية (طابوهات) وتعد وصمة عار بالنسبة للأسر، فضلا عن انعكاساتها الصحية والنفسية على الطفل. هذه المآسي التي تم فيها اغتصاب براءة الطفولة٬ لابد أن ترخي بظلالها على احتفال أطفال المغرب بهذا اليوم٬ وتدق ناقوس الخطر بخصوص مستقبل براعم الغد٬ الذين لم تقيهم المبادرات المتخذة من قبل القطاعات الحكومية وفعاليات المجتمع المدني شر الاعتداءات المتنامية التي أضحوا عرضة لها. باتت مشاعر الخوف والقلق تسيطر على الآباء خشية تعرض فلذات أكبادهم للاعتداءات التي أضحت كابوسا تقض مضجعهم٬ والتي دفعت بأسر الضحايا والفاعلين الجمعويين والحقوقيين إلى الخروج في مسيرات "بيضاء"٬ وأثارت نقاشا عموميا حول فعالية التدابير المتخذة لحماية الطفولة. لا يمكن إنكار الجهود التي ما فتئ المغرب يبذلها منذ توقيعه على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل سنة 1993 من أجل تطوير وتوسيع نطاق حقوق الطفل وحمايتها. في هذا السياق٬ عملت المملكة على ملاءمة تشريعاتها الوطنية مع المواثيق الدولية٬ عبر إدخال مجموعة من التعديلات همت بالأساس مدونة الأسرة٬ ومدونة الشغل٬ والقانون الجنائي٬ والمسطرة الجنائية٬ وقانون كفالة الأطفال المهملين٬ وقانون الحالة المدنية. كما تم تعزيز مجموعة من الآليات الرامية لترسيخ وحماية حقوق الطفل٬ تمثلت أساسا في إحداث مؤسستي المرصد الوطني لحقوق الطفل وبرلمان الطفل ومراكز حماية الطفولة إلى جانب اعتماد سياسة القرب كأداة للتدخل لدعم الشراكة مع المنظمات غير الحكومية٬ وجمعيات المجتمع المدني التي تضطلع بدور فعال في مجال حماية الطفولة. وشكل إعداد الخطة الوطنية للطفل 2005/2015، تحت شعار من أجل مغرب جدير بأطفاله٬ إنجازا مهما على درب ترسيخ حقوق الطفل بما تضمنته من تدابير وإجراءات لحماية الأطفال من كل أشكال الاعتداءات والاستغلال الجنسي. وتضمن الدستور الجديد مقتضيات تروم النهوض بأوضاع الأطفال وأسرهم٬ ما شكل تحولا كبيرا على مستوى التعاطي مع قضايا الطفولة. فلطالما أكد الفاعلون في المجال ضرورة توفير ضمانات أكبر لحماية حقوق الأطفال على جميع الأصعدة٬ وكذا على إحداث مؤسسات فاعلة تشكل منبرا لهم للتعبير عن آرائهم والتداول بشأن أنجع السبل الكفيلة بتنفيذ برامج ناجعة تعود بالنفع على المجتمع المغربي برمته. غير أن هذه التدابير رغم أهميتها تظل غير كافية أمام تدني العديد من المؤشرات ذات الصلة بالوقاية والحماية٬ وهو واقع يسائل واضعي السياسات العمومية ومجموع المتدخلين والفاعلين في الميدان عن مواطن الخلل التي أدت إلى تنامي ظاهرة الاعتداءات الجنسية على الأطفال. في هذا الصدد٬ يرى رئيس جمعية منتدى الطفولة، عبد العالي الرامي، أن حالات الاغتصاب والاختطاف التي شهدها المغرب أخيرا٬ تشكل تهديدا للمجتمع مع تزايد مشاعر الخوف لدى الآباء على أبنائهم من جرائم الاغتصاب والاختطاف٬ مؤكدا أنه ينتظر من الحكومة "اتخاذ إجراءات فعلية لطمأنة الرأي العام". وأضاف٬ في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء٬ أن تضافر جهود جميع المتدخلين دون استثناء٬ وتحسيس الأطفال٬ وفرض عقوبات رادعة ضد الجناة٬ تدابير ضمن أخرى يتعين اتخاذها٬ مؤكدا على ضرورة الإسراع بإخراج المجلس الاستشاري للأسرة والطفل الذي نص عليه الدستور الجديد إلى حيز الوجود. وأكد أن التقرير الذي أصدره، أخيرا، المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول مراكز حماية الأطفال "يعكس جانبا آخر من واقع الطفولة القاتم يسائلنا جميعا"٬ داعيا إلى إحداث مندوبية سامية مكلفة بمراكز حماية الأطفال. وكان هذا التقرير أشار إلى أن إيداع الأطفال في مراكز حماية الطفولة "غير ملائم لقواعد ومعايير اتفاقية حقوق الطفل والمبادئ التوجيهية لعدالة الأحداث". واعتبر هذا الفاعل الجمعوي أن تخليد اليوم الوطني للطفل مناسبة، أيضا، لإثارة الانتباه إلى وضعية الأطفال المحتجزين بمخيمات تندوف في انتهاك سافر لحقوق الإنسان٬ موجها نداء إلى المنتظم الدولي لكي يتحمل مسؤوليته في حماية هؤلاء الأطفال الذين يواجهون حصارا يسد منافذ الأمل أمامهم بعد أن حرموا من فرص التعليم والصحة والحق في حياة آمنة. ورغم الصورة القاتمة لواقع بعض الأطفال بالمغرب٬ يبقى اليوم الوطني للطفل مناسبة للقيام بالنقد الذاتي والوقوف على مكامن الضعف٬ لتحقيق المزيد من المكاسب لهذه الشريحة من المجتمع٬ باعتبارها الرأسمال البشري الذي يجب أن نهيئ له الظروف المواتية لضمان سلامته وأمنه وصيانة حقوقه.(و م ع)