سجل التقرير السنوي لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن المغرب ينظر إليه في الوقت الراهن، باعتباره البلد الأكثر تأهيلا لتقديم نموذج عربي للإصلاح السياسي والديمقراطي. وأوضح التقرير، الذي أطلق أمس الخميس، بالقاهرة تحت عنوان "الآم المخاض" أن المؤسسة الملكية في المغرب سعت دائما إلى امتلاك زمام المبادرة السياسية في تجاوب تام مع مطالب المنظمات الحقوقية والقوى الديمقراطية، وهو ما أهل هذا البلد ولأزيد من عقد من الزمن، ليحتل مكانة أفضل في ما يتعلق بسجل حقوق الإنسان، مقارنة مع غيره من الدول العربية. وذكر التقرير، الذي يرصد وضعية حقوق الإنسان في المنطقة العربية لعام 2012، أن الملك الراحل الحسن الثاني انتهج قبل رحيله مقاربة ديمقراطية للتناوب على السلطة، وكلف أبرز رموز المعارضة بتشكيل الحكومة، وهو ما أتاح حينها انفتاحا واسعا من قبل السلطات المغربية على منظمات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني، التي شهدت مرحلة من الازدهار. وأضاف التقرير أنه بعد تولي صاحب الجلالة الملك محمد السادس حكم البلاد٬ استجاب لمطالب المنظمات الحقوقية، وأعطى دفعا قويا للكشف عن حقيقة ما عرف بانتهاكات الماضي الجسيمة، من خلال تبنيه مقاربة للعدالة الانتقالية تؤسس لنمط من العدالة التصالحية. وبناء على ذلك٬ يضيف التقرير٬ تأسست هيئة مستقلة للإنصاف والمصالحة، أنيط بها الكشف عن الحقيقة في انتهاكات الماضي، وتعويض الضحايا ورد الاعتبار لهم وتقديم التوصيات المناسبة، لإحداث قطيعة نهائية مع كل أنماط انتهاكات حقوق الإنسان. وأشار تقرير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان إلى أنه مع انطلاق ما يسمى برياح الربيع العربي سنة 2011، سعت المؤسسة الملكية إلى احتواء تداعياتها عبر مبادرة تشكيل لجنة لصياغة دستور جديد للبلاد بنصوص أكثر عصرية٬ تنحاز إلى تأكيد الطابع التعددي للمجتمع في مجال الدين واللغة والثقافة وتكرر الإشارات المرجعية إلى حقوق الإنسان ومواثيقها الدولية. وموازاة مع ذلك، يرصد التقرير كيف أن السلطات المغربية أبدت قدرا نسبيا من التسامح مع حركات الاحتجاج السياسي، ودعا في المقابل السلطات للتعامل بمرونة مع الاحتجاجات الاجتماعية وتوسيع دائرة حرية الرأي والتعبير. يذكر أن التقرير السنوي الخامس لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان يرصد وضعية حقوق الإنسان في الوطن العربي، وتأثير تداعيات الربيع العربي على فرص تعزيز حقوق الإنسان وآفاق التحول نحو الديمقراطية. كما يرصد التقرير آليات التعامل مع اتساع حركة الاحتجاج السياسي والاجتماعي وحدود الانفراج أو التضييق على حريات التعبير والحريات الإعلامية وطبيعة الضغوط والتهديدات التي تلحق المنظمات الحقوقية والمدافعين عن حقوق الإنسان والضغوط على الحريات الدينية وحقوق الأقليات الدينية والمذهبية والعرقية ومعايير إهدار المحاكمة المنصفة، خاصة في المحاكمات التي تحركها دوافع سياسية. وأولى تقرير هذا العام اهتماما خاصا برصد الانتهاكات الجسيمة المرتكبة من قبل أطراف غير تابعة للدولة والتي ازدادت وتيرتها بشكل خاص في البلدان التي تعيش أوضاعا انتقالية غير مستقرة٬ والتي يعززها الانفلات الأمني وسعي بعض فصائل الإسلام السياسي لفرض سطوتها السياسية على الخصوم وفرض تصوراتها المعتقدية على المجتمع٬ فضلا عن نزوع بعض الأطراف لاستخدام العنف لمواجهة القمع الحكومي أو لمواجهة بعض ممارسات فصائل الإسلام السياسي.