نظم المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بفاس، بتعاون مع مركز قانون الالتزامات والعقود، وجمعية أطلس سايس لحماية البيئة والمستهلك، يوما دراسيا حول موضوع "الأمن القانوني والقضائي لحماية المستهلك"، في 30 مارس الماضي، برحاب كلية الحقوق بفاس. جانب من الندوة (خاص) استهلت أشغال اليوم الدراسي بكلمات افتتاحية لنور الدين التجكاني، نيابة عن عميد كلية الحقوق بفاس، الذي رحب بالجهات المنظمة، مؤكدا على أهمية تنظيم هذا اللقاء الذي يأتي احتفاء باليوم العالمي للمستهلك وفي إطار انفتاح الجامعة على محيطها. وتناول الكلمة لعبد الحميد أخريف، عن مركز الالتزامات والعقود، الذي تقدم بتعريف وتذكير بالمخاطر على الأمن القانوني. وفي كلمته نيابة عن جمعية أطلس سايس، ذكر عبد العزيز العتيقي، بتاريخ كلية الحقوق بفاس الرائد في مجال حماية المستهلك منذ سنة 1993، وبظروف وتطور نشأة وحدة قانون الاستهلاك والمنافسة وتأسيس كونفدرالية جمعيات حماية المستهلك بالمغرب. وأوضح محمد الأكحل، رئيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بفاس، أن جمعية نادي قضاة المغرب حاضرة في هذا اللقاء كترجمة لأهدافها المتمثلة في الدفاع عن حقوق وحريات المواطنين، من خلال عدد من القضاة الممارسين، ويجسد ذلك رغبة الجمعية في الانفتاح على الجامعة في أفق اتفاقية شراكة المكتب الجهوي بفاس مع مركز الالتزامات والعقود. وفي كلمته عن اللجنة التحضيرية، ذكر فاتح كمال، الطالب الباحث في صف الدكتوراة بوحدة قانون الاستهلاك والمنافسة، بالصعوبات التي اعترضت التنظيم، مبشرا زملائه الباحثين بتنظيم مظاهرات مماثلة تتعلق بحماية المستهلك في القريب. خلال الجلسة الأولى، التي ترأسها فؤاد معلال، تقدم هشام بوعياد، مقرر بمجلس المنافسة بمداخلة حول موضوع "حماية المستهلك من الممارسات المنافية للمنافسة على ضوء اجتهادات مجلس المنافسة"، استهلها بالإشارة إلى أن المغرب عرف مسلسل الانفتاح على اقتصاد السوق منذ أواخر الثمانينات وهو ما لم تواكبه سياسات عمومية ناظمة على مستوى المنافسة وحماية المستهلكين. وأكد أن التجربة أثبتت أنه لا يمكن للأسواق أن تحقق توازنها بصفة تلقائية، ما يفسر الحاجة إلى سياسات المنافسة وحماية المستهلكين لكبح التشوهات التي يمكن أن تنتج عن التحرير العشوائي للأسواق. واستعرض المحاضر بعض مجالات تطبيق قانون المنافسة ومنها محاربة الاتفاقات المنافية للمنافسة، وكذا الاستغلال التعسفي لوضع مهيمن، ومراقبة عمليات التركيز الاقتصادية والمرافعة من أجل المنافسة. وأكد أن مجلس المنافسة يعيش خلال الوقت الراهن فترة انتقالية بين الإكراهات، التي يطرحها تطبيق القانون 06-99 الحالي، والمستجدات المتقدمة التي جاء بها الدستور الجديد خاصة بعد تعزيزه بالاستقلالية العضوية للمجلس، ومنحه اختصاصات تقريرية واسعة فضلا عن الاعتراف له بسلطة البحث والتحري وإمكانية الإحالة الذاتية، مسلطا الضوء على بعض مزايا الجمع بين قضايا المنافسة وحماية المستهلك وعلى رأسها ضمان تنسيق أكبر على مستوى الأهداف، وتفادي التصادم بين المجالين عن طريق توظيف حماية المستهلك ضد المنافسة أو العكس. وقدم محمد الهيني، القاضي بالمحكمة الإدارية بالرباط، مداخلة حول موضوع "حماية المنتفعين من المرافق العمومية على ضوء اجتهادات القضاء الإداري"، حيث تساءل في بداية مداخلته عن إمكانية توفير حماية إضافية للمستفيدين بإخضاع المرافق العامة الإدارية لقواعد قانون حماية المستهلك. وأبرز أن القانون الأوروبي على سبيل المثال يتجه إلى توسيع قواعد قانون الاستهلاك إلى مفهوم المرفق العام حيث يخضع العلاقة بين المرافق العمومية الاقتصادية والصناعية والمنتفعين للعلاقة ذاتها، التي تجمع بين المستهلك والمنتفع، وهو ما يعني إخضاعها لقواعد القانون الخاص ولقانون حماية المستهلك. واستعرض محمد الهيني، في هذا الصدد نماذج من اجتهاد القضاء الإداري المغربي، مذكرا بأن وظيفة القضاء عموما تتمثل في حماية الحقوق والحريات وصيانة الأمن القضائي حسبما يستفاد من الفصل 117 من الدستور، وهو ما يلزم القاضي بالتطبيق العادل للقانون، والعمل على سيادته، وحماية الشرعية كما يتجلى في دعوى الإلغاء للتجاوز في استعمال السلطة أو دعوى القضاء الشامل وغيرها من الدعاوى. وقدم فاتح كمال، المستشار بمحكمة الاستئناف بتازة، عرضا حول موضوع "دور الأمن القانوني والقضائي في حماية مستهلكي الخدمات البنكية"، إذ استهل مداخلته بتقديم مقاربة مفاهيمية للموضوع، مبرزا أهمية اليقين القانوني ووضوح النص القانوني وانسجامه وعدم تناقضه أو تعقيده وقابليته للتنبؤ والمساواة في تطبيقه، وعدم رجعية ذلك التطبيق، وزجر مخالفيه الكل لأجل حماية مستهلك الخدمات البنكية، وضرورة صدوره عن السلطة التشريعية، وعدم تعليقه على نصوص تنظيمية. كما استعرض المحاضر دور مبدأ الأمن القانوني في حماية رضى المستهلكين من خلال ضمان الشفافية والثقة المشروعة وعدم مفاجأة المستهلك. جسد ذلك عبر ضمان حق المستهلكين في الإعلام والتبصير وزجر بعض الممارسات التجارية التي تمثل الشطط في استعمال السلطة الاقتصادية، فضلا عن دور مبدأ الأمن القانوني في تعزيز التوازن العقدي من خلال تحديد مضمون العقد وإقرار شكليات عقود الإستدانة وإلغاء الشروط التعسفية لطمأنة المستهلك. كما تطرق المتدخل لدور الأمن القضائي في حماية المستهلكين في المجال البنكي من خلال ضمان استقلال القضاء الواقف والضابطة القضائية عن السلطة السياسية غير المستقلة مطلقا عن السلطة الاقتصادية بما هو كفيل بضمان متابعة الأشخاص المعنوية ومجرمي الياقات البيضاء على قدم المساواة مع باقي من يمس بالحقوق الاقتصادية للمنتفعين بالخدمات من صغار خارقي القانون. كما عرج المتدخل على وجوب استقلال القضاء الجالس عبر استقلال الجمعيات العامة عن سلطة المسؤولين القضائيين وهو الاستقلال الضروري لتوحيد الاجتهاد القضائي، وضمان قابلية توقع للاجتهاد القضائي، وفي الأخير طالب المستشار بضرورة توفير النصوص القانونية المحينة والاجتهادات القضائية مجانا للقضاة العاملين. وفي مداخلته، تطرق حفيظ بولوفا، القاضي بالمحكمة التجارية بفاس، لموضوع "محدودية الأمن القانوني على ضوء القانون المتعلق بتدابير حماية المستهلك"، إذ رصد مواطن وتجليات هذه المحدودية، من خلال ضعف الولوجية إليه، وكذا اتسامه بنوع من التعقيد وغياب مبدأ الدقة والوضوح في كثير من مقتضياته، كما أن إحالته على قوانين عديدة جعلت تطبيقه محل إشكال حتى من قبل المحاكم. وأكد القاضي المحاضر أن القروض الاستهلاكية، التي تخضع للعرف البنكي تجعل من إقامة أمن قانوني شبه مستحيل، في ظل عدم تدوين هذا القانون، الذي يجهل به حتى المهنيون البنكيون. وختم النقاش بالتطرق إلى إكراهات تحقيق الأمن القانوني بالمغرب، منها انتشار الأمية وضعف الولوجية إلى القانون وإلى المحاكم وضرورة التوفيق بين الأمن القانوني والاقتصادي وبين المصلحة العامة، وكذا مصلحة الأفراد. ودعا إلى ضرورة خلق وعي قانوني وحقوقي لدى المستهلك، من أجل تأسيس ثقافة استهلاكية جديدة، ولتدارك نواقص التشريع على مستوى حماية المستهلك، مشيرا إلى ضرورة تطوير آليات خاصة لتحسين جودة النص القانوني وجودة الاجتهاد القضائي في هذا الصدد. ثم أعطيت الكلمة لصلاح الدين معتوق، الجامعي بكلية الحقوق بفاس، الذي عالج بالفرنسية موضوع "أي أمن قانوني وقضائي للمستهلكين في مواجهة الشخصيات المعنوية في مجال الغش في البضائع: دراسة نقدية للمنظومة العقابية؟". وتحدث المحاضر عن البعد الأخلاقي في مجال زجر الغش في البضائع، معتبرا أن العقوبة هي التعويض العادل للمجتمع عما أصابه من أضرار جريمة الغش، مذكرا بأن متابعة الأشخاص المعنوية لم تؤسس كمبدأ إلا انطلاقا من سنة 1985، وأن الغرض منها كان هو ضمان حق الضحايا في التعويض لملاءمة الشركات، لكنه سيتأسف للمستوى المتدني للغرامات التي لم تتعد 1500 درهم في العديد من المحاكم. وأوضح أن استراتيجيات المقاولات حاليا أصبحت مرتكزة على سياسات الغش المفضية إلى أرباح كبيرة، بالمقارنة مع خطر الغرامات المطبقة الهزيلة. في آخر مداخلته اقترح المتدخل تأسيس الغرامة مع مراعاة رقم أعمال الشركة وحساب النتائج المحققة. أما الجلسة الثانية برئاسة أحمد كويسي، فشهدت تقديم مجموعة من المداخلات لعدد من الباحثين بوحدة منازعات الأعمال بكلية الحقوق بفاس، من بينها مداخلة المهدي العزوزي، حول موضوع "ضمانات تحقيق تسوية منصفة لنزاعات الاستهلاك: التسوية القضائية نموذجا"، فضلا عن مداخلة هشام مسطفى، التي تناولت موضوع "الأمن القانوني وحماية توقعات المستهلك". وأكد فيها الباحث أن مبدأ تحقيق الأمن القانوني للمستهلك أصبح اليوم أمرا ملحا، ومن بين أهم عناصر هذا المبدأ ضرورة حماية توقعاته القانونية، التي ينسجها بمناسبة إقدامه على تصرف استهلاكي معين، والمقصود بالتوقعات كمكون مهم لمبدأ الأمن القانوني هو استحضار آثار التصرف القانوني المستقبلية ذهنيا في الوقت الحاضر. وأضاف الباحث المحاضر أن "المستهلك عندما يقبل على تصرف قانوني معين فهو يبني توقعات بناء على المعطيات، التي تقدمها له القواعد القانونية المطبقة في تلك اللحظة، ثم بناء على مقتضيات العقد الذي يبرمه، وعلى هذا الأساس فإنه لا يمكن حماية توقعاته باسم الأمن القانوني إلا إذا كانت النصوص القانونية واضحة ومفهومة ومتجانسة لتكون سهلة الولوج، كما يجب أن تكون مستقرة لئلا تتضرر حقوقه من التعديلات المفاجئة. وباعتبار الاجتهاد القضائي يشكل مصدرا تفسيريا للنصوص القانونية، فإنه يلعب دورا مهما في بناء توقعات المستهلك، ولذلك فإنه يتوجب عليه الحفاظ على تلك التوقعات بالحرص على استقرار اجتهاداته وتوحيدها". أما على مستوى حماية هذه التوقعات، في إطار العقود الاستهلاكية، فأشار الباحث إلى حرص المشرع على أن ينسج المستهلك توقعات مشروعة وقابلة للتحقق من خلال تكريس حقه في الإعلام والتراجع قبل أن يعبر عن إرادته. كما حرص على تحقق تلك التوقعات، من خلال منعه للمورد من التعديل الانفرادي للعقد الاستهلاكي، وكذا من خلال تأكيده على ضرورة تمكين المستهلك من المنتوج أو الخدمة بالمواصفات المتفق عليها، ووفقا لشروط السلامة المتطلبة قانونا. وتناول الباحث يوسف المومني موضوع "المنازعات المتعلقة بالشروط التعسفية في القانون المغربي بعد صدور القانون 08-31"، حيث أكد أن المنازعة في علاقة بالشروط التعسفية أصبحت تأخذ صورتين أساسيتين، صورة دعوى إبطال فردية يتولى المستهلك ممارستها، وصورة دعوى إبطال جماعية تتولى جمعيات حماية المستهلك ممارستها، دفاعا عن المصلحة الجماعية للمستهلكين، وهو ما نصت عليه مقتضيات المادة 162 من القانون المذكور. وأشار إلى أن هذا القانون أعطى للقضاء دورا فعالا في هذه المنازعة، من خلال إمكانية الإثارة التلقائية للشرط التعسفي، وكذا السلطة الواسعة في تقدير تعسفية الشروط الواردة في العقد الاستهلاكي، موضحا أن المشرع المغربي قلب عبء الإثبات لصالح المستهلك، من خلال إلزام المورد بإثبات عدم تعسفية الشرط. أشغال اليوم الدراسي تواصلت بفتح باب المناقشات أمام الحضور من أساتذة جامعيين، وقضاة، وحقوقيين، وباحثين، وفعاليات المجتمع المدني، حيث خلصت المداخلات إلى وجوب تضافر جهود كل الجهات المتدخلة لحماية المستهلك مع الحرص على مقاربة الموضوع بطريقة شمولية تزاوج بين أوجه الحماية المدنية والجنائية والإدارية مع الانفتاح على بعض الوسائل البديلة لحل المنازعات المثارة في هذا الصدد، والاستفادة من أوجه التقاطع مع بعض الهيئات الدستورية الناظمة والأدوار الجديدة، التي يطلع بها المجتمع المدني .