وجوه تظهر وتختفي، مختلون من أبناء المنطقة، وآخرون عابرون، يأتون من مدينة الدارالبيضاء وبرشيد وبن احمد، ووادي زم. مستشفى الأمراض العقلية بالبيضاء الذي يتوافد عليه بعض المصابين من خريبكة (ت: أيس بريس) يتجولون في شوارع وأزقة مدينة خريبكة، أو قابعون تحت سقيفات الحوانيت، يمكثون لبعض الوقت، تم يرحلون إلى جهات مجهولة. بعضهم الآخر يجري نقله إلى جناح الأمراض العقلية والنفسية بالمستشفى الإقليمي بخريبكة، لوقت محدد، حسب طبيعة المرض ومدة علاجه. مصدر مطلع من داخل هذا الجناح كشف ل"المغربية" أن الأخير لا يسع لأكثر من 15 مريضا، ويمكن مضاعفة العدد، وهو ما يحدث في أغلب الأحيان، بسبب تزايد طلبات إيداع المختلين عقليا بهذا الجناح، خصوصا العائلات التي تعاني من بعض السلوكات العدوانية لمرضاهم. وقد يقطع المريض عشرات الكيلومترات، من المدن المجاورة، لتلقي العلاج، ولا يمكن قبول إلا المرضى الذين يعانون من الأمراض المزمنة والخطيرة، يضيف المصدر نفسه. كما أكد أن الممرضين العاملين بهذا الجناح غالبا من يعانون من عواقب عدوانية المرضى، وأنهم معرضون للخطر في أي وقت، سيما في ظل نقص الممرضين والإمكانيات الضرورية للقيام بهذا العمل على أحسن وجه. في السياق نفسه، عبر عدد من الحقوقيين بمدينة وادي زم عن تخوفهم من تنامي ظاهرة المختلين عقليا، الذين أصبحت تعرفها هذه المدينة المجاورة لخريبكة، والذين يشكل عدد منهم تهديدا لأمن وسلامة المواطنين، كرشق المارة بالحجارة، أو تهديدهم بالأسلحة البيضاء، كنتيجة لمرضهم العقلي ووضعيتهم المأساوية المترتبة عن ذلك. ويستحضر سكان وادي زم الوفاة الجماعية لعدد من المختلين المدمنين على تعاطي الكحول في الشارع العام بالمدينة، والذين أثارت وفاتهم الجماعية اهتمام الرأي العام. ودعا عدد من الحقوفيين الجهات المعنية للتدخل العاجل لإيجاد حل ملائم لوضعية هؤلاء الأشخاص، الذين يتجولون بكل حرية داخل المدينة، وفق مبادئ حماية الأشخاص المصابين بمرض عقلي، بحمايتهم وتيسير حصول العديد منهم على العلاج والإيواء، وكذلك بالعمل على وقف الأخطار والتهديدات التي يتسببون فيها على أمن وسلامة المواطنين. أحمد، شاب في عقده الرابع، مهاجر بالديار الإسبانية، قال ل"المغربية" إن أخته فتيحة، في عقدها الثالث، مريضة عقليا ونفسيا، ما تسبب للعائلة المكونة من الوالدين وأربعة إخوة في مشاكل جمة. فبعد زواج الإخوة، وكبر الوالدين، تأزمت وضعية فتيحة، حيث لم يعد في مقدور الوالدين العناية والاهتمام بها، ومراقبتها خوفا من أن ترتكب بعض الحماقات، وهو ما دفع بأحمد طرق عدة أبواب، سواء المستشفى الإقليمي بخريبكة، أو الخيريات وبعض المراكز الاجتماعية. لكن لا احد قبل باحتضان فتيحة لمدة طويلة، لأنه لا تتوفر مراكز خاصة لإيواء المرضى النفسيين، باستثناء جناح الأمراض العقلية والنفسية بالمستشفى الإقليمي، الذي لا يسع أكثر من 15 مريضا. حالة فتيحة تتكرر في غياب مراكز لإيواء هذه الفئة التي تعاني في صمت. ويضيف أحمد أن المشكل تفاقم بحدة بعد وصوله إلى الباب المسدود، فلم يعد التفكير في هذا الأمر بالمجدي، سيما أن فتيحة تغيرت طباعها عن ذي قبل، إذ أصبحت تكثر من الصراخ، وتحاول رمي نفسها من السطح أو النوافذ، لذلك أصبح أمر مراقبتها ضروريا، وهو ما استدعى اجتماع العائلة، والاتفاق على برنامج يتيح للجميع مراقبة والعناية بفتيحة طيلة الأيام، بالتناوب.