أكد الجامعي الفرنسي، شارل سان برو٬ مؤلف كتاب "محمد الخامس أو الملكية الشعبية" (منشورات روشي 2011)٬ مساء الأربعاء المنصرم، أن جلالة المغفور له محمد الخامس كان إلى جانب كونه ملكا محررا٬ عاهلا "متبصرا" في أكثر من مجال وأضاف أن ذلك ما مكن المغرب من ولوج الحداثة من بابها الواسع٬ مع الحفاظ على أصالته. وأوضح شارل سان برو٬ خلال ندوة احتضنها مقر سفارة المغرب في باريس، في إطار "لقاءات الأربعاء"، بحضور القائم بالأعمال، رياض رمزي، ونخبة من المثقفين والجامعيين الفرنسيين والمغاربة٬ أنه بالإضافة إلى أن جلالة المغفور له محمد الخامس كان "قائدا رمزيا للاستقلال"٬ فقد كان أيضا، من جعل المغرب يحقق تقدم قرن من الزمن في ظرف سنوات معدودات. وبعد أن ذكر بالعمل الكبير والبطولي للملك الراحل٬ الذي شكل "روح حرب التحرير الوطنية"٬ أبرز مدير مرصد الدراسات الجيوسياسية بباريس، العمل السياسي "للملك المتبصر والمصلح"، وقائد الدولة "المغربية الحديثة ذي الرؤية النيرة". وأوضح أن هذه القدرة على بعد النظر واستباق الأمور تجسدت في القرارات التي اتخذها الملك الراحل إبان الحرب العالمية الثانية٬ والعلاقات مع فرنسا بعد الاستقلال٬ والسياسة الداخلية للمغرب المستقل٬ والمبادرات التي قام بها المغفور له في المجالين الاجتماعي والديني٬ إلى جانب سياسته الإقليمية والدولية. وأضاف أنه بمجرد اندلاع الحرب العالمية الثانية في فاتح شتنبر 1939، اختار المغفور له محمد الخامس حلفه مباشرة٬ وهو حلف فرنسا والحلفاء٬ معتبرا أنه رغم المطالب المشروعة التي كان بإمكانه المطالبة بها٬ لم يستغل المغرب الوضع الصعب الذي كانت تشهده فرنسا. وذكر بدور المغرب، بقيادة السلطان، في التشكيل السري لجيش المقاومة، والحيز المهم الذي احتله المغاربة في تشكيل الجيش الإفريقي الذي كان جيش النصر٬ مبرزا أنه لذلك كان المغفور له محمد الخامس "قائد الدولة الأجنبي الوحيد الذي وشح بوسام رفيق التحرير". ويتجسد تبصر الملك الراحل أيضا، في حفاظه على العلاقة مع فرنسا بعد الاستقلال٬ إذ دعا إلى تجنب كل إحساس بالكراهية تجاه الفرنسيين٬ وربط علاقات جديدة مع القوة الاستعمارية السابقة٬ مبنية على التعاون والاحترام والصداقة. وخلص المحاضر إلى أنه في ما يخص السياسة المغربية٬ نجح جلالة المغفور له محمد الخامس أيضا، في "نصرة المبادئ الواقعية للمصالحة والوحدة الوطنية"٬ حيث أدرك أنه من أجل "البناء يتعين إرساء الوحدة"٬ مذكرا بأن "ملك المغرب المحرر بادر إلى نسيان الإساءة إلى السلطان في فترة الحماية". وتوقف الجامعي الفرنسي، بالخصوص، عند حرص جلالة المغفور له على "عدم ترك أي شخص يستفرد بالقضية الوطنية لأنها تهم المغاربة جميعا"، وهو ما خالف الوضع الذي كان سائدا في بلدان مجاورة، حيث اعتبر الاستقلال انتصارا ل"أعضاء الحزب الحاكم فقط". ولذلك، جنب المغفور له المغرب أعمال التصفية العمياء وتسوية الحسابات بما لها من انعكاسات على وحدة المجتمع. وفي المجال الديني، كان جلالة المغفور له ورعا ومصلحا٬ فقد سهر بنفس الوعي والانشغال على ضمان الانسجام الاجتماعي والنهوض بإسلام معتدل في مواجهة أي شكل من أشكال الانحرافات المتطرفة والرجعية. وأضاف المحاضر أن امتلاكه لرؤية بشأن إسلام معتدل وإصلاحي جعله متبصرا على المستوى الاجتماعي٬ لاسيما في مجال النهوض بوضعية النساء بهدف إقرار حقوقهن كاملة. وسلط المحاضر الضوء على السياسة المتبصرة لجلالة المغفور له، التي جعلت من المغرب بلدا متضامنا مع محيطه الإقليمي والقاري، وهمزة وصل مع بقية العالم. من جهة أخرى٬ أشار المحاضر إلى أن "قوة الملكيات تكمن في عدم اقترانها بما هو عابر وبحسابات لحظية، لأنها تتميز بالاستمرارية". وقال في هذا الإطار٬ "مع الملك محمد السادس نجد الرؤية نفسها للمستقبل والتقدم"٬ مشيرا على الخصوص، إلى وضع مؤسسات متجددة مع الدستور الجديد ل2011، ولكن أيضا، من خلال الورش الواسع لمشروع الجهوية المتقدمة التي ستتيح للجهات المشاركة أكثر في المجهود التنموي الشامل. وتلى هذا النقاش تبادل للأفكار مع الحضور، إذ تمكن مختلف المتدخلين، من قبيل الخبير في القانون الدستوري، فريديريك روفلوا، والقانوني، جون إيف دو كارا، (جامعة باريس ديكارت)، من تقديم شرح مفصل لفكرة "التفرد المغربي"، الذي يستمد أساسه من طبيعة النظام الملكي.