يحتفل الشعب المغربي، اليوم الثلاثاء، بفخر واعتزاز، بالذكرى السابعة والثلاثين لإعلان جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني عن تنظيم المسيرة الخضراء المظفرة. وتعتبر هذه الذكرى، التي بصمت تاريخ المغرب الحديث، مناسبة لاستحضار حقبة من تاريخ المغرب الحديث ذات دلالات عميقة، تؤرخ لصفحات مشرقة من نضال الشعب المغربي من أجل الوحدة الوطنية. ففي يوم 16 أكتوبر1975 ، أعلن المغفور له الملك الحسن الثاني عن تنظيم المسيرة الخضراء، التي مكنت الشعب المغربي من استرجاع أقاليمه الجنوبية، بعد تأكيد محكمة العدل الدولية بلاهاي، في رأيها الاستشاري، أن الصحراء لم تكن يوما "أرضا خلاء"، وأنه كانت هناك روابط قانونية وأواصر بيعة بين سلاطين المغرب وبين الصحراء. وبعد صدور حكم محكمة العدل الدولية بلاهاي، الذي يكرس شرعية مطالب المغرب لاسترجاع أراضيه المغتصبة، قرر المغفور له الملك الحسن الثاني، في اليوم نفسه، تنظيم مسيرة خضراء بمشاركة 350 ألف مغربي ومغربية. هكذا، أعلن جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، في خطاب موجه للأمة، عن تنظيم هذه المسيرة، حيث قال "بقي لنا أن نتوجه إلى أرضنا، الصحراء فتحت لنا أبوابها قانونيا، اعترف العالم بأسره بأن الصحراء كانت لنا منذ قديم الزمن. واعترف العالم لنا، أيضا، بأنه كانت بيننا وبين الصحراء روابط، وتلك الروابط لم تقطع تلقائيا، وإنما قطعها الاستعمار (...( لم يبق شعبي العزيز إلا شيء واحد، إننا علينا أن نقوم بمسيرة خضراء من شمال المغرب إلى جنوبه، ومن شرق المغرب إلى غربه ". وجسدت المسيرة الخضراء، التي انطلقت في السادس من نونبر عام1975 ، مدى عمق تشبث المغاربة، بكل فئاتهم وشرائحهم، بمغربية الصحراء وبالعرش العلوي المجيد، حيث سار، تلبية لنداء جلالة المغفور له الحسن الثاني، 350 ألف مغربي ومغربية، بنظام وانتظام في اتجاه واحد صوب الأقاليم الصحراوية، لتحريرها من براثن الاحتلال الإسباني. وكانت هذه المسيرة مناسبة أظهر المشاركون فيها، مسلحين بقوة الإيمان وبأسلوب حضاري سلمي فريد من نوعه، للعالم أجمع قوة وصلابة موقف الشعب المغربي المتشبث بحقه في استرجاع أقاليمه الجنوبية . كما أظهرت هذه المسيرة مدى التلاحم، الذي جسدته عبقرية ملك مجاهد وشهامة شعب أبي من استكمال الوحدة الترابية للبلاد، لتظل بذلك منارة تضيء درب المغرب في اتجاه صيانة وحدته الترابية. إذ كان لهذه المسيرة الوقع الجيد على الأقاليم الجنوبية بعد استرجاعها، حيث أصبحت هذه الأقاليم مسرحا لأوراش التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية، التي لم تعرفها تلك المناطق خلال الفترة الاستعمارية. ودخلت الأقاليم الجنوبية منذ تنظيم المسيرة الخضراء، عهدا من الإنجازات المهمة والنوعية، ومن الدينامية في شتى المجالات المختلفة، التي تعنى بالاهتمامات اليومية والتطلعات المستقبلية لسكان هذه الأقاليم، وترسخت بفضل الزيارات المتكررة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، والمشاريع التي دشنها وأعطى انطلاقتها. ومن أبرز الأوراش التنموية في هذه المنطقة، أوراش الإسكان والتعمير، التي ساهمت في تحقيق تنمية عمرانية متوازية ومستدامة، كما يتضح ذلك من خلال برامج الوحدة والعودة والوفاق " 20ألف سكن"، والعديد من التجزئات السكنية، وبرامج محاربة السكن غير اللائق، وإعادة هيكلة مجموعة من الأحياء ناقصة التجهيز، وإعادة تأهيل المجالات الحضرية الكبرى، مع إعادة الهيكلة وتقوية البنى التحتية. وتتواصل ملحمة صيانة الوحدة الترابية، من خلال تأكيد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في خطاب الذكرى العاشرة لتربع جلالته على عرش أسلافه المنعمين، أنه "وفي سياق تصميمنا على الارتقاء بالحكامة الترابية، قررنا فتح ورش إصلاحي أساسي، بإقامة جهوية متقدمة، نريدها نقلة نوعية في مسار الديمقراطية المحلية". ولهذه الغاية، أعلن جلالة الملك، في هذا الخطاب أنه سيتولى، قريبا، "تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية، منتظرين منها أن تعرض على سامي نظرنا، في غضون بضعة أشهر، تصورا عاما، لنموذج مغربي لجهوية متقدمة، تنهض بها مجالس ديمقراطية، بما يلزم من التوزيع المتناسق للاختصاصات، بين المركز والجهات. كما ندعوها للتفكير المعمق في جعل أقاليمنا الجنوبية نموذجا للجهوية المتقدمة، بما يعزز تدبيرها الديمقراطي لشؤونها المحلية، ويؤهلها لممارسة صلاحيات أوسع". إنها الإرادة السامية في جعل أقاليمنا الجنوبية نموذجا للجهوية المتقدمة المتجلية في تشكيلها قطبا فاعلا وأساسيا ضمن محيطها الوطني، والتكامل مع باقي الجهات في القضايا التنموية والاقتصادية المشتركة.