هل بإمكان رياضة الجيدو منح المغرب ميدالية أولمبية في لندن صيف السنة الجارية؟ سؤال يطرحه كل من يتابع مسيرة أبطال الجيدو المغاربة علما أن الحضور سيكون لا محالة قويا، وسيكون البطل صفوان عطاف على رأس الفريق، وهو الذي جمع ما يكفي من التجربة والخبرة، وبالتالي يمكن ترشيحه للصعود إلى منصة التتويج. حقيقة أن أسرة الجيدو بشكل عام، وأعضاء الإدارة التقنية بوجه خاص، يرفضون الحديث فقط عن عطاف، ربما لتفادي وضعه تحت الضعف، أو رفضا للتأثير سلبا على معنويات الأسماء الأخرى، التي ستسافر إلى العاصمة الإنجليزية للدفاع عن حظوظها، وليس فقط من أجل المشاركة في العرس العالمي. في هذا الملف، حاولنا أن نجمع آراء أفراد الأسرة الواحدة، من مسيرين، ومدربين، ولاعبين، إذ تنوعت الأفكار، واختلفت المصطلحات، غير أن الكل أجمع على أن هناك تفاؤلا كبيرا. في أجواء رياضية سليمة، تدور استعدادات المنتخب المغربي للجيدو، بمشاركة عطاف صفوان وياسين مدثر، المؤهلين رسميا للمشاركة في أولمبياد لندن، ورانيا الكيلالي والمهدي المتالكي، اللذين يملكان حظوظا وافرة لحضور المحطة الأولمبية الإنجليزية، ذلك أن تتويجهما القاري لم يشفع لهما لضمان التأهيل المباشر، ويتعين عليهما، وفق المعايير الجديدة للاتحاد الدولي للجيدو، ضمان مقعد آمن ضمن 22 الأوائل بالنسبة للذكور، و14 الأوليات بالنسبة للإناث، حسب التصنيف العالمي لنجوم اللعبة. كما أن الإدارة التقنية المشرفة على بطلات وأبطال النخبة، ألحت على مشاركة عناصر أخرى، مثل فاطمة الزهراء أيت علي، ورشيد القادري، وغيرهم للاستفادة أكثر من التداريب، والتحضير جيدا لبعض المحطات المقبلة. بعد الرباط، التي احتضنت في السابق سلسلة من تداريب العناصر الوطنية، جاء الدور على مدينة الدارالبيضاء، إذ تتوزع التداريب بين مركز بوركون والدوجو الوطني، بإشراف المسؤول عن برنامج النخبة، العرابي الجمالي، والمدربين عبد العزيز لمعلم، وخالد الكحلاوي، وكذا الكندي كتالين. على أن تسافر العناصر الوطنية، في الأيام القليلة المقبلة، إلى تركيا وبعدها اليابان، وربما أيضا فرنسا، للاستفادة من معسكرات خارجية، يكون الهدف منها خوض تداريب مشتركة مع منتخبات صديقة، وقياس القدرات أمام منافسين من حجم كبير. لحد الآن لم يجر الحسم في البرنامج النهائي للاستعداد للموعد الأولمبي، ربما لأن المكتب الجامعي ينتظر الحصول على الضوء الأخضر من وزارة الشباب والرياضة واللجنة الوطنية الأولمبية، وتوفير الإمكانيات المالية التي تتطلبها عملية التحضير خارج أرض الوطن، علما أن العناصر الوطنية ما تزال تنتظر بعض مستحقاتها المالية العالقة بذمة الجامعة، وأيضا بذمة الوزارة، ويكفي أنه لحد الآن لم يتوصل أي لاعب من المتوجين بميداليات عربية في قطر بأي مكافأة، تماما مثل الذين صعدوا إلى منصة التتويج في أكادير، خلال منافسات بطولة إفريقيا، دون أن ننسى المنحة التي من المفروض أن يحصل عليها أولئك الذين نجحوا في حجز تذاكر المشاركة في الأولمبياد. ورغم كل شيء يتصرف أفراد منتخب الجيدو باحترافية كبيرة، ويقول العميد صفوان عطاف، بهذا الخصوص، "لا نملك سوى الانتظار. تلقينا وعودا ونأمل أن يفي المسؤولون بوعودهم. نحافظ على معنوياتنا عالية، ونصر على أن يبقى المشكل المادي بعيدا عن برنامج التحضير للموعد الأولمبي. أملنا أن يتفهم الكل موقفنا، وأن نحافظ على تركيزنا، حتى نكون جاهزين في الموعد المناسب". اشنيور: حظوظنا مثل باقي الدول يثق رئيس الجامعة الملكية المغربية للجيدو، التهامي اشنيور، كثيرا في إمكانيات المنتخب المغربي، ويرى أن حظوظه في الصعود إلى منصة التتويج في لندن شبيهة بحظوظ مختلف الدول، بما فيها تلك التي اعتادت على التألق، ويقول بهذا الخصوص "بصراحة، أرى أن حظوظنا أشبه بحظوظ مختلف الدول التي تمكنت من التأهل إلى منافسات الجيدو، لسبب بسيط هو أن الرياضة التي نمارسها شهدت تحولا كبيرا على صعيد التأهيل للأولمبياد، باعتماد الاتحاد الدولي على معايير التصنيف العالمي، أي أنه يلزم أن يكون البطل ضمن 22 الأوائل في كل وزن، والبطلة ضمن 14 الأوليات. وجدير بالذكر أن بلوغ هذه المراتب يستوجب التألق في عدد من المحطات، ويعني بالضرورة بلوغ الممارسين مرحلة متقدمة من النضج"، مضيفا "إذا أنصفتنا القرعة، لي اليقين أننا سنتمكن من الصعود إلى منصة التتويج، لأن العناصر الوطنية أثبتت، في أكثر من مناسبة، أنها تتوفر على إمكانيات عالية، وليس لدينا أدنى تخوف من مواجهة الأسماء الكبيرة التي اعتادت على التألق في المحطات الكبيرة مثل الأولمبياد". ويتخوف اشنيور من عائق واحد، ويتعلق الأمر بالتحكيم، ويقول "المشكل الوحيد الذي أتخوف منه شخصيا هو التحكيم. أخشى ألا يكون في صالحنا، خصوصا أن أغلب الحكام الذين يشرفون على المباريات يمثلون القارتين الأوروبية والآسيوية، وفي أحيان كثيرة يتعاطف البعض مع أبناء جلدته. أنا شخصيا شاركت في تحكيم مباريات في أولمبياد أثينا 2004، وبكين 2008، ورأيت كيف يتعامل الحكام الأوروبيون مع ممارسين من خارج القارة العجوز، والأمر نفسه بالنسبة للحكام الآسيويين". وتأسف رئيس جامعة الجيدو، لأنه سيغيب عن دورة لندن، مضيفا "بكل أسف لن أشارك في تحكيم مباريات المحطة الأولمبية المقبلة، لأنني فضلت الانسحاب، رغم دعوة اللجنة الدولية للتحكيم التابعة للاتحاد الدولي، إذ فضلت إعطاء الفرصة لحكم دولي مغربي آخر، لكن المشرفين على الاختيار كان لهم رأي آخر، وجرى إقصاء الحكام المغاربة من المشاركة في دورة لندن، وهو إجحاف في حقنا، لأن لدينا عناصر موهوبة، تستحق أن تحصل على فرصتها للإشراف على مباريات كبيرة". احلالمة: التتويج حلم مشروع يعتقد أمين مال جامعة الجيدو، محمد احلالمة، أن العودة بميدالية أولمبية من لندن تعتبر حلما مشروعا لكل أفراد أسرة الجيدو المغربي، "بعد أن شاركنا عدة مرات في الأولمبياد، وبعد أن نجحنا في بعض المحطات في الظهور بمستوى مشرف، أعتقد أنه من حقنا هذه المرة أن نطمح إلى الصعود لمنصة التتويج، لأن أبطالنا جمعوا ما يكفي من الخبرة والتجربة، وربما آن الأوان لاستعراض الفنيات أمام أقوى المدارس العالمية، ومنافستها على الميداليات"، مضيفا "نحن كمسيرين، أظن أننا لا ندخر جهدا في توفير الظروف الملائمة للتحضير بشكل جيد لأي تظاهرة كبيرة، كما أن الأطر التقنية تقوم بعملها على أكمل وجه، وبالتالي أرى أن الكرة توجد بمعسكر الممارسين والممارسين، الذين يلزم أن يثقوا في إمكانياتهم". ويعتقد احلالمة أن مستوى منافسات الجيدو في لندن سيرقى هذه المرة إلى القمة، وقال "الأسماء الكبيرة على الصعيد العالمي ستكون حاضرة في لندن، بعدما اعتمد الاتحاد الدولي معيار التصنيف العالمي في التأهيل، وهذا يعني أننا سنستمتع بمباريات من مستوى عال، وأكيد أن الألقاب ستكون من نصيب من يستعد جيدا لهذا الموعد". الجمالي: التحضير أولا وأخيرا يصر العرابي الجمالي على أن المنتخب المغربي الحالي يتمتع بالكثير من الموهبة، ما يؤهله للتوقيع على حضور جيد في لندن، ويضيف قائلا "قبل الحديث عن الأولمبياد لا بد من الكلام عن الفترة التي سبقت، ذلك أن المنتخب المغربي تمكن أكثر من مرة في تأكيد حضوره في مواعيد كبيرة، آخرها بطولة إفريقيا التي انتزع لقبها عن جدارة واستحقاق. ولنأخد على سبيل المثال لا الحصر البطل صفوان عطاف، الذي يوجد حاليا ضمن العشرة الأوائل في وزن أقل من 81 كلغ، وهذا في حد ذاته إنجاز، لأن الكثير من الأبطال الذين يمثلون دولا رائدة في مجال الجيدو، عجزوا عن تحقيق ذلك، علما أنها نتيجة لم تأت من فراغ، بل كانت بمثابة مكافأة للمجهود الذي بذله الجيدو المغربي في عدد من المحطات العالمية، وتحقيقه نتائج كبيرة أمام منافسين من عيار ثقيل، ولي اليقين أنه في حال ما إذا توفرت الظروف المناسبة لعطاف، سيحسب له ألف حساب في أي مباراة يخوضها، وأمام أي منافس كيفما كان نوعه. وحينما أتحدث عن الظروف، أقصد بها تحديدا الجانب الصحي، أي أن يكون البطل معافى من أي توعك قبل انطلاق المنافسات، وأن يكون جاهزا بدنيا ونفسيا، وبصورة شاملة الوصول إلى لندن في جاهزية تامة". ويرفض الجمالي ربط حظوظ تألق المنتخب المغربي بالبطل عطاف فقط، إذ قال "ربما عن غير قصد يصب الكلام كله في الكثير من الأحيان في قالب البطل عطاف، وشخصيا أرى أن ذلك يعود فقط إلى عامل النضج، لأن صفوان بلغ مرحلة متقدمة من النضج، بعد أن راكم الخبرة، بفضل تجاربه العديدة، علما أنه تألق بشكل لافت في محطات بارزة، منها بطولة العالم للشباب، التي كان أحرز خلالها مرتبة خامسة أكثر من مشرفة، وأولمبياد بكين، حيث واجه أسماء متمرسة، وظهر أمامها بوجه مشرف، ثم كأس العالم بساوباولو، إلى جانب سلسلة طويلة من الدورات الدولية، التي أبان خلالها عن مؤهلات عالية، وكان في كل مرة من خيرة أبطال وزن أقل من 81 كلغ"، مضيفا أنه لا يمكن إغفال إمكانية تألق الأسماء الأخرى، خصوصا إذا خدمت القرعة مصلحتها في الأدوار الأولى. وعن رأيه في منافسات الجيدو بالأولمبياد، يقول الجمالي "خلال التظاهرات العالمية يكون أصحاب ميداليات مختلف الأوزان معروفين إلى حد كبير، ويكاد الصراع يقتصر على أسماء معينة. لكن كما قلت، يلزم أن يكون المعنيون جاهزين بشكل تام في الموعد المحدد. لذلك أرى شخصيا أن مجرد حضور أبطالنا وبطلاتنا ضمن المراكز المتقدمة في سبورة الترتيب العالمي يعتبر إنجازا، وهنا أود أن أشير إلى مسألة مهمة جدا، ذلك أنه لم يكن بمقدرونا بلوغ هذه المرحلة لولا الدعم الكبير الذي قدمه جلالة الملك محمد السادس للرياضة، ورعايته السامية لما يعرف حاليا ببرنامج النخبة". وختم الجمالي بالتأكيد على أن التتويج بميدالية كيفما كان نوع معدنها في لندن، سيكون بمثابة أفضل مكافأة لأسرة الجيدو بشكل عام، باعتبار أن هناك عملا في العمق تجند الكثير من الأشخاص للقيام وإنجاحه، وقال "الامتياز عادة تصنعه الكثير من العوامل، وإذا كان الجيدو المغربي بلغ اليوم هذه المرحلة من التقدم، فأكيد أن ذلك ليس سوى ثمار سنوات من العمل، وفي رأيي الشخصي أعتقد أنه آن الأوان لقطف المزيد من الثمار، خصوصا في مواعيد عالمية من حجم الألعاب الأولمبية".