يخلد الشعب المغربي٬ وفي طليعته نساء ورجال الحركة الوطنية وأسرة المقاومة وجيش التحرير٬ اليوم الاثنين٬ الذكرى 65 لزيارة الوحدة التاريخية، التي قام بها جلالة المغفور له محمد الخامس إلى مدينة طنجة في 9 أبريل 1947، والذكرى 56 لزيارة جلالته قدس الله روحه إلى مدينة تطوان في 9 أبريل 1956، اللتين تشكلان معلمتين وضاءتين في رقيم الذاكرة الوطنية. وشكلت هذه الزيارة الملكية إلى طنجة منعطفا مهما في مسيرة النضال الوطني من أجل الاستقلال٬ وحدا فاصلا بين عهدين: عهد الصراع بين القصر الملكي ومعه طلائع الحركة الوطنية وبين إدارة الإقامة العامة٬ وعهد الجهر بالمطالبة بحق المغرب في الاستقلال أمام المحافل الدولية وإسماع صوت المغرب بالخارج٬ والعالم آنذاك بصدد طي مرحلة التوسع الاستعماري والدخول في طور تحرير الشعوب وتقرير مصيرها بنفسها٬ فكانت هذه الزيارة التاريخية عنوانا لوحدة المغرب وتماسكه، ومناسبة سانحة لتأكيد المطالبة باستقلال البلاد وحريتها. وما إن علمت سلطات الحماية برغبة جلالته رضوان الله عليه٬ حتى عمدت إلى محاولة إفشال مخطط الرحلة الملكية وزرع العراقيل لكنها لم تنجح في ذلك، إذ جاء رد المغفور له محمد الخامس على مبعوث هذه السلطات قائلا "لا مجال مطلقا في الرجوع عن مبدأ هذه الرحلة". وهكذا٬ ارتكبت السلطات الاستعمارية مجزرة شنيعة بمدينة الدارالبيضاء، يوم 7 أبريل 1947، ذهب ضحيتها مئات المواطنين الأبرياء٬ وسارع جلالة المغفور له محمد الخامس إلى زيارة عائلات الضحايا ومواساتها٬ معبرا لها عن تضامنه معها إثر هذه الجريمة النكراء. لقد فطن المغفور له محمد الخامس إلى مؤامرات ودسائس المستعمر التي كانت تهدف إلى ثني جلالته عن عزمه في تحقيق التواصل مع رعاياه الأوفياء بعاصمة البوغاز وإحياء صلة الرحم وتجديد العهد معهم على مواصلة الكفاح الوطني. ويوم 9 أبريل 1947، توجه طيب الله ثراه على متن القطار الملكي، انطلاقا من مدينة الرباط نحو طنجة، عبر مدينتي سوق أربعاء الغرب ثم القصر الكبيرفأصيلة، التي خصص له بها استقبال حماسي رائع احتفاء بمقدمه في حشد جماهيري عظيم٬ حيث عكست هذه الصورة العراقيل التي دبرتها السلطات الاستعمارية ليتأكد التلاحم المتين والأواصر القوية التي جمعت على الدوام بين العرش العلوي المجيد والشعب المغربي الأبي٬ وقد خصص سكان طنجة استقبالا حارا للموكب الملكي جددوا من خلاله تمسكهم وتفانيهم في الإخلاص لثوابت الأمة ومقدساتها واستعدادهم للدفاع عن كرامة البلاد وعزتها. وجاء الخطاب التاريخي، الذي ألقاه جلالته رحمة الله عليه في فناء حدائق المندوبية بحضور ممثلين عن الدول الأجنبية وهيئة إدارة المنطقة وشخصيات أخرى مغربية وأجنبية، ليعلن للعالم أجمع عن إرادة الأمة وحقها في استرجاع استقلال البلاد ووحدتها الترابية، حيث قال في هذا الصدد "إذا كان ضياع الحق في سكوت أهله عليه فما ضاع حق من ورائه طالب٬ وإن حق الأمة المغربية لا يضيع ولن يضيع ...". كما أكد جلالته من خلال خطابه نظرته الصائبة رحمه الله وطموحاته المشروعة في صون مستقبل المغرب، إذ قال جلالته بهذا الخصوص "فنحن بعون الله وفضله على حفظ كيان البلاد ساهرون٬ ولضمان مستقبلها المجيد عاملون٬ ولتحقيق تلك الأمنية التي تنعش قلب كل مغربي سائرون ...". وكان خطاب جلالته رسالة واضحة المعالم والمضامين لأصحاب المطامع الاستعمارية، بحيث أوضح رحمه الله أن عرش المغرب يقوم على وحدة البلاد من شمال المغرب إلى أقصى جنوبه٬ وأن مرحلة الحماية ما هي إلا مرحلة عابرة في تاريخ المغرب، والتي شكلت في حد ذاتها حافزا رئيسيا لوعي المغاربة بأهمية الموقع الجغرافي الذي يحتله المغرب. بالإضافة إلى ذلك٬ كان لهذه الزيارة جانب روحي٬ إذ ألقى أمير المؤمنين المغفور له محمد الخامس، يوم الجمعة 11 أبريل، خطبة الجمعة وأم المؤمنين بالصلاة في المسجد الأعظم بطنجة، وحث الأمة المغربية على التمسك برابطة الدين٬ فهي الحصن الحصين لأمتنا ضد مطامع الغزاة٬ لذلك فقد كان للرحلة الملكية إلى طنجة وقع بمثابة الصدمة بالنسبة لسلطات الحماية، وأربكت حساباتها فأقدمت على الفور على عزل المقيم العام الفرنسي إيريك لابون ليحل محله الجنرال جوان، الذي بدأ حملته المسعورة على المغرب، وتضييق الخناق على القصر الملكي، وتنفيذ مؤامرة النفي. وجاءت زيارة جلالته رضوان الله عليه لمدينة تطوان في تاسع أبريل 1956 ليزف منها بشرى استقلال الأقاليم الشمالية، وتوحيد شمال المملكة بجنوبها٬ وكان جلالته قادما من إسبانيا بعد أن أجرى مع القادة الإسبان مفاوضات تهم استكمال الوحدة الترابية للمملكة، والتي توجت بالتوقيع على معاهدة 7 أبريل 1956، التي تعترف بموجبها دولة إسبانيا باستقلال المغرب وسيادتها التامة على كافة أجزائه. هكذا٬ ألقى المغفور له محمد الخامس خطابا تاريخيا وسط ما يفوق 200 ألف مواطن من سكان مدينة تطوان استهله بقوله "وبالأمس عدنا من ديار فرنسا ووجهتنا عاصمة مملكتنا رباط الفتح لنزف منها إلى رعايانا بشائر الاستقلال٬ واليوم نعود من رحلتنا من الديار الإسبانية ووجهتنا تطوان قاعدة نواحي مملكتنا في الشمال وتحت سماء هذه المدينة قصدنا أن يرن صوت الإعلان بوحدة التراب إلى رعايانا في جميع أنحاء المملكة وذلك رمزا إلى تتميم هذه الوحدة وتثبيتها في الحال". وأكدت المندوبية السامية أن أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، وهي تخلد هذه الملاحم التاريخية، فإنما تهدف إلى إثراء الذاكرة الوطنية وصيانتها والتعريف بفصول الكفاح الوطني لتستلهم الأجيال القادمة معاني الوطنية الخالصة لإذكاء قيم المواطنة الرشيدة والمتبصرة والعمل المتواصل البناء إعلاء لصروح المغرب الجديد٬ مغرب الحداثة والديمقراطية والنهضة الشاملة والمستدامة تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس. واحتفاء بهاتين المحطتين التاريخيتين المجيدتين٬ أعدت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير برنامجا يستحضر فصول الحدثين الخالدين ومكانتهما الوازنة والمتميزة في مسيرة الكفاح الوطني، من أجل الحرية والاستقلال والوحدة الوطنية٬ ويتضمن تنظيم وقفة استحضار يوم تاسع أبريل بكدية السلطان بمدينة أصيلة أمام المعلمة التذكارية المجسدة لوقفة المغفور له محمد الخامس بمدينة أصيلة، والترحم على روح جلالة المغفور له الحسن الثاني وعلى أرواح شهداء الاستقلال والوحدة الترابية. كما سيجري اليوم الاثنين بطنجة تنظيم مهرجان خطابي بساحة 9 أبريل إحياء للذكرى 65 للرحلة الملكية التاريخية إلى مدينة طنجة٬ إبرازا لأبعادها ومعانيها السامية٬ وتكريم صفوة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير٬ وتوزيع إعانات مالية ومساعدات اجتماعية على بعض المنتمين لهذه الأسرة المجاهدة التي تستحق كامل الرعاية والتشريف. وبمدينة تطوان سيجري، في اليوم نفسه، في الرابعة بعد الظهر، الوقوف أمام اللوحة التذكارية التي تؤرخ للرحلة الملكية التاريخية للمغفور له محمد الخامس إلى مدينة الحمامة البيضاء بالمشور السعيد٬ وإعلانه طيب الله ثراه عن بشرى استقلال شمال المغرب، وتثبيت الوحدة الوطنية. وسينظم، بهذه المناسبة، مهرجان خطابي تلقى خلاله كلمات وشهادات تتناول الذكرى، وتبرز مقاصدها وقيمها ومكانتها التاريخية٬ كما سيجري تكريم صفوة من أعضاء أسرة المقاومة وجيش التحرير٬ وتوزيع إعانات مالية ومساعدات اجتماعية على بعض أفرادها٬ وتسليم جوائز تقديرية للفائزين في مسابقة أحسن البحوث الجامعية برسم سنة 2011.