مرة أخرى٬ تعبر البوليساريو عن تصلبها الفكري٬ وتمسكها بالرأي الواحد من خلال رفضها النقاش والرأي الآخر٬ خلال لقاء، أول أمس الثلاثاء، بالجمعية العامة٬ محراب الديمقراطية الفرنسية. ظنا منها أنها بتندوف، حيث تعودت أن تلف حولها الأتباع والموالين لأطروحتها٬ لم تتنازل البوليساريو عن تبني مقاربة الحزب الوحيد المتصلبة والسخيفة٬ والقائمة على أسلوب الخطابة. ولكن في قلب العاصمة الفرنسية٬ والأدهى٬ داخل قاعة بالبرلمان حجزها نائب شيوعي٬ على ما يبدو من مخلفات النظام السوفياتي القائم على الحزب الوحيد٬ فإن رفض النقاش المغاير والكلمة الحرة٬ شكل صدمة بالنسبة للكثير. هكذا، جرى التعامل وفق منهجية إقصائية٬ فلائحة الحضور شطبت منها أسماء مشاركين فرنسيين أو مغاربة٬ أفرادا أو مسؤولين جمعويين٬ لا يحملون أفكار البوليساريو نفسها٬ في حين جرى فسح المجال لأتباعها خشية أن يجري التأثير على "معتقداتهم". مناورات دنيئة لإسكات أي صوت مخالف تارة يلجأ أصدقاء البوليساريو ومسؤولوها إلى المناورة وتارة أخرى إلى الخداع٬ فخلال التسجيل بالإنترنت لحضور هذه الندوة٬ يجري رفض تسجيل الأشخاص الذين لا ينظر إليهم بعين الرضى، سواء كانوا معروفين أو لا والافتراء عليهم٬ بدعوى أن اللقاء شهد إقبالا كبيرا جرى حجز جميع المقاعد. بالنسبة للبعض جرى رفض تسجيلهم٬ في حين جرى منع البعض الآخر من الدخول بعد التحقق من هوياتهم لمرات عديدة٬ بدعوى أنهم ازدادوا بمدينة مغربية. هذا ما حدث بالفعل لوردة العمري، التي ما إن تقدمت للحصول على الشارة لولوج القاعة التي تحتضن اللقاء حتى جرى إخبارها بأنها حتى وإن كانت مسجلة كمواطنة مناضلة٬ فإن عليها التفاوض مع عضو البوليساريو المشرف على تنظيم اللقاء٬ هذا الأخير تفحص بطاقة هويتها، ثم بدأ يستفسرها عن رأيها حول قضية الصحراء٬ وهو يشعر بالحرج لاضطراره إلى كشف السبب الحقيقي لهذا الانتقاء٬ في حين أن مسطرة التسجيل جرى احترامها بشكل تام٬ حسبما صرحت به هذه لوكالة المغرب العربي للأنباء. عندئذ ادعى بأن القاعة مملوءة٬ وعندما لمح حشد المدعوين، الذين جرى فرزهم حسب رأيهم السياسي حول القضية٬ أخرج ورقة عدم توفر المقاعد الكافية داخل القاعة. بعد وقوعها في المأزق عناصر البوليساريو تلجأ إلى الاستفزاز ولمن يتجرؤون على الاحتجاج على هذه المنهجية المتجاوزة ل"التطهير"٬ فإن شرذمة من قطاع الطرق التابعة للبوليساريو تترصدهم ومستعدة لتفريقهم. لقد جرى إبقاؤها في فضاء الاستقبال بالجمعية الوطنية٬ لتتحامل بعنف على المناضلين المغاربة، وفي مقدمتهم السيدة نعيمة القرشي مختصة في القانون وإطار سابق بالمفوضية العليا للاجئين. هذه "العدوة اللدودة" لأوساط البوليساريو٬ بعد زيارتها لمخيمات تندوف ومعرفتها للحقيقة الكاملة عن الوضع هناك٬ حيث ضرب عليها الحصار بشكل سريع، وهوجمت بالشتائم والألفاظ المشينة على مرأى من المسؤولين الفرنسيين الغاضبين، الذين استدعوا مسؤولي الاستقبال لاحتجازهم. ولدى محاولته تصوير هذا الحادث المرعب بواسطة هاتفه المحمول٬ وقف أحد الطلبة على حجم العنف لدى أفراد هذه العصابة من كلاب الحراسة، الذين أرغموه تحت التهديد على محو الصور المسجلة. واستنكارا لهذه التصرفات السوقية٬ طلب المناضلون الحقوقيون التحدث مع المنظمين٬ وخرجت إحداهم من القاعة لتقول " بهذه الطريقة لن تدخلوا". ولم يسلم من هذا القرار، أيضا، أحد الصحافيين المغاربة المعتمدين بشكل قانوني من قبل مصالح الإعلام بالجمعية الوطنية. وفي محاولة لإيجاد مخرج لهذا المأزق الذي سقط فيه البوليساريو٬ صرح أحد مسؤوليه بأن النائب الشيوعي هو الذي قام بانتقاء لائحة الحضور. وبالمقابل٬ رفض المسؤولون بالجمعية الوطنية تحمل وزر هذا الحادث٬ مؤكدين أن "القاعة بكل بساطة جرى اكتراؤها". وبالنسبة للمناضلين المغاربة٬ تبرهن هذه الوقائع، مرة أخرى، على الرقابة التي تفرضها البوليساريو التي تتغنى عبر بعض المنابر الصغيرة الفاقدة المصداقية بالدعوة إلى احترام حقوق الإنسان٬ علما أن الاحتجازات وأبشع خروقات حقوق الإنسان ترتكب إلى اليوم بلا عقاب في مخيمات تندوف، التي تديرها البوليساريو على التراب الجزائري. وفي الوقت الذي تهم قضية الصحراء المغاربة، على الخصوص٬ وجرى ترتيب كل شيء لتعنيفهم لفظيا وجسديا٬ لصالح بعض وسائل الإعلام الجزائرية، وبعض متطرفي اليمين الذين يقتاتون على حساب الجزائر والبوليساريو٬ نستشف أنه "عندما تتحدث البوليساريو عن القانون فإنما تفعل ذلك لخرقه بامتياز".