يتسلم الموسيقي المغربي، بلعيد عكاف، مساء اليوم بفضاء الفنانين بالرباط الميدالية الذهبية للاستحقاق، التي يمنحها منذ سنوات المجلس الوطني للموسيقى، الذي يشرف عليه الفنان حسن ميكري. ويتوج عكاف بهذه الميدالية، بعد حصوله سنة 2009 على جائزة الفارابي من المجلس نفسه، تقديرا لمجهوداته في مجال تطوير الموسيقى الرفيعة بالمغرب، ولمساره المتميز، الذي جمع فيه بين التدريس الموسيقي، وبين الإبداع الفني في مختلف الآلات الموسيقية التي يعزف عليها، والموسيقى التصويرية ل 32 فيلما سينمائيا وتلفزيونيا، التي خولت له تتويجا بمجموعة من الجوائز في مختلف المهرجانات، ورفعه من قيمة الموسيقى الأمازيغية، عبر مزجها بألوان موسيقية غربية أو عربية. رفع بلعيد عكاف من قيمة الموسيقى الأمازيغية المغربية، وسجل حضورا عالميا عبر إبداعه في فن الجاز، ساهم بإمكانياته الخاصة في التوثيق للموسيقى المغربية في ألبوم "سفر موسيقي مغربي من طنجة إلى الكويرة" دون أن يتلقى أي دعم ولو من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. في هذا الحوار مع "المغربية" يتحدث عكاف عن هذا التتويج، وعن ألبومه ما قبل الأخير، وعن وضعية التدريس الموسيقي بالمغرب. ماذا يشكل لك تتويجك بالميدالية الذهبية للاستحقاق من طرف المجلس الوطني للموسيقى؟ هذا التتويج اعتراف بأربعين سنة من تاريخ نضالي الفني المتواصل، وباجتهاداتي الفنية، التي لقيت صدى لدى المجلس الوطني للموسيقى، المنضوي في إطار اللجنة الدولية للموسيقى التابعة لمنظمة اليونسكو. وأنا أهدي هذه الميدالية لجميع الفنانين المغاربة الذين يبدعون في صمت. وأرى أن القيمة المضافة لعملي، وتأريخي للموسيقى المغربية بشكل عام من خلال ألبومي "سفر موسيقي مغربي من طنجة إلى الكويرة"، هي التي جعلتني أحظى بهذا التتويج، وهذه الالتفاتة الكريمة من المجلس الوطني للموسيقى. ما الجديد الذي تقدمه في ألبومك هذا؟ أقدم في هذا الألبوم سفرا فنيا موسيقيا مغربيا، يعبر بمستمعه عبر محطات أقدم فيها مختلف الأشكال والأنواع الموسيقية المغربية، من الطقطوقة الجبلية، إلى أحواش، وغيرها من الفنون، التي تميز مختلف المناطق المغربية. سجلت هذا الألبوم في الولاياتالمتحدةالأمريكية في شهر غشت الماضي بإمكانياتي الخاصة، ودون دعم من أي جهة من المغرب، وهو ما كلفني ميزانية كبيرة، لكن لا يهمني ذلك، فأنا أصبو إلى التأريخ للموسيقى المغربية. تطلب مني أنجاز الألبوم سنة من البحث، وتسجيل الموسيقى بمساعدة أخواي، اللذين لولاهما لما استطعت الوصول إلى ما أنا عليه الآن. وما أرجوه هو أن يهتم المسؤولون بهذا الألبوم وأن يساهموا بشراء نسخ من هذا العمل على الأقل. لماذا تمزج في موسيقاك بين مختلف الأنواع الموسيقية العالمية؟ بكل بساطة أنا أسعى إلى الخروج بالموسيقى المغربية من رقعتها الضيقة، والوصول بها إلى العالمية، ولهذا اخترعت جازا مغربيا خاصا بنا، وجد ولله الحمد صدى طيبا في العالم، وأضحى مطلوبا في مختلف المهرجانات والتظاهرات الموسيقية العالمية. اشتغلت بالموسيقى التصويرية لمجموعة من الأفلام، فكيف كانت تجربتك في هذا المجال؟ اشتغلت مع كل المخرجين الذين طرقوا بابي، وهناك منهم من استطاع أن يخرج مني بعض الكنوز الدفينة من الموسيقى، إذ قدمت في بعض الموسيقات التصويرية مقاطع موسيقية لم يسبق لي تقديمها من قبل. وما أؤاخذه على بعض المخرجين هو لجوؤهم إلى موسيقيين أجانب لإعداد موسيقى تصورية لأفلام مغربية، وتعويضهم بأموال باهظة، وآخر شيء يفكرون فيه هو المؤلف الموسيقي المغربي، الذي يتعامل مع البعض بشكل غير مهني، ويفرضون عليه شروطا لا يمكن قبولها، لدرجة تجعلك تندم على الاشتغال معه، لأنه لا يميز بين الملحن والمؤلف الموسيقي. * باعتبارك أستاذا باحثا تمارس التدريس، فما هي وضعية المعاهد الموسيقية اليوم؟ ** منذ غادرت الولاياتالمتحدةالأمريكية، ودخلت المغرب سنة 1982، اصطدمت بالواقع المغربي، ولم أجد أي مخاطب منذ ساعتها إلى الآن، المرحلة التي أشرفت فيها على التقاعد. لقد تعبت من محاولة إصلاح وضعية المعاهد، التي ذقت فيها الأمرين، إذ حينما سعيت إلى تغيير الوضع جرى توقيفي لسنتين من طرف وزارة الثقافة. لا ألوم المسؤولين، وأتمنى أن يتفهموا وضعي، لأنه عوض أن يتخذوا هذا الإجراء في حقي كان الأجدر بهم تصحيح الوضع. ما رأيك في مستوى الموسيقى المغربية اليوم، والموسيقى الأمازيغية خاصة؟ مشكل الموسيقى المغربية اليوم هو أن المشتغلين فيها يسعون إلى تقليد الموسيقى الغربية، ولا يولون اهتماما كبيرا لموسيقاهم الخاصة، ولتراثهم العريق، لدرجة أن الآلات الموسيقية المغربية العريقة لم تعد تدرس في المعاهد، على عكس المعاهد العليا الغربية، التي تحضر فيها الآلات التقليدية إلى جانب الآلات الحديثة. فكبار الموسيقيين العالميين اشتغلوا على موسيقات عريقة، وألفوا سيمفونيات عظيمة وخالدة، من مثل "بحيرة البجع" لتشايكوفسكي، المستوحاة من تراث موسيقي روسي عريق. وما يكرس المستوى المتدني لبعض الموسيقات المغربية هو البرامج الموسيقية بالتلفزيون المغربي، أو ما يصطلح عليه بالسهرات، التي يقدمها ويشرف عليها أناس من خارج المجال الموسيقي، ويفرضون على المشاهد أنواعا موسيقية وأسماء تروقهم هم، وليس المشاهدين. فالوجوه نفسها تتكرر في أغلب السهرات، والموسيقى المقدمة لا ترقى بالذوق، ولا تغذي الروح، فهذا عيب وعار.