بعد مرور شهر على الأحداث التي هزت، خلال غشت الماضي، بعض مدن المملكة المتحدة، بما فيها لندن، يحاول المجتمع البريطاني الوقوف على الأسباب الكامنة وراء اندلاع شرارة تلك الأزمة. أحداث غشت لم تشهدها شوارع بريطانيا منذ عشرات السنين (خاص) ويبدو أن مقاطعة هانكي اللندنية، حيث اندلعت الأحداث عقب مواجهات بين متظاهرين وقوات حفظ النظام، كانت تتوفر على جميع العناصر، التي أدت إلى انفجار هذه الأحداث، التي لم تشهدها شوارع بريطانيا منذ عشرات السنين. ويعد الفقر والجريمة وتجارة المخدرات، إضافة إلى الإهانة والإقصاء، من بين العوامل، التي تغذي تذمر شباب هذا الحي، الذي يضم أقليات من مختلف المناطق. ففي يوم 8 غشت، الذي سيبقى محفورا في ذاكرة البريطانيين، أطلق شباب جادة "مار ستريت" المحرومون فوضى عارمة بحي هاكني، من خلال إشعال النيران في مجموعة من السيارات الفارهة وتخريب واجهات المحلات، قبل الشروع في أعمال النهب والتدمير. وتقول صحيفة "التايمز"، في دراسة حول هذه الاضطرابات، التي أربكت مجتمعا بأكمله، إن من الأسباب التي أدت إلى اندلاع هذه الأحداث، هناك إخلال مجموعة من الأسر بالتزاماتها وتدهور قيم التضامن والعلاقات السيئة مع الشرطة والفقر والبطالة . فلا غرابة إذن، تضيف الصحيفة أن تظل مقاطعة هاكني، رغم الارتفاع الصاروخي لأسعار العقار، من بين أفقر المقاطعات بلندن، حيث تضرب البطالة أطنابها، وحيث عدد الراغبين في الحصول على تعويضات البطالة يفوق ثلاث مرات المعدل الوطني، كما أن واحدا من بين كل خمسة أشخاص يعيش على إعانات الدولة. وأبرزت "التايمز" أنه في هذا الحي، تواجه جالية الملونين، التي تمثل 30 في المائة من سكان المقاطعة، مجموعة من الصعوبات من أجل الحصول على منصب عمل، فبمدخول يقل عن 800 جنيه إسترليني في الشهر، تعتبر أسر المقاطعة من بين العائلات الأدنى دخلا على مستوى المملكة المتحدة. كما يتعين الأخذ بعين الاعتبار مشاكل الحصول على سكن، فحسب الدراسة، يعاني 35 في المائة من السكان من الاكتظاظ، ويرتفع هذا المعدل إلى 46 في المائة بين السكان الذي يقل سنهم عن 20 عاما بهاكني، حيث يمثل السكن الاجتماعي أكثر من 50 في المائة من المنشآت السكنية. لذلك فإن هذا الوسط يتوفر على كافة عوامل ازدهار الجريمة والعنف وترويج واستهلاك المخدرات بهذه المنطقة، التي يخشى عمال توصيل طلبات "البيتزا" وسائقو سيارات الأجرة ولوجها . وتخلص الصحيفة إلى أن هذا الحي يعاني كثيرا من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية لدرجة أن الآباء يحاولون إرسال أبنائهم إلى أقارب يعيشون بعيدا لتمكينهم من الدراسة في أفضل المدارس وارتياد مجتمع أفضل. وأعربت ديان أبوت، النائبة البرلمانية عن شمال هاكني، عن أسفها لكون "بعض الأسر تتكون من عاطلين عن العمل فقط"، قبل أن تضيف زمليتها النائبة البرلمانية عن جنوب المقاطعة، ميغ هيلر، أن هذا المعطى ينعكس سلبا على الأطفال، في سن التاسعة أو العاشرة، الذين يقعون في فخ شبكات الجريمة والمخدرات. أما الوزير المكلف بالمتقاعدين، إيان دوكان سميث، فيرى أن الأمر يتعلق "بمجتمع قائم الذات، مقصي ومنكفئ على ذاته"، مشيرا إلى أن المجتمع البريطاني غض الطرف عن المشاكل، التي تتخبط فيها أزيد من 4 ملايين أسرة في إنجلترا لوحدها. وأشار هذا الزعيم السابق لحزب المحافظين، في مقال بصحيفة التايمز، إلى "تراجع القيم الأخلاقية الذي طال المجتمع برمته حتى أعلى مستوى منه (...). وأصبحنا نرى اليوم إخلالا بالمسؤوليات من طرف قادة المجتمع"، معتبرا ما حصل نتيجة ل "التستر" على مجموعة من مشاكل التجمعات السكنية المنغلقة على أمل أن "تبقى بعيدا عن أعين الطبقة المتوسطة ذات الغالبة". ويرى سميث أنه لا يمكن حل هذه المشاكل عبر المقاربة الأمنية فقط بل عبر "إجابة قوية وشاملة"، موضحا أنه أعد مخططا يرمي إلى منع الشباب من الانخراط في العصابات وتحريرهم من قبضتها. وفي إطار مجهود البحث عن حلول دائمة لهذه الآفات، يعقد الوزير لقاءات أسبوعية مع رئيس الوزراء، دافيد كاميرون، ونائبه نيك كليغ، ووزير المالية جورج أوزبورن، والأمين العام للخزينة، داني أليكساندر.