كشفت الندوة الدولية الخامسة حول المالية العمومية، التي انعقدت بالرباط يومي الجمعة والسبت الماضيين، العديد من الأرقام، التي تهم المداخيل الجبائية، وكذا الإجراءات والمبادرات، التي يعتزم المغرب إدخالها للإصلاح المالي العمومي. وحسب الوثائق، التي وزعت في الملف الصحفي، سجلت المداخيل الضريبية بالمغرب، خلال الشهور الستة الأولى من العام الجاري، زيادة بنسبة 6,1 في المائة، لتستقر في حدود 84 مليار درهم، بفضل الأداء الجيد، الذي سجلته الضرائب المباشرة وغير المباشرة، ورسوم التسجيل والتنبر، ما ساهم في تغطية الخصاص الذي عرفته هذه السنة المداخيل الجبائية الناشئة عن الرسوم الجمركية. وأبرزت الوثائق نفسها، التي وزعت على هامش الندوة الدولية الخامسة، التي نظمتها وزارة المالية والاقتصاد، بشراكة مع جمعية المؤسسة الدولية للمالية العمومية والمجموعة الأوروبية للبحوث في مجال المالية العمومية، تحت شعار"انسجام المالية العمومية في المغرب وفرنسا"، أن مداخيل الضريبة المباشرة وحدها تجاوزت 37,2 مليار درهم، موضحة أنه كان للضريبة على الشركات دور كبير في تحقيق هذا النمو، إذ وصلت مداخيلها، خلال الشهور الستة الأولى من العام الجاري إلى 23,4 مليار درهم. كما انتقلت مداخيل الخزينة العامة من الضريبة على الدخل، في النصف الأول من 2011، من 12,3 مليار درهم إلى 12,8 مليار درهم، في حين ناهزت مداخيل الضرائب غير المباشرة 35,7 مليار درهم، لتسجل نموا سنويا بنسبة 6,3 في المائة، بفضل التحسن الملموس، الذي شهدته مداخيل الضريبة على القيمة المضافة المفروضة على الاستيراد، التي فاقت وحدها 15 مليار درهم، وحسب القطاعات سجلت مداخيل الضريبة الداخلية على الاستهلاك 10,6 ملايير درهم بنمو نسبته 2 في المائة، مقارنة مع مداخيل 2010، ودفع المغاربة للخزينة ما يفوق 6 ملايير درهم على شكل رسوم التسجيل والتنبر، لينتعش هذا الفرع الضريبي بحوالي 8,7 في المائة. أما الإيرادات غير الضريبية للدولة، فسجلت 13,1 مليار درهم، بزيادة 47,4 في المائة سنويا. هذا الأداء الجيد هو نتيجة لعائدات الخوصصة التي بلغت 5,3 ملايير درهم متحصلة من بيع حصة 20 في المائة في البنك الشعبي المركزي في ماي 2011. وقدرت التكلفة الإجمالية للنفقات الضريبية بفرنسا، خلال سنة 2010، بحوالي 74 مليونا و788 ألف اورو، في حين قدرت التكلفة الإجمالية لها خارج مخطط الإقلاع بما يناهز 72 مليونا و199 ألف أورو. وحسب المجلة الفرنسية للمالية العمومية، التي وزعت ضمن الملف الصحفي للندوة الدولية الخامسة حول المالية العمومية بالمغرب وفرنسا، مثلث حصة الضرائب غير المباشرة أزيد من 74,9 في المائة، خلال سنة 2008، و 71,2 في المائة، خلال سنة 2009، في حين تمثل حصة الضرائب المباشرة 25,1 في المائة خلال سنة 2008، و28,8 في المائة، خلال سنة 2009. أما خلال سنة 2010 توضح المجلة نفسها، فبلغت حصة الضرائب غير المباشرة، في مجموع الضرائب 65,7 في المائة، بينما ناهزت حصة الضرائب المباشرة 34,3 في المائة. وأبرزت المجلة أن القطاع، الذي مثل أكبر قدرات ضريبية بفرنسا، خلال سنة 2009، كان قطاع العقار بنسبة 14,22 في المائة، والقطاع ذو الطابع الاجتماعي 13,62 في المائة، والفلاحة والصيد البحري بنسبة 13,24في المائة، وقطاع الخدمات بنسبة 13,23 في المائة، والقطاع الصناعى بنسبة 13,9 في المائة، أما عمليات التصدير والخدمات فلم تتجاوز حصتها الضريبية، خلال 2009، 8,19 في المائة. كما كشف صلاح الدين مزوار، وزير الاقتصاد والمالية، خلال افتتاحه لأشغال هذه الندوة، أن المغرب تمكن من مقاومة الآثار الظرفية للأزمة المالية الدولية، من خلال وضع ترسانة من التدابير تهدف، من جهة، إلى تحفيز الطلب المحلي والحفاظ على القطاعات التي تعتمد على الطلب الخارجي من تداعيات الأزمة، موضحا أنه في مواجهة الآثار الهيكلية للأزمة، "اعتمدنا مقاربات جديدة لوضع وتنفيذ سياساتنا العامة، وبصفة خاصة السياسات المتعلقة بالمالية العامة". وقال مزوار إن الدستور المغربي الجديد وضع أسس اقتصاد سوسيو- ليبرالي يسعى إلى الجمع بين أهداف نمو قوي، وتلك المرتبطة بتضخم محدود، ومعدل بطالة منخفض، وحماية اجتماعية مناسبة. وأضاف الوزير أن الدستور الجديد يروم تحقيق تنمية مستدامة ومندمجة ورغبة حقيقية لتنظيم التنمية، التي ستكون نتيجة لمسلسل التخطيط الاستراتيجي"، مضيفا أن الدستور يسمح بتوفير أدوات لإنجاز الانتقال الاقتصادي، الذي شرع فيه منذ عشر سنوات، تميزت باعتماد استراتيجية قطاعية، والإعداد بشكل تديريجي لبيئة مناسبة للاستثمار. وأعلن أنه، تطبيقا للدستور الجديد، فإن إصلاح القانون التنظيمي للمالية يشكل فرصة لإعطاء نفس جديد لتحديث الدولة، وتعزيز أداء التدبير العمومي، مشيرا إلى أن الهدف المحدد لهذه المؤسسة هو القيام بتغيير جذري للجهاز التنظيمي للميزانية برمته، لإضفاء مزيد من الفعالية ومساءلة المشرفين على التدبير والانتقال بنظام المالية العامة المغربية، من إطار منطق قانوني ومحاسباتي نحو مقاربة تعتمد ثقافة التدبير في خدمة التنمية . وأكد أن الأهداف المتوقعة من خلال إصلاح القانون التنظيمي للمالية تتمثل في تحديث الإطار المالي، تحقيقا للمزيد من الإنجازات وتقوية دور الميزانية في مواكبة تنفيذ الإصلاحات البينوية ودينامية النمو الذي انخرطت فيه البلاد، مبرزا أن هذا الإصلاح سيسمح، أيضا، بمواصلة الجهود المبذولة لتوطيد الإطار الماكرو -اقتصادي، وبروز حكامة ترابية جديدة، كما أنه يفتح الطريق لتعزيز دور الرقابة البرلمانية على السياسات العمومية . وقدم مزوار، أيضا، بعض الخطوط العريضة لمشروع القانون التنظيمي للمالية، التي تنكب وزارته على إعداده، مبرزا أن هذا المشروع يعتمد على منهج الأداء من خلال السماح للمغرب بتبني دستور مالي قادر على ضمان أداء الإنفاق العمومي عبر منح فعالة للموارد المالية، وانسجام بين السياسات القطاعية وحكامة فعالة بين القطاعات. وتحدد مدة المشروع في ميزانية لمدة ثلاث سنوات، مع مساءلة المشرفين على التدبير حول الأهداف المرتبطة برامجهم والوسائل التي سيجري منحها إياهم، حسب مزوار. وقال الوزير إن مشروع القانون التنظيمي للمالية سيساعد ممثلي الأمة على لعب دورهم الكامل في ترخيص ومراقبة الميزانية، مضيفا أن الأمر يتعلق هنا بالبحث من خلال هذا القانون على اتباع نهج شامل ومتكامل لتعزيز الفعالية وعقلنة الإنفاق العمومي وتحسين تخصيص موارد الميزانية. كما أوضح نور الدين بنسودة، الخازن العام للمملكة، أن الدستور الجديد والجهوية المتقدمة والإصلاح الجاري حول القانون التنظيمي للمالية، تشكل أساس انسجام ميزانية الدول، مؤكدا أن انسجام مالية الدولة الترابية يطرح على الأقل ثلاث قضايا أساسية، تكمن أولاها في كيفية توزيع الاختصاصات بين الدولة والجماعات الترابية، وثانيها في سبل توفير الموارد المالية الضرورية للجماعات المحلية، دون المساس باستقلاليتها المالية، فيما تكمن الثالثة في كيفية إرساء نظام ضريبي محلي، مع السهر على ضمان مستوى مقبول من الضغط الضريبي على المستوى الوطني. كما شكلت الندوة الدولية، فرصة لتسليط الضوء على تقرير الجهوية الموسعة، إذ أكد عمر عزيمان، رئيس اللجنة الاستشارية للجهوية، أن التقرير يشدد على ضرورة تمكين الجهة من المؤهلات الضرورية لبناء "شخصيتها وإثبات مواهبها وتحرير طاقاتها".