يتزامن تخليد الذكرى 90 لمعركة أنوال الخالدة، اليوم الخميس، مع أجواء الحماس الوطني والتعبئة الشاملة، التي يعيش على إيقاعها الشعب المغربي، من طنجة إلى الكويرة، في أعقاب الإجماع الوطني، الذي حظي به الدستور الجديد للمملكة في الاستفتاء الشعبي لفاتح يوليوز 2011. وأكدت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في مقال لها بالمناسبة، أن الدستور الجديد للمملكة، الذي حظي بالتفاعل الإيجابي، والتجاوب المسؤول لكافة القوى الحية، والأطياف السياسية، وكل مكونات الرأي العام الوطني مع مقتضياته، يشكل ملحمة جديدة تنضاف إلى بطولات ملحمة التحرير والاستقلال والبناء والوحدة، ومنها معركة أنوال، كما أنه ثورة ديمقراطية هادئة وتشاركية في مسار الحياة السياسية للبلاد، على درب استكمال البناء المؤسساتي، وترسيخ آليات الحكامة الجيدة، وتوفير المواطنة الكريمة، والعدالة الاجتماعية، في ظل التشبث بالمقدسات الدينية والثوابت الوطنية. وكتبت المندوبية أن هذه الملحمة الخالدة، التي يخلدها المغاربة بكل فخر واعتزاز، حققت فيها قبائل الريف المجاهدة بقيادة البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي، انتصارا ساحقا على القوات الإسبانية الغازية لربوع الشمال المغربي. وفي استحضارها لفصول هذه المعركة المجيدة، ذكرت بأنه منذ مطلع القرن العشرين، وتحديدا في الفترة ما بين 1907- 1912، قاد الشريف محمد امزيان مقاومة ضارية في مواجهة الغزو الأجنبي لقوات الاحتلال الإسباني، وخاض عدة معارك بطولية ضدها، حقق خلالها انتصارات باهرة، وظل صامدا في وجه التحدي الاستعماري إلى أن سقط شهيدا في ساحة الشرف والكرامة يوم 15 ماي 1912. واستطاع البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي، بفضل شخصيته القوية، وحنكته العسكرية، تنظيم حركة المقاومة سياسيا وعسكريا، لتشمل مناطق الشمال بكاملها. وتميزت هذه الحركة بدقة التنظيم، وقدرة الاستقطاب، وبالتخطيط المحكم، والإتقان في الأداء، إذ كانت معركة أنوال في يوليوز سنة 1921، بمثابة الضربة القاضية للقوات الإسبانية، بفضل الأسلوب المتطور على مستوى التخطيط والتنفيذ على أرض الميدان. وتوجت هذه المعركة الكبرى بمنطقة أنوال، بانتصار ساحق للمجاهدين الريفيين، ما شكل ضربة موجعة لإسبانيا، خصوصا أن خسائرها كانت ثقيلة، حيث بلغ عدد القتلى الآلاف ومن بينهم قائدها العام الجنرال "سلفستر". وبعد انهزامها أمام أبطال ملحمة أنوال، تراجعت القوات الإسبانية، وتمركزت بمدينة مليلية المحتلة، بينما حظيت حركة المجاهدين، بمباركة ودعم كل القبائل، والقوى الوطنية الحية، والحركات التحريرية، والمحافل الدولية. لقد منيت قوات الاحتلال الأجنبي خلال معركة أنوال بخسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وأربكت الحرب الريفية حسابات الاحتلال الأجنبي، الذي اهتزت أركانه، واضطر بذلك للتفاوض مع المجاهدين لحفظ ماء الوجه. ورغم تحالف قوات الاستعمارين الإسباني والفرنسي، استطاع البطل محمد بن عبد الكريم، والمجاهدون المغاربة، الصمود في وجه القوات المتسلطة لمدة سنة كاملة، دخلوا خلالها في مفاوضات معهما، فانعقدت عدة لقاءات مع القوتين المتنافستين، أسفرت عن قبول شرط إيقاف الحرب الريفية دون تسليم الأسلحة. وبعد أن تبين للمجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي أن هذه الحرب غير متكافئة بين الجانبين، فضل تسليم نفسه للمحتل الفرنسي حقنا للدماء، صبيحة يوم 26 ماي 1926. وتواصل نضال سكان الريف في سياق نضالات الحركة الوطنية المغربية، التي قادها بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس، طيب الله ثراه، منذ اعتلائه العرش سنة 1927. وأكدت المندوبية السامية أن أسرة المقاومة وجيش التحرير، وهي تخلد هذه الذكرى المجيدة، لتتوخى استحضار بطولات ملحمة التحرير والاستقلال، والإشادة بفصولها ورجالاتها، وتنوير أذهان الناشئة والأجيال الجديدة، والقادمة، بمعانيها، تحصينا لها في مسيرات المغرب الظافرة، دفاعا عن مقوماته التاريخية، وعن مقدساته الدينية، وثوابته الوطنية، وتطلعا إلى إنجاز المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي التضامني والتنموي، الذي يقوده صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، بعزم واقتدار وبعد نظر، لمواصلة بناء مغرب الحاضر والمستقبل.