لم تعد اللغة العربية، بالنسبة للكثير من العائلات الميسورة، بحرا في أحشائه الدر كامن، كما قال الشاعر حافظ إبراهيم، إذ بتنا نلاحظ بالملموس واقعا مختلفا، يكرس الاهتمام الأعمى باللغات الأجنبية، وإهمال اللغة العربية علما أن تعلم اللغات وإتقانها مفخرة لأي شخص عنده دراية واسعة في علم اللغات، بحكم أنها وسيلة من وسائل التواصل والانفتاح مع العالم الخارجي. لكن من المؤسف أن نجد أطفالا لا يستعملون لغتهم الأصلية، ولا يجيدونها أثناء الحديث، وما يحز في النفس أكثر، أن أحدهم إذا أخطأ في لفظ، أو كتابة كلمة باللغة العربية لا يعير اهتماما لذلك، وأحيانا يتباهى بأنه لا يحسن اللغة العربية. وما يزيد الطين بلة، أن هناك أسرا لا تتحدث إلا الفرنسية كلغة تحاور مع أبنائها أو كنوع من التميز أو الافتخار. تربية الأطفال وتعليمهم ليس مسؤولية الأسرة فحسب، بل، أيضا، المدرسة تضطلع بهذا الدور، فلهما معا دور أساسي في توجيه الطفل تربويا وسلوكيا، لهذا بات كثير من الناس يعتقدون أن تعلم اللغات أصبح من ضروريات الحياة، خصوصا أننا نلاحظ، في الآونة الأخيرة، هاجس بعض الأسر المتمثل في تسجيل أطفالها في مؤسسات أجنبية أو مجموعات مدارس خاصة، لها صيت كبير في مجال التدريس، وتتسابق من أجل إيجاد مقاعد دراسية شاغرة. ورغم الثمن الباهظ الذي يتطلبه التسجيل وثمن الواجب الشهري، إلا أن هذا لا يكون عائقا، خصوصا لدى الأسر الميسورة، طالما التمدرس يكون باللغات الأجنبية غير اللغة العربية، من أجل تكوين جيد وتعليم راق يضمن لأطفالها مستوى ثقافيا عاليا يفتح أمامهم آفاقا كبيرة في حياتهم المستقبلية، زيادة على مزايا هذه المدارس في ظل عصر العولمة والتطور التكنولوجي الواسع، والحصاد الأخير هو الحصول على أحسن الوظائف، بحكم النظام المعمول به لدى الشركات، الأسبقية لخريجي هذه المؤسسات، زيادة على تمكنهم الواسع في مجال التواصل باللغات الأجنبية غير العربية. إذن من خلال هذه المدارس ورغم المميزات التي تتحلى بها في مجال التعليم، إلا أن العواقب تكون وخيمة بالنسبة للغة العربية، لأن جميع هذه المدارس لا تستخدم لغة الضاد ولا تقدم للتلميذ فرصا كافية لاستخدام اللغة العربية بشكل جيد كما هو مطلوب. وقد أدلت عينة من الآباء والأمهات، ممن وضعوا أبناءهم في هذه المدارس الأجنبية منذ الصغر، ل"المغربية" بتصريحاتها، إذ تقول أمينة، وهي أم لتلميذ بإحدى هذه المؤسسات "لست ضد اللغة العربية، لكن في ظل العولمة والتطور التكنولوجي، اللغة الفرنسية أو الإنجليزية تعد من متطلبات النجاح في الحياة، فالشخص الذي يتقن عدة لغات له مستقبل أفضل وأسهل، لأنها لغة التواصل مع العالم الخارجي، وفي نظري الأشخاص، الذين يكون مستواهم الثقافي باللغة العربية تكون نسبة فرص العمل محدودة لديهم، ناهيك عن أن جميع الوظائف تستخدم لغات أجنبية غير اللغة العربية، وبالطبع يجب أن لا ننسى لغتنا الأصلية، فهي الأساس قبل أي لغة، لكن مع الأسف تعلم اللغات، بلا شك، له فوائد كثيرة، لهذا السبب عملت المستحيل لتسجيل ابني في هذه المدرسة الأجنبية". في حين أن عبد الله كان له رأي مخالف حين صرح ل "المغربية" "ما يحز في نفسي، أن تجد بعض الأسر تتحدث مع أبنائها وأمام الناس باللغة الفرنسية، كنوع من التباهي أو الدلالة على الانفتاح، والملاحظ حاليا أن اللغة الفرنسية أصبحت بديلة للغة العربية، وبالتالي الطفل لا يعرف لغته الأصلية بسبب الوسط الذي أجبره على ذلك، وهذا ما ينتج عنه انعدام التواصل مع بقية المجتمع، وهذا ما يجعل الطفل في دوامة بسبب التشتت بين أكثر من لغة مع إهمال اللغة العربية، علما أن لغتنا هي لغة القرآن، وبالتأكيد العامية ساهمت هي الأخرى في تدهور اللغة العربية الفصحى، حتى أنك تجد في بعض اللوحات الإشهارية تستعمل اللغة الفرنسية في كتابة الكلمات العربية". أما ابتسام فأجابت بنبرة حزينة "قضية تعريب التعليم، والتعريب الكامل لكل المواد، هو المشكل الأساسي الذي حتم على هذه الأسر تسجيل أبنائها بهذه المدارس، هذا هو السبب الحقيقي، زيادة على طريقة التعليم ومستوى التدريس وازدحام الفصول". أما زهرة فقالت "هل اللغة العربية عبء ولها منا كل هذا الاحتقار؟ لا وألف لا، اللغة العربية هي لغة القرآن، ولماذا نحن أيضا لا نتباهى بلغتنا؟ حقيقة أنا من المؤيدين لتمدرس أطفالنا في هذه المدارس، لأن خريجي هذه المؤسسات هو طالب مسلح بالعلم والفكر والتكنولوجيا، وهذا سيعود بالنفع على المجتمع، لأن أطفالنا هم رجال المستقبل، ويجب أن يتسلحوا بالعلم وروح العصر، لكن ليس على حساب لغتها وتاريخها وثقافتها ودينها، وألا يفرطوا في جذورهم التي تمتد عبر التاريخ".